القصة الشاعرة وأجيال الإبداع (6) بقلم عمرو الزيات

القصة الشاعرة وأجيال الإبداع (6) بقلم عمرو الزيات
القصة الشاعرة وأجيال الإبداع (6) بقلم عمرو الزيات
إن أديبًا يرى الواقع بتلك العين الثاقبة، ويجسد الواقع بتلك الصورة لهو خليق بحمل راية اتجاه أدبي له سماته ومقوماته الفنية،  وهو يبرهن – بكل براعة – على أن "  الرّواد – في كل عصر – هم واضعو القواعد لكل عمل جديد، وعلى عاتق هؤلاء يقع التنظير لما يقدمونه، وقد يختلفون فيما بينهم كلًّ بحسب إبداعه الذي يلتزم بما وضعه من نظريات، وكما هو معلوم أن كل نظرية لا بد معها من إنتاج واقعي يدعم صحتها ويؤيد وجودها؛ إذ تظل – دون التطبيق – محض فكرة لا يقوم عليها دليل، وربما كان النسيان مصيرها"؛ لذلك لا غرو أن يسير على طريقته وينحو نحوه أدباءٌ كثيرون في عالمنا العربي ، وهذا ما نحاول إثباته  من خلال النماذج الإبداعية لشعراء القصة الشاعرة، وهذا ما تسجله السطور التالية:
- حرمان - علي الشيمي - مصر
تزوجتِ التعيسَ على رِضًى منها، وقالتْ سوف يسعدني، ويكفيني شرور عنوستي يومًا، فظلّ جنونه أجدى، ..رمتْ أحمالهَا تحت الظلالِ فَلم يكن رجلا.. تلاحقتِ السنون.. ترملتْ.. رجَعَتْ عنوستُها تقود ظلالَها للموتِ تحتَ خرافةٍ ضحكتْ علَى وجدانِها، أذنابُ قطاعِ المشاعر في الدروبِ تمددت..، سقطتْ..
    على منديلهَا، انتحرتْ دموعُ الخيبةِ الكبرى.
وسط ضغوط الحياة، وصعوبات هذا العصر والتردي الاقتصادي، ومظاهر الفقر في المجتمعات الشعبية، تفرخ تلك الحالة من الشعور بالضياع وفقدان الأمل في مستقبل مشرق؛ حيث يصبح مواطن هذا البلد في صراع حقيقي، يقاتل من أجل " لقمة العيش" 
والمبدع الفنان ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها، ولا يقف أمامها متفرجا؛ بل إن الأديب – في رأينا – هو ضمير تلك الأمة، لم يكن شاعرنا غافلًا عن رسالة الأديب الفنان وهي تصوير البيئة التي يعيش فيها، ورسم معالم تلك البيئة كاشفا عن عادات وتقاليد أهلها؛ وما المبدع – في أي مجال من مجالات الفن-  بمعزل عن مجتمعه، بل هو نموذج يمثل هذا المجتمع، وهو ضميره اليقظ كما أسلفنا. 
في براعة يغوص الشاعر علي الشيمي في أعماق نفوس تلك الطبقة راصدًا ما يعتمل في نفسها من أحاسيس ومشاعر، ومن دلائل الفهم الدقيق والامتزاج بتلك الشخصية جاء اختيار العنوان ( حرمان ) إنه حرمان فقط دون تحديد أو تخصيص؛ فهو حرمان نفسي ومادي وجسدي، وهو حرمان من حياة طبيعية هي أول حقوق الإنسان؛ بيد أن مجتمعنا الشرقي عمومًا، والمصري خصوصًا ينظر لتلك العانس نظرة ازدراءٍ مشوبًة بشيء من الإشفاق والعطف؛ لذلك ( تزوجتِ التعيسَ على رِضًى منها ) محاولة للهروب من قطار العنوسة الذي ما فتئ يلاحقها، ويطحن أحلامها الوردية في إقامة حياة ومستقبل مثل نظيرتها، ويا لها من أمنيات كأنها السراب!! يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا اقترب منه لم يجده شيئا (وقالتْ سوف يسعدني، ويكفيني شرور عنوستي يومًا ) العنوسة شرور ( جمعا )؛ نعم إنها شر لها ؛ فهي حرمان الجسد والروح، وهي شر عليها حيث نظرة المجتمع وسهام أعينهم التي تخترق جسدها ، (رمتْ أحمالهَا تحت الظلالِ فَلم يكن رجلا ) وهي إشارة للمثل الشعبي الشهير:( ظل رجل ولا ظل حائط ) ولعل ذلك عائد إلى أن تلك التي تعاني العنوسة تكون أكثر عرضة لكلام الناس، سيما النساء اللائي يرددن دومًا مثل تلك الأمثال، بيد أن السنين لا تكف عجلتها عن الدوران ولا ترحم‘، فـ ( سقطت ) وهي نهاية حتمية بعد رحلة الحرمان هذه، وما أروع تلك النهاية حين (على منديلهَا، انتحرتْ دموعُ الخيبةِ الكبرى)!!