هل كلمة «مطلقة» سُبّة يجب أن تُعاقب عليها المرأة بالتنمر والتمييز والوصم بالعار، وكأنها من ألقت اليمين (روحى وانتى طالق) أو أنها بالضرورة مسئولة عن الطلاق رغم أنه مسئولية الطرفين.. العار هنا على من وصف امرأة بكونها مطلقة ونسى موقفها الوظيفى أو نضالها لتربية أبناء تهرّب الأب من نفقتهم، أو وقوفها على عتبة «محكمة الأسرة» لتطالب بحقوقها!
فى بلد يخاطب رئيسه نساء مصر بـ«عظيمات مصر».. بلد يفخر فيه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بأن المرأة تحملت «كُلفة الإصلاح الاقتصادى» ويقول «مصر لها فى كل بيت سند».. لا يجوز أن يتفوه «ذكر» بهذا اللفظ لتحقير «إعلامية» فقط ليسفه أفكارها ويحوّل القضية إلى «سيد وجارية».. أو «سى السيد والست أمينة»، حضرتك تمارس سطوتك «فى بيتكم».. وليس فى بلد يسعى للتمكين السياسى للمرأة وتمكينها أيضاً من المراكز العليا ومراكز صنع القرار ومن الوجود السياسى (بتطبيق الكوتة - التمييز الإيجابى للمرأة لآخر مرة بحسب الدستور).
البلد الذى يقر مبدأ «التمييز الإيجابى» لإنصاف النساء يعترف ضمنياً بعدم تحقيق «المساواة» خلال العقود الماضية.. مادة 11 من الدستور ونصها: (تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية).. لكن بعض الرجال الغارقين فى الأفكار الرجعية والتخلف الفكرى يتوهمون أن كونهم «ذكوراً» هو ميزة تمنحهم التفوق على المرأة رغم أن فكرة المساواة تنسف مفهوم «القوامة» الذى يتخيل الرجل أنه بالضرورة لا بد أن يمارسها على المرأة حتى فى الحياة السياسية والعمل العام!
لا يزال أمثال هؤلاء «الذكر» هم سبب الوضعية المتدنية لشريحة من النساء فى المجتمع، هو يقف وهو يتصبب عرقاً فى أى جهة حكومية أمام الموظفة «وهو لا يعلم حالتها الاجتماعية» وينتظر فقط أن تراه وتوقع له ورقته وهو يتمتم فى سره بكل ما حفظه من أدعية.. لكنه على «السوشيال ميديا» حين يتحاور معى يتصور أن علىّ أن أوقع صاغرة على أقواله السفيهة المعيبة.. أو أن وضعى الاجتماعى قد يجعلنى منبوذة وناقصة ومشوهة!.. وأن على القراء ألا يقرأوا لى إن كنت مطلقة! ولهذا يحذرهم من إعلامية مرموقة مؤثرة (تعمل بفضائية مصرية) تقوم بدورها وواجبها وتتحمل كل الهجوم والحرب عليها وتتحمل الشائعات وثقافة الجوارى!
كل ما فعلته هذه الإعلامية (لم أكتب اسمها لأن القضية تخص المجتمع كله)، أنها صرخت نيابة عن ملايين المقهورات فى البيوت المصرية، تماماً كما صرخت «فاتن أمل حربى» وأبكتنا: ضرب الزوجات، العنف المنزلى، عدم إنفاق الزوج، الخيانة الزوجية، تدخل أسرة أحد الطرفين فى حياتهما، الطلاق الشفهى، الحط من كرامة الزوجة ومعاملتها كجارية.. إلخ منظومة القهر التى تتعرض لها النساء.
كل ما سبق من أسباب الطلاق وغيرها دفعت القيادة السياسية إلى الاعتراض على معاناة المرأة، وأصدر الرئيس «السيسى» تعليماته بوضع قانون عادل للأحوال الشخصية تحت إشراف قضائى.
لو لم تكن «صرخة النساء» عادلة لما تدخل الرئيس شخصياً وكلف القضاة و«المجلس القومى للمرأة» بإعداد القانون.. كان أحد أسباب تفاؤلى نهاية العام الماضى التوصل إلى اتفاق بين دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف والأزهر الشريف بـ«عدم وقوع الطلاق الشفهى»، بحسب تصريحات المستشار «عمر مروان» وزير العدل.
قبل أن تعاير «مصرية مطلقة» فتش عن أسباب الطلاق، وقبل أن تتنمر بإعلامية أثرت فى ملايين المشاهدين، وخلقت وعياً بحقوق المرأة، وتجاوبت معها الأجيال الجديدة «رغم أنها مطلقة».. اسأل نفسك: ما الذى قدمته أنت للمجتمع المصرى؟! نسبة الطلاق فى مصر، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، بلغت 245 ألف حالة خلال 2021 «وفقاً لبيانات 2020 تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، وأكثر من 18 ألف حالة فى الشهر».. تخيل أن مئات الآلاف يحق لهن ملاحقتك بتهم التنمر والتحرّش اللفظى ووصمهن بعار «الطلاق»، الذى يتحمل مسئوليته الرجل الذى احترف «التعدّد والطلاق الشفهى»!
ووفقاً للتقرير العالمى للسكان 2022، احتلت مصر المرتبة العشرين فى معدلات الطلاق حول العالم 2022، بتسجيل 2.3 حالة طلاق لكل 1000 من السكان.
المرأة المطلقة لا تحتاج إلى مقالات ندشنها دفاعاً عنها ضد المتنمرين، بل تحتاج إلى «وعى» عام باحترام الأنثى وعدم اقتحام خصوصية الآخر.. تحتاج إلى رجل يفهم أن مقابل كل امرأة مطلقة رجل مطلق.