مصر مستمرة.. قصة أكبر دعم للوقود فى العالم.. الدولة دعمت الوقود 2017/2018 بـ120 مليار جنيه..زيادة 23 مليار جنيه مع ارتفاع السعر لـ75 دولارا.. 1.9 جنيه لكل لتر سولار و55 قرشا لـ"80" بعد تراجع البرميل لـ60 دولارا

مصر مستمرة.. قصة أكبر دعم للوقود فى العالم.. الدولة دعمت الوقود 2017/2018 بـ120 مليار جنيه..زيادة 23 مليار جنيه مع ارتفاع السعر لـ75 دولارا.. 1.9 جنيه لكل لتر سولار و55 قرشا لـ"80" بعد تراجع البرميل لـ60 دولارا
مصر مستمرة.. قصة أكبر دعم للوقود فى العالم.. الدولة دعمت الوقود 2017/2018 بـ120 مليار جنيه..زيادة 23 مليار جنيه مع ارتفاع السعر لـ75 دولارا.. 1.9 جنيه لكل لتر سولار و55 قرشا لـ"80" بعد تراجع البرميل لـ60 دولارا

- كل دولار زيادة فى سعر برميل البترول عالميا يحمل الموازنة 4 مليارات جنيه

 

منذ أكثر من عامين سارت الدولة فى طريق الإصلاح الاقتصادى فى محاولة جادة لتغيير أوضاع مالية واقتصادية خاطئة كبلت موازنة الدولة عبر سنوات طويلة، ومن أكثر وأصعب هذه القيود دعم المواد البترولية الذى يأخذ من نصيب التعليم والصحة والإنفاق الاجتماعى للموازنة، بالإضافة إلى ذلك أن أسعار البترول ظلت متذبذبة عالميا، وفى حين تبقى الدولة على الدعم طالما بقى سعر برميل البترول 60 دولارا، حيث يمثل الاستيراد 35% من البنزين و45% من السولار و55 % من البوتاجاز، وكل دولار زيادة فى سعر البرميل يترجم إلى 4 مليارات جنيه فى الموازنة.

 

وبالرغم من بدء عملية إصلاح لدعم الوقود منذ 2014، فقد ظلت الدولة تقدم دعما للمواد البترولية، يضاف لذلك أن الدولة تستهدف بيع البترول بسعر التكلفة وليس السعر العالمى، وهو ما انعكس إيجابيا فى توفير مبالغ تم توجيهها إلى مشروعات خدمية كالكهرباء والطرق والتعليم والصحة، وقد بلغ الدعم فى 2017/2018 حوالى 120 مليار جنيه، وفى حالة عدم تطبيق الإصلاح كان يتوقع أن يصل هذا المبلغ إلى 250 مليار جنيه.

 

وترصد موازنة السنة المالية الحالية 2018/2019 مبلغ 89.9 مليار جنيها لدعم المواد البترولية، والدعم يتمثل فى الفارق بين التكلفة التى تتحملها موازنة الدولة، بدءا من استيراد المواد البترولية بأنواعها، حتى وصولها إلى المواطنين، وبين السعر الذى يشترى به المواطنون الوقود، فالفارق بين التكلفة وسعر البيع هو قيمة الدعم الذى تتحمله الموازنة العامة سنويا، سواء تم استيراد المواد البترولية من الخارج أو تم شراؤها من حصة الشريك الأجنبى فى الإنتاج المحلى بالأسعار العالمية.

 

ويعتقد البعض أن الدولة لا تدعم المواد البترولية عندما يكون السعر عالميا منخفضا، ولكن فى الحقيقة أن دعم الموازنة للمواد البترولية لم ينقطع، وما زال يشكل نسبة كبيرة، والتخلص من هذا الدعم أصبح أمرا ملحا فى ظل الحاجة لزيادة الإنفاق الاجتماعى على الفئات الأولى بالرعاية، وتحسين أحوال المواطنين من خلال زيادة الإنفاق الحقيقى على الخدمات العامة وأهمها التعليم والصحة، لأن أى إصلاح اقتصادى يجب أن يكون هدفه الأساسى هو تحسين أحوال المواطنين، وهو ما تفعله الحكومة.

 

حتى عندما انخفض سعر برميل البترول العالمى إلى 60 دولارا للبرميل، تظل الدولة تدعم لتر السولار بقيمة 190 قرشا، حيث تصل تكلفة اللتر إلى 7.4 جنيها، فى حين يباع بسعر 5.5 جنيها للتر، وأيضا تظل الموازنة تدعم لتر بنزين 92 بحوالى 20 قرشا للتر، حيث تصل تكلفته 6.95 جنيها للتر، فى حين يباع بسعر 6.75 جنيها، ويستمر أيضا دعم بنزين 80 بواقع 52 قرشا للتر، حيث تصل تكلفته 6.02 جنيها للتر ويباع بسعر 5.5 جنيها.

 

وباحتساب سعر برميل البترول العالمى عند 65 دولارا للبرميل، تتحمل الموازنة تكلفة أكبر لدعم البترول، فيصل قيمة ما تتحمله الموازنة من دعم لبنزين 92 إلى 75 قرشا، حيث تصل تكلفته 7.30 جنيها للتر، وتتحمل الموازنة أيضا تكلفة قدرها 87 قرشا لدعم بنزين 80، كما تدعم السولار بقيمة 225 قرشا للتر.

 

خطة الإصلاح الاقتصادى التى اعتمدتها الحكومة عام 2016 تعتمد فى جزء مهم منها على التخلص تدريجيا من دعم الوقود، لأن بيع المواد البترولية بأسعار ثابتة مهما تغيرت التكلفة الحقيقية يحمل الموازنة الكثير من الأعباء ويجعلها تدور فى دائرة مغلقة من الاقتراض لسد العجز المزمن للموازنة وتحميل الأجيال القادمة أعباء هذه الديون، وقد بدأ الخفض التدريجى لدعم الوقود منذ عام 2014، وتوقف فى 2015، ثم استكملت الحكومة البرنامج فى 2016، للوصول تدريجيا إلى البيع بسعر التكلفة الحقيقة.

 

ومن المؤكد أن تحقيق وفورات مالية من تخفيض الدعم الموجه للمواد البترولية يجب أن ينعكس على زيادة الإنفاق الاجتماعى والمشروعات الخدمية، وهو ما حدث بالفعل خلال السنة المالية الماضية، حيث بلغ ما تم إنفاقه على التعليم والصحة والمشاريع الخدمية مثل الطرق والكهرباء 120 مليار جنيه، لم تكن لتتوفر إلا بزيادة أسعار المحروقات التى تأكل الموازنة العامة.

 

ويعد النظر لأسعار البترول العالمية أمرا بالغ الأهمية عند اتخاذ خطوات تخفيض الدعم وزيادة أسعار البترول، لأنه كلما انخفضت الأسعار العالمية، قلت تكلفة الاستيراد على الدولة، وبالتالى أمكنها توفير المحروقات بأسعار أقل، وحتى الآن مازالت الدولة تدعم المواد البترولية، ويمثل البوتاجاز العبء الأكبر حيث يحتل نسبة 55% من إجمالى الواردات البترولية، وهو أمر جيد فى إطار خطة الدولة للتوسع فى توصيل غاز المنازل لتخفيف الضغط على البوتاجاز، يليه السولار بنسبة 45% من إجمالى الواردات، فى حين يمثل البنزين 35% من واردات المواد البترولية، ولم تعد مصر تستورد الغاز، حيث وصلت إلى الاكتفاء الذاتى بفضل اكتشاف حقل ظهر وغيره فى البحر المتوسط.

 

وكانت الموازنة محددة بأن تتحمل نفقات تزيد على 250 مليار جنيه إضافية هى قيمة دعم المحروقات بدون زيادة أسعار المواد البترولية، وهو ما يدخل المالية العامة فى نفق مظلم، وبالتالى أصبح الأكثر دخلا والأغنى هم الأكثر تحملا لتكلفة الإصلاح لأنهم الأكثر استهلاكا للطاقة بأنواعها المختلفة من بنزين وكهرباء وغاز وغيرها، وبالتالى عليهم دفع الثمن الحقيقى، أما الأقل دخلا فهم الأقل استهلاكا وبالتالى لن يتحملوا سوى القليل.

 

ونتيجة أن الدولة قطعت شوطا كبيرا فى مسار تعديل أسعار المواد البترولية وإعادتها إلى وضعها الصحيح، فأصبح الوعى أكبر لدى المواطنين، فى عدم استغلال أى شخص لتخفيض الدعم فى زيادة أسعار السلع والخدمات والمواصلات بأكبر من القدر المحسوب والمدروس، خاصة أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أصبح ينشر جدولا كاملا لتعريفة المواصلات العامة بعد كل زيادة أسعار حتى لا يقع المواطنون فى فخ النصب والجشع، وفى ظل وعيهم الكامل بخطة الإصلاح التى تنفذها الحكومة.

 

وترتبط أسعار المواد البترولية فى مصر ارتباطا وثيقا بالأسعار العالمية، ففى الموازنة الحالية، وضعت الحكومة سعرا متوقعا لبرميل البترول بقيمة 67 دولارا للبرميل، ويؤكد الدكتور محمد معيط وزير المالية فى تصريحاته أن كل زيادة دولار واحد فى سعر برميل البترول عالميا، فإن الموازنة تتحمل 4 مليار جنيه إضافية، وهى تكلفة كبيرة على الموازنة، ولكن فى حالة تقليص الدعم أو إلغائه سيتلاشى هذا الضغط تماما من الموازنة العامة.

 

وفى الأسابيع القليلة الماضية شهدت أسعار البترول العالمية انخفاضا تحت ضغط من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يسعى لخفض الأسعار دون مستوى 60 دولارا للبرميل، ووصلت الأسعار لحدود 65 دولارا للبرميل، وهو ما قد يعنى أن الموازنة يمكنها تحقيق فائض فى مخصصات دعم المواد البترولية، ولكن للأسف لم يستمر هذا الفائض سوى لأيام محدودة، وعادت الأسعار للارتفاع مجددا بعد اتفاق الدول المصدرة للبترول «أوبك» على تخفيض الإنتاج بما لا يزيد على مليون برميل لمدة 6 أشهر، بما يعنى أن الأسعار ستعاود الارتفاع مجددا بعد تخفيض المعروض، ولن تتمكن الموازنة من تحقيق فوائض، ولكن جميع هذه التأثيرات لا يمكن الجزم بها على وجه الدقة فى الوقت الحالى، مع تذبذب الأسعار بشكل مستمر، فقد لا تتمكن الموازنة من تحقيق فائض، ولكن على الأقل لن تشكل الأسعار المرتفعة تهديدا كبيرا مع استمرار تراجع الاستهلاك، ولكنها تظل صداعا فى رأس الموازنة سنويا إذا ما استمر الدعم على حاله.

 

وكان لزيادة أسعار المحروقات آثار إيجابية تمثلت فى تقليل حجم استهلاك المحروقات وهذه نتيجة جيدة كشفتها نتائج الربع الأول من السنة المالية الحالية «يوليو – سبتمبر» 2018/2019، فنجد أن الموازنة تحملت 23 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، بحسب تصريحات سابقة لوزير البترول طارق الملا، فى الوقت الذى كانت أسعار البترول مرتفعة فى حدود 74 – 75 دولارا للبرميل، وهى مؤشرات على أن الموازنة تحملت دعم فرق السعر وإن كانت لم تتأثر بالسعر المثير للقلق، وكان مرجع هذا التأثير المحدود هو انخفاض حجم استهلاكنا من المواد البترولية فى حدود 6% عن نفس الفترة من العام الماضى، وهو ما يشير إلى أنه كلما ارتفعت الأسعار قل الاستهلاك وحدث الوفر وقل الضغط على العملة الصعبة اللازمة للاستيراد.

 

وفى ورقة بحثية أجراها المركز المصرى لدراسات السياسات العامة، حول «آثار دعم الطاقة على الاقتصاد المصرى والمواطنين»، أكد البحث تراجع حجم الاستثمارات فى قطاع الطاقة خلال الخمس سنوات التى سبقت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى بسبب عدم بيع الطاقة سواء الوقود بمشتقاته أو الكهرباء بالسعر العادل، وقيام الموازنة بدعم الطاقة، وهو ما تسبب فى عدم قدرة الحكومة على سداد مستحقات الشريك الأجنبى حتى بلغت قيمة المتأخرات 6 مليارات جنيه، ولكنها تراجعت حاليا إلى 1.6 مليار جنيه فقط، وهو ما أدى لزيادة الاستثمارات والاكتشافات الكبيرة مثل حقل ظهر.

 

وانعكس تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلى لدعم الطاقة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى، إيجابيا على انخفاض نمو الاستهلاك للطاقة، وتضييق الفجوة بين الاستهلاك والاستيراد، وتراجع عجز الموازنة العامة للدولة، كما أن نسبة مصروفات الدعم لإجمالى المصروفات العامة انخفضت من 20% إلى10% فقط العام المالى المنتهى فى يونيو الماضى، وتم توجيه الوفورات المتحققة من تقليص الدعم إلى الإنفاق الاجتماعى والتعليم والصحة.

 

ومع تأكيد الدراسة على أهمية تخفيض دعم الطاقة الذى يكبل الموازنة، دعت إلى مجموعة من الإجراءات التى تهدف لامتصاص أثر برنامج الإصلاح وزيادة الأسعار، دون الإخلال بمستهدفات الموازنة العامة للدولة.

 

واقترح المركز تحريك الشريحة المعفاة من الضرائب لتبدأ من 38 ألف جنيه سنويا المرتبات يضاف إليها 7 آلاف جنيه الإعفاء الشخصى لامتصاص أثر زيادة أسعار الطاقة على المواطنين، مع تحريك شرائح الضريبة على الدخل وإضافة شريحة جديدة بنسبة 25% لمن يزيد دخله السنوى عن مليون جنيه، مع منح كل مستحقى الإعفاء المذكور بطاقة تموينية.

 

وأكد أحمد عبد الوهاب، الباحث بالمركز، على أهمية تشجيع الأفراد على استخدام الطاقة النظيفة، لتوفير الاستهلاك، وتفعيل السخانات الشمسية، واستخدام مزيج من أنواع الطاقة المختلفة خاصة الجديدة والمتجددة فى توليد الكهرباء، والانتهاء من قواعد البيانات لتحقيق المستحقين للدعم.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع