تحقيق : حاتم عبدالحكيم
بدايتنا البشرية تحكي أننا من بيت واحد ، واختلاف أفكارنا وقناعاتنا عبر الزمان والمكان لا يقف حاجزا للتعبير بمشاعر المودة والبر والخير للجميع . فبُعدي عن بعض مفاهيمك ومعتقداتك ، واقترابي من مفاهيمي ومعتقداتي ؛ لا يعني بُعدي عن إنسانيتنا وإن اختلفت اختياراتنا التي هي من حقوقنا .
فالإنسان له تصورات ذهنية وآراء فكرية وفقًا لثقافته ومعلوماته.. لم تنفد إنسانيك ولا تفكيرك ، ولم ينفد صبرك بالبحث ، ولم يؤثر على مشاعرك العناد والكراهية بل لا يصدمك ظهور مفاهيم أخرى غير التي تربيت عليها ؛ فاحتمالية ظهور الحقيقة التي تغاير أفكارك غير مستحيلة ، فلدينا - نحن البشر - تنوع واختلاف بالطقوس والطقس . فالطقوس غير ثابته بأفكارنا تجاه الله وتعاليمه ، كما لدينا التنوع بالطقس والمناخ وبالثقافات والعادات والتقاليد وأساليب التعايش . فمجرد تغيير أفكارنا التى تقتنع بها عقولنا وتتقبلها قلوبنا لا يعنى أن يسب ويهين بعضنا بعضا فالبحث ومحاولة اكتشاف طريق الحكمة هو مسلك الطريق الصحيح الذى يُحتمل أن يكون مغاير للذى تربينا عليه وتوارثناه .
ـ وهب الله لنا ثنائية بالأرض للتبادل والتكامل : ليل ونهار .. ذكر وأنثى .. شعوب وقبائل ، تنوع يعطي تداول حياة واستقرار وتعارف .. فلماذا نجد الإنسانية في الصراعات الدامية على مر العصور بالأقلام والأسلحة !
التنوع الإنساني: مفتاح النهضة أم سبب الصراع؟
يقول بهجت العبيدي ، كاتب مصري مقيم بالنمسا
شهد التاريخ الإنساني فصولًا متباينة عكست كيف يمكن للتنوع أن يكون قوة دافعة للنهضة والتقدم، أو سببًا للصراعات والدمار. ففي عصور الحضارة الإسلامية، كان التنوع الثقافي والفكري هو القلب النابض للنهضة العلمية. فلقد كان بيت الحكمة في بغداد نموذجًا استثنائيًا لهذا التفاعل، حيث التقى العلماء المسلمون بنظرائهم من مختلف الأديان والثقافات، وتُرجمت أعمال الفلاسفة والعلماء اليونانيين والفرس والهنود، لتُصبح القاعدة التي أُسست عليها علوم الفلك، والطب، والرياضيات، والفلسفة.
فالخوارزمي، الذي يُلقب بأبي الجبر، جمع بين الرياضيات الهندية والفكر الإسلامي ليبتكر أسسًا رياضية ما زالت تُستخدم حتى اليوم. وابن سينا استفاد من التراث الطبي اليوناني والفارسي ليضع موسوعته الطبية “القانون”، التي شكلت أساس تدريس الطب في الجامعات الأوروبية لقرون. وابن الهيثم، بتجاربه الدقيقة وملاحظاته البصرية، أسس قواعد علم البصريات الحديث، مستفيدًا من التراث العلمي الممتد من الحضارات البابلية والهندية.
في المقابل، كانت أوروبا تعيش عصورًا مظلمة، حيث سيطرت الكنيسة على الفكر وقيدت الإبداع. ومع ذلك، بدأت أوروبا تستيقظ تدريجيًا بفضل احتكاكها بالحضارة الإسلامية عبر الأندلس وصقلية، حيث تعرفت على العلوم والفنون التي فقدتها منذ قرون. فترجمت النصوص العربية إلى اللاتينية، وظهر جيل من المفكرين والعلماء الأوروبيين الذين استفادوا من هذا الإرث. فغاليليو غاليلي، على سبيل المثال، بنى على الفلك الإسلامي ليؤكد مركزية الشمس. وليوناردو دافنشي، الذي يُعتبر رمزًا للنهضة الأوروبية، اعتمد على المنهج العلمي الذي وضعه المسلمون في الجمع بين التجربة والنظرية.
لكن التنوع الذي قاد أوروبا إلى النهضة كان مسبوقًا بصراعات دموية، كحروب الإصلاح الديني، التي كشفت عن صعوبة تقبل الآخر. لم يكن الاعتراف بالتعددية داخل المجتمع الأوروبي نتيجة لوعي عميق، بل لدماء سفكت قبل أن يُدرك الغرب أن الاختلاف يمكن أن يكون مصدر قوة، لا تهديدًا.
والطقوس البشرية هي وجه آخر للتنوع الذي يعكس عمق الثقافات الإنسانية وتعددها. فالطقوس الدينية، على وجه الخصوص، تُظهر كيف يمكن لهذه الممارسات أن تكون وسيلة للتقارب أو الانقسام. ففي الإسلام، نجد أن طقس الحج يجمع المسلمين من مختلف الأعراق والثقافات، في لقاء سنوي يُجسد الوحدة الإنسانية رغم الاختلافات. وفي المسيحية، يشكل عيد الميلاد (الكريسماس) مناسبة عالمية تخطت حدود الدين لتصبح رمزًا للتقارب والمحبة.
لكن الطقوس ليست دائمًا قوة جامعة، إذ يمكن أن تتحول إلى حاجز يفصل بين الشعوب. فطقوس عاشوراء، على سبيل المثال، تحمل في جوهرها رسائل إيمانية وروحية، لكنها تتحول أحيانًا في سياقات معينة إلى رمز للانقسام الطائفي. وعلى المستوى القومي، نجد أن الطقوس الثقافية تُستخدم أحيانًا كأداة لفرض الهيمنة، كما فعل المستعمرون الأوروبيون الذين سعوا لطمس هوية الشعوب المحتلة بفرض طقوسهم وعاداتهم.
إن الطقوس الثقافية، بعيدًا عن الجانب الديني، هي كنز إنساني يُبرز التنوع والتفرّد. فاحتفال “هانامي” الياباني، حيث يجتمع الناس لمشاهدة أزهار الكرز، يعكس تقديرًا للطبيعة والترابط بين الإنسان وبيئته. وفي إفريقيا، طقوس الزواج التقليدية والرقصات القبلية تُجسد الفرح والاحتفاء بالحياة بأساليب فريدة تمثل هوية كل مجتمع. وفي العالم العربي، يمثل الإفطار الجماعي في رمضان رمزًا للتقارب بين الأفراد والمجتمعات، حيث يجتمع الناس على مائدة واحدة بغض النظر عن اختلافاتهم.
وأضاف أبوبكر عبدالسميع ، الكاتب الصحفي
ومما يدل على شكل من أشكال هذا التنوع وفهم المسلمين له ، أنه ظهرت فرق إسلامية بأفكار تبناها علماء واختلفوا عليها مثل السنة والشيعة والمعتزلة والمرجئة والاباضية ،أيضا نجد ذلك التنوع داخل العقيدة الواحدة بين المسلمين مثل المذاهب :المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي والظاهري وغيرها من مذاهب ،اختلافها بالاجتهاد أنتج الفقه الاسلامي الذي يخص الناس دينا ودنيا ٠
٠٠فمن الخطأ بل أكبر جرائم الخطيئة أن يتنكر البعض لهذا التنوع الحتمي ويقف بالمرصاد ضد فطرة الناس و يقف ضد موهبة العقل التي ميز الله سبحانه وتعالي بها الناس ،فنري هؤلاء الذين يسبحون فى بحر عميق ضد تنوع الحياة بمعطيات خلق الله الكون علي غير مثال سابق بل قال له كن فكان الكون بتنوع اختلافات كل شيء فيه ٠
وتابعت د. أمل درويش ، الأديبة والناقدة
إن الصراعات الإنسانية لا تنتهي ولكنها تغيّر وجوهها ، لم يستشعر الإنسان قيمته بين المخلوقات فأعماه الغضب والغرور وجعله يتنازل عن أهم ما يميزه وهو العقل.
ولعل أول جريمة ترتكب على وجه الأرض كانت قتل أحد ابني آدم لأخيه، ومن هنا فالصراعات الإنسانية ليست حديثة ولا وليدة الصدفة . فتُغير الدول القوية على جارتها الصغيرة، وتمتد أطماعها محاولة احتلالها، ومع التطور المذهل والانفتاح الخطير لم تعد الأطماع تتحقق بالطرق التقليدية من احتلال مدعوم بالقوات والجيوش؛ فالجيوش الآن صارت الكترونية والحروب معلوماتية، ووسائل الهجوم سيبرانية.وكلها طرق جديدة يسرتها التكنولوجيا المتطورة، فصارت للحروب وجوه جديدة أكثر قبحا وأشد خطرا وأعنف تأثيرا مما سبق.ولا يمكن أن نتوقع انتهاء هذه الصراعات؛ فهي باقية ما بقي الإنسان على وجه الأرض.
وتابع محمود قنديل ، كاتب وروائي
أعتقد أن الصراعات الدامية وغير الدامية على وجه البسيطة تعود إلى الجانب المظلم في النفس البشرية، ولعلنا نذكر – هنا – أول جريمة أُرتُكِبَت على ظهر الأرض، والمتمثلة في قتل قابيل لأخيه هابيل، والسبب كان نظرة الغيرة والحسد من الأخ لأخيه (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) المائدة27واستمرت تلك النظرة على مدى الأجيال والعصور؛ سواءً على المستوى الفردي أو الجمعي (قبائل، وجماعات، وشعوب)، وهي نظرة تنحاز إلى الفجور وتبتعد عن التقوى (فهم مراد الله في خلقه).
وتطور الأمر – بين البشر – إلى كراهية الآخر على أساس الدين أو الجنس أو المعتقد أو العِرْق، وغيره.
والقرآن رصد هذه الحقيقة المتأججة في أغوار النفس البشرية (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ) طه120
نحن نحتاج إلى الحد من هذه الصراعات – قدر المستطاع – وليس القضاء عليها، لأن ذلك ليس بمقدورنا مهما حاولنا، نريد الحد الأدنى من السلام النفسي – أولًا – ثم السلام العام ثانيًا؛ وهذا يتطلب نوعًا من تفعيل لغة العقل، ونشر العدالة، واحترام الآخر.
فيما يرى الفنان شوقي عواضة من لبنان
هناك دراسات وأبحاث على مر عصور اغدقت على البشربة منافع في مجالات شتى ، ووظف نتائج الجهد البشري في مجالات متنوعة : علمية وصناعية وتعليمية الخ...وهنا تبرز اهمية الهدف من استخدام وتوظيف نتائج هذه الإكتشافات في سبيل الخير او الشر كصناعة طيارة سفرية او سيارة تعمل على الطاقة الكهربائية او القطار الكهربائي السريع الخ... ولا ننسى ما توصل اليه من تطور تكنولوجي وطبي وعلمي .
ونرى في المقلب الآخر صناعات ادت الى تدمير البشرية كالأسلحة النووية والبيولوجية الجرثومية . حتى ان الشر بسط يده في صناعة التكنولوجيا الهدامة كبرامج الانترنت التي لا تدر الا بالأذى في المجتمع .
وأخيراً ارى ان نبحر في ذات الله بما يرضي ملكوته وننال رضاه بأعمال تخدم بالنفع والخير للبشرية .
ـ متى ينتهي صراع كل عام عن حكم تهنئة صاحب المعتقد الآخر والمناسبات الاجتماعية والحكم المسبق بالجنة والنار على أصحاب الآراء المخالفة؟!
يقول أحمد إبراهيم ، معلم بالتربية والتعليم
عندما يُدرك الإنسان أن جوهر الدين والأخلاق قائم على الرحمة والتسامح، وليس على الإقصاء أو إصدار الأحكام المطلقة على الآخرين. تهنئة الآخر بمناسباته لا تمس المعتقد الشخصي، بل تعكس الإنسانية المشتركة. أما الأحكام الغيبية، فهي من اختصاص الله وحده، ولا ينبغي أن تكون أداة لتعميق الفرقة بين البشر. الحل يكمن في تعزيز ثقافة قبول التنوع واحترام الاختلافات دون فرض أو تعصب.
ويقول طارق سعيد ، شاعر وباحث
ما نراه من الصراعات ،ما هو إلا قطرة ماء تحمل صفات وخصائص بحر الجهل الديني .
"تتمزق الإنسانية كلما ترنح مفهوم فن الممكن واستمالت السياسة نحو مفهوم المؤامرة المعلنة" ،فما يدور حولنا من سفك للدماء وقتل الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين العزل في فلسطين وسوريا ولبنان ومن قبلهم العراق من قبل الكيان الصهيوني العالمي الآن وتنفيذ مخططهم الشيطاني في تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرى لإحكام قبضتهم عليها طوال الوقت ومدى الحياة ما كان يحدث قبل انتهاء المرحلة الأولى من الخطة الشيطانية بتفتيت النسيج الاجتماعي على أساس طائفي وزرع الأحقاد بين الشعب الواحد والتناحر فيما بينهم كما كنا نشاهد أو نسمع مثلا عن تحطيم مساجد الشيعة من السنة والعكس.
فالدرس المستفاد من كل هذا هو أن لا نلتفت لمثل هذه الفتاوى الشاذة التي تأتي من هذه العقول الخربه خصوصا أن صحيح الإسلام لم تكن في تركيبته شئ يسمى "فتوى"، وأيضا لم يكن فيه مصطلح "شيخ".
ـ بشكل عام الرسالات السماوية متصلة وجذورها واحد بعيدًا عما تم الاختلاف والخلاف حوله عبر التاريخ ، والاختلاف والخلاف ليس بالهين بل خلاف عقائدي واضح جدا من حيث طريقة وأركان الإيمان والطقوس ، لكن يبقى اسم الله وصفاته بكلام يستحق القراءة .. هل الدين يعرقلك بأن تفتش الكتب وتصفق للحكمة التي تجدها حيث كانت أم الانغلاق في حدود دائرة ما اعتقده بالوراثة وتعقلته بالتدبر ؟
يوضح محمد عباس ، يعمل لدى الهيئة القومية لسكك حديد مصر
ورد في القرآن الكريم ، عن تجنب المنازعة بينما الاختلاف شىء آخر ، حيث نزعت الشيء من مكانه نزعاً: إذ اقتلعته. و(المنازعة) اصطلاحاً: المخاصمة والمخالفة القائمة على التنازع والتجاذب لنفي ما عند الآخر، سواء أكان حقًّا أم باطلاً، والموصلة في الغالب إلى الفشل والانتكاس. والصلة بين المنازعة والاختلاف أن الاختلاف لا يحمل معنى المنازعة، فقد يحصل الاختلاف، ولا تحصل المنازعة، أما المنازعة فهي اختلاف مع معادة ومخاصمة.
ويقول أسامة الألفي ، كاتب صحفي
في خطاب موجه لجميع الأمم يقول تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، والقرآن الكريم يرسي بهذه الآيات الحكيمة مبدأ أن الاتفاق والاختلاف سنة من سنن الله في خلقه، وأن الله وإن خلق البشر في نموذج إنساني واحد، إلا أنه عز وجل جعل ألوانهم ومشاربهم وشرائعهم مختلفة، لماذا؟
لإن العقل وهو مناط التكليف يختلف من إنسان إلى آخر، وقلما نجد شخصين يتفقان في الطباع والتفكير، وهذا أمر طبيعي وفي صالح البشرية، لأن لو كان البشر جميعًا مطبوعين على نفس السمات والقدرات لتحولوا إلى ما يشابه الآلة، لا تنافس ولا طموح بينهم، ولفرغت حياتهم من كل معنى، فيما يضفي التغاير معاني كثيرة على الحياة، يتشارك البشر في بعضها ويختلفون في بعضها الآخر، والأمر متروك للإنسان نفسه إن خيرًا فعل وإن شرًا فعل، فقد يجتمع على الإنسانية وحب السفر والرحلات والتعارف والتعايش بسلام مع غيره، وقد تتملكه الأنا وتسيطر عليه أهواؤه ورغبة التملك والاستحواذ على ما بيد غيره، يقوده إلى ذلك شيطان الطمع، وهذا المقصود من قوله تعالى في الآية الكريمة "وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ "، وهذا الابتلاء أو الإمتحان هو ثمن منحة العقل التي تفرد بها الإنسان عن سائر مخلوقات الله عز وجل، وهي منحة ذات حدين، فمن أحسن استخدامها كوفئ بالجنة، ومن أساء عوقب بجهنم "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، فالإنسان كما يفكر يكون، أي أنه بأفكاره يخلق عالمه، والفكر الشرير لا ينتج سوى الشر، والفكر الطيب يثمر شجرة طيبة، ومن هذا وذاك تتشكل الطبيعة الإنسانية المتغايرة السمات.
ـ نرصد في أيامنا المعاصرة انتشار الأخبار والمحتوى الهابط بهدف أن يروق لنفوس الناس بدافع اكتساب الأموال عبر المشاهدات والشهرة وتدريب المجتمع على الهرج والمرج وانعدام القدوة الحسنة ، كما يتم تخصيص مساحة كبيرة للدراما والسينما التي تصفق للبلطجة وهدم القيم وغرس القبح ولا سبيل لموضوعات السلام والمعرفة والذوق الرفيع إلا في حدود ضيقة تكاد تكون خافتة .. كيف ترى المشهد وبماذا تقترح لواقع أفضل ؟
يقول المهندس زياد عبدالتواب
خبير التحول الرقمى وأمن المعلومات ، بالفعل المشهد غير مرضى وخاصة خلال العقدين الاخيرين واللذان يتسمان بسيطرة شبكات التواصل الاجتماعى و انتشار استخدامهم بصورة كبيرة فعلى سبيل المثال نجد ان تطبيق واحد منهم وهو الفيسبوك لديه اكثر من 3 مليار مستخدم وتطبيق اخر مثل التيكتوك لديه 1.5 مليار مستخدم و هذه التطبيقات تتيح انتشار الاخبار الزائفة والشائعات والمحتوى التافه والهابط واحيانا الاباحى وفى نفس الوقت تسيطر الجوانب الاقتصادية على صناعة الدراما مكسبا وخسارة وايضا الاعلانات التى تكون قبل واثناء وبعد المحتوى الدرامى وللاسف فان غالبية تلك الصناعة لا تهتم كثرا بالمحتوى القيم مثلما تهتم بالمحتوى التافه و بالرغم من ان تلك الاشكالية عالمية بمعنى ان هذا التوجه ليس محليا او اقليميا فقط ولكن فى جميع الاحوال يمكن مكافحة المحتوى الردئ بالاكثار من المحتوى الهادف خاصة على شبكات التواصل الاجتماعى وهو دور المثقفين والهيئات المتخصصة فى القطاعات الحكومية و المجتمع المدنى والقطاع الخاص ايضا و لابد من التحرك السريع، فانتقاد الاوضاع بدون خطوات ايجابية لن يحقق اى تقدم و لابد ان نعرف ان الحقيقة الوحيدة الايجابية فى هذا الامر هى فطرة الانسان الطبيعية والتى تميل الى قيم الحق والخير والجمال ويمكن انتهاز فرصة استمرار تلك الفطرة فى تنميه القيم من خلال المحتوى الهادف، فالفرق بين اليوم والامس البعيد هو انتشار وسائل الاتصال فقط و للاسف سيطر عليها المحتوى الردئ نظرا لتراجع الاهتمام بنشر المحتوى الهادف، نحتاج ايضا الى توضيح اهمية المحتوى الهادف فى تنمية وتطوير حياة الفرد والمجتمعات والاثار السلبية للبقاء بلا حركة.
وتابعت دينا شرف الدين ، كاتبة صحفية
لقد أدرك وتعلم وتدرب الكثيرون على إتقان اللعبة الافتراضية بوسائل متعددة منها : شراء عدد ضخم من المتابعين بمبالغ مالية كبيرة،تسخير عدد من اللجان الإلكترونية التى تمنحه رقماً قياسياً بالبحث والمشاهدة، تعمد الإثارة والاستفزاز بتصريحات صادمة أو ملابس غريبة أو ترويج للإشاعات،و لا مانع لدى البعض من البحث عن الفضائح لاكتساب أكبر عدد من اللاهثين خلف هذه النوعية المثيرة من الأخبار للحصول ببساطة على التريند المرجو!
فمن أسعده حظه واستطاع أن يتقن اللعبة جيداً ويجد مفاتيح أبوابها،فقد انفتحت له أبواب الشهرة والنجومية على مصرعيها دون جهد أو شقا ونحت بالصخر كما فعل غيره ممن يمتلكون مقومات النجاح بحق ويجاهدون سنوات طويلة من أجل الحصول على الفرصة التى تتجلى بها مواهبهم وتخرج للنور عن جدارة واستحقاق،إذ يفاجأ هذا الذى يستحق بمن لا يستحق قد سبقه بمسافات طويلة وبضغطة زر واحدة قد أصبح من المشاهير، ثم سرعان ما تتهافت عليه جهات العمل المختلفة ولا عزاء لمعايير الكفاءة التى كانت !
وتابع أحمد المؤذن ، قاص وروائي من البحرين
المشهد بوجه عـام ضمن واقعنا المعاصر عبارة عـن فوضى مدفوعـة الكلفة تدمر بنية المجتمع العربي من الداخل للأسف الشديد، فهناك من يستثمر الفتنة في إثارة النعرات الطائفية بالذات في هذا الظرف العصيب الذي تمـر به أمتنا العربية وهناك من يركز على ترويج المحتوى الجنسي ، ثمة بائعات هوى صرن يروجن قبحـن أمام المجتمع إبتغاء نشر الرذيلـة صبح مساء .أما من ناحية أخرى فالدراما العربية يتحرك جزء كبير منها في سياق الترفيه الفارغ من المضمون يتحكم فيه المنتج الفني وسياسات التلفزة العربية التي لا يهمها نشر المعرفة بقدر ما تستهلك ما هو مكـرر من الموضوعات الحياتية التي ملها المشاهد العربي وتنفصل عن معطيات وإشكالات الواقع ، ثمة مسلسلات قليلة تعبر عن هموم الأمة مثل مسلسل / التغريبة الفلسطينية ، لم تشتريه سوى محطات عربية محدودة ولكن تلك المسلسلات التي تروج للسطحية ولا ترتقي بذائقة المشاهد العربي أكثر مما نحتاج مع كل موسم رمضاني تتسابق على زحام البث الفضائي .
ويؤكد محمد مجدي ، مدرب تأهيل وتعافي نفسي
مثل هذه الممارسات وتوعية الأشخاص بمساوئ هذه الأفعال وتأثيرها السلبي على الثقافات لدى المجتمعات والاجيال وتسبب تأخرها وهدمها في عصر نحن في امس الحاجة الى تحقيق النجاحات للنهوض بمجتمعاتنا ومقاومة الغزو الفكري الذي يمارس عليها ويجب علينا التركيز على زيادة الوعي بتلك السلوكيات التي تمارس علينا ومزاحمة تلك الاعمال باخرى بناءة وايجابية تدعو الى اعلاء القيم وغرس الافكار والسلوكيات التي تعبر الاخلاق الحميدة .
بعض البديهيات تحتاج لإعادة التأكيد
يقول عبدالحكيم عبدالحميد ، موجه بالتربية والتعليم على المعاش
يجب أن نتدبر أمور وحكم متعددة بالحياة ، بالأمس كان التقويم محملاً بثلاثمائة وستين ورقة .أين ذهبت تلك الأوراق ؟! ليست القضية ورقة تقويم بل أيام مضت وأعمال دونت .عش في الحياة كضيفٍ راحلٍ فلا الحياة باقية ولا الضيف ماكثٌ فيها .
كُن صبوراً كل شيء يأتي في وقته المُناسب، المُناسب لأسلوب عيشك، لمقدار مشاعرك، الأشياء لا تأتي متأخرةً أبداً، بل تأتي في وقتها الصحيح تماماً، عِش حياتك لحظة بلحظة بكامل الحُب والاطمئنان، ولا تنتظر حدوث الأشياء بل تأكد أنها هي التي تنتظر وصولك دائماً .. وفتش في الدين تجد إجابات مختصرة وخلاصة، ففي علاقتك مع الله :"اتقِ الله حيث ما كنت" ، وفي علاقتك مع نفسك :"اتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحها" ، وفي علاقتك مع الناس :"خالق الناس بخلق حسن".
الأخلاق هي الروح التي لا تموت بعد الرحيل فما أجمل أن تسير بين الناس ويفوح منك عطر أخلاقك اجعل لنفسك عمراً لا ينتهي بأعمالك، بأخلاقك ولتكن غائبا حاضرا بكل مكان مررت به كن سببا في جعل شخص آخر يؤمن بوجود الخير في الناس كن الشخص الذي عندما يراه الناس يقولون لا زالت الدنيا بخير .
ومن أجمل ما قاله الشافعي :
سر السعادةِ حسن ظنك بالذي
خلق الحياةَ وقسم الأرزاقا
ويقول إسحاق بندري ، كاتب ومترجم
غالبًا ما يخشى المرء ما لا يفهمه، والحل ليس في التقوقع بعيدًا عن الآخرين، ولكن الحل كله يكمن في محاولة فهم الآخر بجدية وانفتاح، مع شرح رقائق الهوية الشخصية دون أن أدنى شعور بالخوف من الضياع أو إحساس بالدونية مقابل الآخر. الفهم الحقيقي يحلل ويدرس، لا يعمد إلى التسفيه والحط من القيمة ما اختلف في الرأي، لا يزعم امتلاك الصواب المطلق، لأنه يستوعب مع الوقت محدودية معرفته، يدرك قصوره الذاتي، ويتفهم وجود ذلك لدى الآخرين.
يتقبل بوعي قيمة التراث المعرفي والثقافي والفني لدى الآخرين، دون أن يجور على هويته الشخصية أو يمحوها، بالعكس يصل إلى ملء معرفته عن ذاته في لقائه مع من يختلفون عنه، يضع كل شيء في ميزان موضوعي، سواء في ثقافته أو في ثقافة الآخرين، حتى عندا يُبدي تحفظاته فهو يُبديها في هدوء ومودة، لا يفرض وجهة نظرة، لأن قاعدته الذهبية أن نظل أصدقاء رغم الاختلاف والتباين.
ويقول د.شريف عيد ، متخصص في الفقه الإسلامي
الاختلاف سنة من سنن الله في الكون ، حيث جعل الله الخلق في اختلاف ، ولذلك نجد اختلاف في الرزق ، وحتى هناك اختلاف في العبادات والطقوس .
والاختلاف يؤدي إلى التنوع ، وذلك نجده مثلا واضح في الاختلاف بين الفقهاء مما نوع في المدارس والفتاوى وذلك في مصلحة الناس ، ومنه نفهم أن الاختلاف أدى لتنوع ومن التنوع فائدة عامة .ونأخذ عنوان من كتاب للامام الطحاوي " اختلاف الفقهاء " وكذلك الامام الطبري له كتاب بنفس العنوان ، اريد فقط العنوان ، حيث يوضح العنوان البحث في اختلاف الفقهاء الذي يؤدى إلى التنوع ، واي اختلاف له أسباب ، وعند معرفة السبب يتم معرفة قيمة ذلك الاختلاف والأثر العائد من تنوع الأفكار والآراء . وأهم شىء أن الاختلاف لا يثير عداء طالما أن الاختلاف له مضمون قيم وأسباب .
وتقول الإعلامية ندا صفوت ، باحثة دكتوراه في مجال الإعلام
الأولوية في التوعية ومجتمع متماسك للأسرة وإن كانت الأسرة ليست بالقدر الأفضل ثقافيا ، فيساعدها في ذلك دور المدرسة ، ودور الإعلام ، حيث تقديم وعي مستمر لما لا يسع المواطن جهله بحياته عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بدلا من إثارة الأشياء الغير مفيدة ، والتنسيق لإنشاء صفحات يخاطب فيها الشباب بما يستطيعون تفهمه وإيصال الأفكار حسب ظروف تفكيرهم لتحقيق الرفق وتحقيق السلام الداخلي ، ومعالجة المواد الدراسية تخاطب سوق العمل وضبط السلوك العام بالتربية المنتجة والمفكرة ، وإعادة توضيح وحكمة لأهم موضوعات الحياة من وجود الإنسان والأسرة والشعوب والعلم والأفكار المتعددة مع اختلاف طبيعة المعيشة والديانة المتبعة واللغة المتداولة عبر الأماكن والأزمنة إلا أن البيت الأساسي واحد .
وتابعت رانا علي ، كاتبة ومذيعة
في غياب التفاهم المشترك والاحترام المتبادل بين الشعوب المختلفة. التنوع لا يعني الفوضى أو الانقسام، بل هو فرصة حقيقية لبناء مجتمع يسعى للتكامل والتناغم بين الأفراد والجماعات. إذا أُحسن استخدام هذه الثنائيات التي خلقها الله ، حيث يتبادل الناس خبراتهم ويغتنون من تنوعهم. ولكن هذا يتطلب بذل جهد جماعي لنشر الوعي والثقافة التي تعزز التفاهم، والتوقف عن تصدير الأفكار المسبقة والتصورات الخاطئة التي تولد الصراعات.
يرى البعض عن نظرية التوازن
يقول ناجي عبدالمنعم ، كاتب مسرحي وشاعر
تساءلت كثيرا لماذا لم تنجح المدينة الفاضلة التى أرسى دعائمها الفلاسفة والأدباء والعلماء أيضا ؟!لماذا سقطت جمهورية أفلاطون ؟ ومصرع الشمس كامبانيللا ؟ ويوتوبيا توماس مور ؟ وجمهورية الفارابي ؟ فبسقوط هذه الجمهوريات والمدن الفاضلة يسقط الحلم ؟ وتصبح الكتابة عبثا ، والحلم ضعفا ، والإصرار مهزلة !! وكانت الإجابة – لو عقلها العاقلون – هى نظرية التوازن العظيم التى بني عليها الكون بكل من فيه وما فيه .. التعادلية التى تصل الى حد التكافؤ وليس التساوى !! ليتكافأ اللونان الأبيض والأسود فإذا طغى أحدهما على الآخر ينتهى الغرض وتسقط النظرية وتقوم الساعة ومصداقا لقول النبي ( صل الله عليه وسلم ) لن تقوم الساعة إلا على لكع ابن لكع أى كافر ابن كافر ) ومعنى هذا ان يسود الكفر عدة عقود من الزمان لا يقف أمامه الإيمان فيتلون الكون بلون واحد وهنا تفقد الحياة قيمتها وتسقط النظرية وفى زماننا هذا انتشرت العولمة بكل قوتها التى تريد توحيد العالم على منهج اقتصادي واحد وأيديولوجية سياسية واحدة ودين ( ابراهيمي !! ) واحد وهذا النهج بداية طبيعية لانتشار الكفر والإلحاد واللون الواحد الذى سيقضى على نظرية التوازن والتكامل العظيم .
ـ موقف القانون المصري لتجريم الاعتداء على حرية الفكر والاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية ؟
يقول إبراهيم السيد محمد ، المحامي
ورد في القانون المصري في مادة 98 من قانون العقوبات المصرى على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنية ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين فى الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي".
كما تنص المادة 160 من قانون العقوبات المصرى على انه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5 آلاف جنية كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.