حديث كورى شمالى حمل إهانة بالغة لنائب الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، والذى يبقى المرشح الأوفر حظا فى دخول الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، والمقررة فى نوفمبر 2020، حيث وصفه إعلام بيونج يانج بـ"الكلب المسعور"، فى إشارة إلى المواقف العدوانية للديمقراطيين تجاههم، وعلى رأسهم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والذى كان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس بها، وهو ما يمثل محاولة صريحة من قبل كوريا الشمالية إلى الدخول على خط الانتخابات الأمريكية، عبر تقديم دعما ضمنيا لنظام الرئيس الحالى دونالد ترامب، والذى يواجه تحديات كبيرة فى الداخل، وعلى رأسها الحملة التى أطلقها خصومه لعزله، على خلفية حديثه التليفونى مع نظيره الأوكرانى، فلاديمير زيلنيسكى، حول أعمل تدور حولها الشبهات قام بها نجل بايدن.
ولعل الإهانة الكورية الشمالية لمنافس ترامب المحتمل تمثل انعكاسا صريحا للتقارب غير المسبوق بين بيونج يانج وإدارة ترامب، والتى تجلت فى اللقاءات المتواترة التى جمعت زعيمها كيم جونج أون مع نظيره الأمريكى، وهى اللقاءات التى توجها الأخير بالدخول إلى الأراضى الكورية الشمالية، خلال زيارته الأخيرة لكوريا الجنوبية، فى لافتة رمزية تمثل التحول التاريخى فى العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذى يثير امتعاض الديمقراطيين، والذين طالما أعربوا عن رفضهم الكامل للخطوات التى اتخذتها الإدارة الحالية، فى سبيل احتواء ما يمكننا تسميته بـ"النهج المارق"، والذى تبنته الدولة الآسيوية منذ عقود، ليس فقط تجاه الولايات المتحدة، ولكن أيضا تجاه دول المعسكر الغربى بأسره، وهو الأمر الذى حقق قدرا كبيرا من النجاح، فى ظل التنازلات الكبيرة التى قدمتها بيونج يانج، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، وهو ما تجلى فى الإفراج عن سجناء أمريكيين قبل انطلاق المفاوضات المباشرة، أو حتى فيما يتعلق بالملف النووى، وذلك بالرغم من التجارب التى تقوم بها إدارة كيم بين الحين والأخر، من أجل تحريك المياه الراكدة.
رسالة أمريكية.. ترامب يقبل دعم بيونج يانج
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب مازالت لم تلبى تطلعات النظام الكورى الشمالى بالكامل، سواء بسبب احتفاظها بالعقوبات المفروضة عليه من جانب، أو رفضها لإزالتها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن العلاقة مع إدارة ترامب، تبقى الأفضل على الإطلاق، إذا ما قورنت بكافة الإدارات السابقة، خاصة وأن رؤية ترامب تنطلق فى الأساس من ضرورة احتواء الخصوم عبر تقديم المزايا لهم، مقابل الدوران فى فلك واشنطن كخطوة مستقبلية، وهو ما يبدو فى تغريدة ترامب، التى علق فيها على إهانة بايدن، والتى حملت قدرا من البرجماتية، حيث تظهر رفضا ناعما لاعتباره "كلبا مسعورا"، مفضلا وصفه بـ"الكسول أو البطئ"، على حد وصفه، فى محاولة لوضع نفسه فى صورة الرافض لإهانة الأمريكيين، حتى وإن كانوا خصومه.
ترامب وكيم داخل الأراضى الكورية الشمالية
إلا أن "الرفض الناعم"، لإهانة بايدن كان ما يبدو فرصة لتوجيه رسالة إلى زعيم كوريا الشمالية، مفادها أن وجوده بالبيت الأبيض يبقى فرصة نادرة لتحقيق طموحاته، داعيا إياه لإنجاز "الصفقة"، دون أن يوضح ما إذا كانت تلك الصفقة تتعلق فقط بالأسلحة النووية، أم أنها تمتد إلى قضايا أخرى، وعلى رأسها الارتباط بين بيونج يانج وبكين، والذى تعمد كيم لزيارتها فى أعقاب معظم اللقاءات التى أجراها مع الرئيس الأمريكى، منذ قمتهما الأولى التى عقدت فى سنغافورة فى يونيو 2018، فى إشارة صريحة لامتلاك الصين لكافة الأوراق المتعلقة بالقضية الكورية الشمالية، وبالتالى فهى يمكنها إفساد المفاوضات، والتى يسعى ترامب إلى إنجاحها ليضعها فى قائمة الانتصارات غير المسبوقة التى تمكن من تحقيقها قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية فى العام المقبل.
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس الأمريكى أبدى ترحيبا ضمنيا بالدعم الكورى الشمالى له، إلا أنه يريد ترجمته إلى دعم مادى على الأرض عبر "إنجاز الصفقة"، خاصة وأنه يدرك تماما حاجة النظام الكورى للولايات المتحدة، من أجل دعم الاقتصاد، والخروج من مأزق العقوبات التى استمرت لعقود طويلة من الزمن.
برجماتية ترامب.. بايدن ليس أول أمريكى أهانته بيونج يانج
موقف ترامب الهادئ تجاه إهانة كوريا الشمالية لمن يمكننا أن نطلق عليهم "رموز واشنطن"، ليس جديدا، حيث سبق له وأن تجاهل إهانات أخرى، ليس فقط تجاه خصومه الديمقراطيين، ولكن أيضا أعضاء إدارته، وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومى السابق جون بولتون، واللذين طالبت بيونج يانج استبعادهما من أية مفاوضات مستقبلية مع واشنطن، وهو الأمر الذى استجاب له ترامب، حيث ابتعد وزير الخارجية تماما عن الملف، بعد تصريحات وصف فيها الزعيم الكورى الشمالى بـ"الديكتاتور"، بينما أطاح ببولتون خارج الإدارة تماما، وهى المواقف التى لاقت قبولا كبيرا من جانب بيونج يانج، لتلوح فى الأفق شخصيات أخرى ربما يمكنها القيام بدور أكثر مرونة من "صقور" الإدارة، من بينهم نائب الرئيس مايك بنس، أو حتى نجلته إيفانكا، والتى ألمح ترامب إلى دورها فى الدبلوماسية الأمريكية، فى حديث له خلال زيارته لكوريا الجنوبية، حيث استغل وجودها إلى جانب بومبيو، ليطلق عليهما معا بـ"الجميلة والوحش".
بولتون وبومبيو ضحايا برجماتية ترامب مع الخصوم
برجماتية ترامب تجاه كوريا الشمالية تمثل انعكاسا صريحا لرغبته فى إنجاز الملف الشائك، قبل الانتخابات المقبلة، خاصة وأنه أحد القضايا التى تمثل كابوسا مزعجا لقطاع كبير من المواطنين الأمريكيين، فى ظل ما يثار بين الحين والأخر، حول احتمالات اندلاع حرب نووية بين واشنطن وبيونج يانج، وهو ما بدا فى الزيادة الكبيرة فى شعبيته، بعدما عقد قمته الأولى مع كيم، والتى وصفها كافة المتابعين بـ"التاريخية"، خاصة وأنها فتحت الباب أمام احتمالات الوصول إلى اتفاق بين البلدين، يضمن به المواطن الأمريكى أمنه بعيدا عن شبح الحروب الذى يلاحقه كثيرا فى السنوات الماضية.
استقطاب دولى.. الكرة فى ملعب بيونج يانج
وهنا تبقى الحاجة ملحة أمام بيونج يانج لتقديم المزيد من التنازلات، وإبداء قدر من المرونة، فى ظل صراع دولى محموم لاستقطابها، حيث تسعى الصين ومن ورائها موسكو إلى استخدام ورقة كوريا الشمالية لابتزاز واشنطن فى المرحلة الراهنة، فى ظل الحرب التجارية الراهنة، بين واشنطن وبكين، والتى ربما تأكل الأخضر واليابس، بالإضافة إلى حرب النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، والتى ظهرت بجلاء فى عدة مناطق، أبرزها فى الشرق الأوسط، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، وغيرها.
محاولات استقطاب كوريا الشمالية بدت واضحة إلى حد كبير فى زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى بيونج يانج فى يونيو الماضى، وكذلك دعوة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لزعيم كوريا الشمالية لزيارة موسكو فى أبريل الماضى، فى محاولات صريحة لمنح العديد من المزايا لإدارة كيم، عبر إخراجه من عزلته الدولية من جانب، بالإضافة إلى تقديم مزايا اقتصادية، إلا أن المزايا التى ربما تقدمها الصين وروسيا لا يمكنها مضاهاة أى خطوة من شأنها تطبيع العلاقات مع واشنطن، فى المستقبل القريب، وما سوف يترتب على ذلك من رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على بيونج يانج.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع