الحسين عبد الرازق يكتب: ما بعد عودة طالبان إلي حكم بلاد الأفغان!

الحسين عبد الرازق يكتب: ما بعد عودة طالبان إلي حكم بلاد الأفغان!
الحسين عبد الرازق يكتب: ما بعد عودة طالبان إلي حكم بلاد الأفغان!

في التاسع من إبريل عام2003 بثت القنوات وشاهدنا، جنود ومصفحات ودبابات أمريكية تسرح وتمرح في جنبات عاصمة الرشيد بغداد!

كان المشهد مذهلاً لعقل من رأوه، موجعاً لقلب كل من شاهدوه، وقف الجميع أمامه فاغري الأفواه مشدوهين، غير مصدقين، كيف يحدث هذا؟ ولماذا؟

إنها  بغداد، جمجمة العرب؟!

فكيف يتثني لنا أن نقبل، أو أن نصدق مانري؟!

أين جيش العراق المليوني؟ أين قوات الحرس الجمهوري؟

أين فدائيو صدام؟ وأين ذهب صدام ؟!

لقد خلا المشهد تماماً من كل هؤلاء، لم يبق أمامنا سوي جنود أمريكا، وبعض من لف لفهم من  العراقيين، ولعلهم كانوا من المعارضين للنظام الذي هوي، التفوا جميعهم محاوطين لتمثال صدام الشهير بساحة الفردوس، إحاطة السوار بالمعصم، بينما وقف التمثال وحيداً في وسط الميدان، وكأنه أسير حرب وقع لتوه في شرك أعداءه!

المشهد نفسه تكرر يوم  15 أغسطس عام 2021، وكأن عجلة الزمن عادت بنا ثمانية عشر عاماً إلي الوراء...

فها هي القنوات تقطع بثها لتذيع لقطات دخول ميليشيات حركة طالبان إلي قصر الحكم في كابول، في غياب تام لقوات الأمن، والجيش، والرئيس الأفغاني، والجنود الأمريكان كمان !!

أفهم أن يغيب الجيش الأفغاني، الذي صنع علي أعين أمريكا  ( 300 ألف مقاتل ) أو أن يختفي، أو يتبخر!

ولكن ما لم أفهمه هو الغياب الكامل للجنود الأمريكان عن المشهد، علي الرغم من وجود الآلاف منهم، داخل مدينة كابول وحدها!

فهل كان غيابهم عائد لانشغالهم بتأمين إجلاء الرعايا، والموظفين، وباقي أعضاء السفارة عن البلد، والتي لا تحتاج سوي عدد قليل من الأفراد؟

ليكن،  ولكن أين ذهب باقي الجنود ؟!

لقد دخل أعضاء الحركة إلي كابول بدون قتال، وتبوءوا مقاعدهم داخل قصر الرئاسة الأفغاني بلا عنف، جرت العملية كلها في جو من الهدووووء، وبمنتهي السلاسة والأريحية، دون أن يحتك بهم أحد، وبدون إراقة قطرة دم واحدة، فهل حدث هذا نتاج حسابات أمريكية خاطئة، أم أنه تم بترتيب وتنسيق أمريكي مسبق؟!

لأن سريان الأمور بالطريقة التي تمت بها، لم يكن طبيعياً، ولا مقبولاً، أو مستساغاً!

فأفغانستان بموقعها، وجبالها، وطبيعة شعبها، وما تحويه أرضها، ليست بالبلد اليسير أو الهين!

ومخطئ من يظن أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية ستهدأ الأوضاع وستستقر الأمور، مخطئ أيضاً من يقول أن أفغانستان بلد فقير، ليس هنالك أية منفعة، سيحصل عليها من وطئها، أومر بها، أو دخلها!

أفغانستان ياسادة، واحدة من أغني بلاد الله علي أرض الله، والخروج الأمريكي منها حتى وإن بدا في ظاهره إعلان عن انتهاء الحرب، وإنهاء لحالة الاحتلال، يظل يحمل في باطنه، إيذاناً ببدء تجدد النزاعات!

تنشب الصراعات عادة بين الدول، أو علي الدول، من أجل الفوز بالنفوذ، أو الهيمنة علي الثروات، أو فرض السيطرة علي المواقع .

لو سلمنا بأن كل ما ذكرناه الآن، أو جله، أو بعضه صحيح، وكانت تلك هي الدوافع المحركة، أوالأسباب المحفزة علي نشوب النزاعات، أو تأجّج الصراعات، لتأكد لنا بجلاء، أن جلاء القوات الأمريكية عن الأراضي الأفغانية، سيحيلها حتماً إلي بؤرة صراعات جديدة ونزاعات عديدة!

فمشكلة الأفغان لم تبدأ مع مجيئ الأمريكان حتي تنتهي برحيلهم، ولكن تكمن المشكلة، أو صميم المشكلة في تعدد الثروات وتفرد وامتياز الموقع !

وموقع أفغانستان الجغرافي، وكونها معبرهام، وضروي وحيوي لتصدير البترول والغاز من وسط آسيا إلي بحر العرب، فضلاً عن امتلاكها لكل هذا الكم من الثروات، يجعلها مطمعاً لدول كثيرة حولها، فالدولة الأفغانية، التي تحوي بين جنابتها أفقر شعوب الأرض، تحمل في بطن تربتها مجموعة متنوعة من الكنوز الطبيعية، تؤهلها لتكون واحدة من كبريات الدول ثراءاً، لو أُحسن إدارتها واستخدامها!

فلديها من معادن الذهب والحديد والنحاس والليثيوم، وخام الكوبالت والمعادن والعناصر الأرضية الأخرى، كالوقود الأحفوري واليورانيوم، ما قد لا تمتلكه عدة بلدان غنية في محيطها، ما دفع بالدول الكبرى إلي التسابق لتدشين مشاريع تجارية مع حركة طالبان " وسبحان مغير الأحوال"!

فها هي الصين الشعبية، وروسيا القيصرية، والهند وباكستان النووية، وإيران الإسلامية تهرول جميعها باتجاه أفغانستان (الغلبانة) لتقيم معها علاقات تجارية، ليس من أجل إغاظة أمريكا كما قد يتوهم البعض، ولكن بحثاً عن المصلحة، فالصين مثلاً، و هي المستثمر الأكبر حالياً في أفغانستان، تريد الحفاظ علي إستثماراتها وتنميتها، وقد حصلت بالفعل مؤخراً علي حقوق انتفاع لتعدين النحاس الأفغاني لمدة 30 عاماً قادمة، وتطمع حالياً في الحصول نصيب، من عمليات إعادة الإعمار في البلد الخارج لتوه من براثن الحرب والإحتلال!

أما روسيا، فلديها سببان أصيلان، تسعي في سبيل تحقيقهم إلي إحتواء طالبان، أولهم، ضمان عدم تغلل تنظيم داعش الإرهابي في جمهوريات آسيا الوسطي، وهو نفس السبب، الذي دفع بإيران إلي فتح صفحة جديدة في العلاقات مع طالبان، التي وصلت للحكم في البلد الذي ترتبط بحدود معه، تربو علي 950 كيلو متر مربع، قد يتسلل خلالها اللاجئون إلي الأراضي الإيرانية!

وربما أرادت روسيا أن تثبت لنفسها، وتؤكد للجميع أنها لازالت قوة عظمي يعمل لها ولتأثيرها حساب،

وهذا هو السبب الثاني!

وأما بخصوص الهند، والتي كانت هي الرابح الأكبر طيلة زمن ما قبل طالبان، باستثمارات بلغت 3 مليار دولار، فقد خسرت كثيراً الآن بعد أن سيطرت طالبان، أضف إلي ذلك، خوف الهند الدائم من وقوع انتفاضة مفاجئة في إقليم كشمير، وهو الملاذ الأقرب للمقاتلين، عند وقوع نزاعات داخلية  في الأراضي الأفغانية!

وهنا تبزغ عدة أسئلة، تبحث هي الأخري عن حلول عاجلة لها ..

_هل ستكون طالبان الدولة مختلفة عن طالبان الحركة؟ ومن أين ستأتي الحركة بأموال إدارة الدولة ؟!

_هل ستطبق طالبان الدولة أحكام الشريعة الإسلامية ؟

_هل سيكون هناك تقاسم للسلطة؟ أم ستتحول أفغانستان من جديد، إلي معسكرات تدريب لإعادة تفريخ عناصر إرهابية صاعدة؟

ماهو مصير الجيش الأفغاني؟ وماذا ستفعل قوات أمريكا بعد دخول طالبان؟!

_هل أتي دخول طالبان، وانتشارها السريع في كل أنحاء وأرجاء أفغانستان، مفاجئاً للأمريكان ؟

_ماهو مصير الأسلحة المتطورة التي تركها الجيش الأفغاني "المتبخر"  والتي استولت عليها الحركة؟!

هل فشلت أمريكا في أفغانستان، مثلما فشلت من قبل في فيتنام؟ أم أنها لعبة أمريكية، الغرض منها مضايقة الصين وإيران؟!

علي أية حال  ...

لقد قبل الأفغان سنة 94 أن تحل جماعة طالبان محل القوات السوفيتية، من أجل حفظ الأمن وتحقيق الأمان، أطلق الرجال لحاهم وارتدت النساء البراقع، هجروا التليفزيون وحرّموا الموسيقي، ولم يتحقق الأمن أو يأتي الأمان، وها هم يقبلون الآن أن تحل أيضاً طالبان محل قوات الأمريكان، فهل سيتحقق الأمن أو يسود الأمان؟!

الكره الآن في ملعب طالبان، وانسحاب الأمريكان من بلاد الأفغان موضوع له ما بعده  .