مَنْ منا لا يعرفها، بابتسامتها الرقيقة، وصوتها الهادئ المرحب، وشعرها القصير، مَنْ منا يستطيع أن ينكر، الطاقة الإيجابية التى تملأنا، ونحن في حضرة وجودها، في المؤتمرات، أو أثناء استضافتها لنا، نحن الكتاب الصغار، حينما كنا نحاول، رسم خطانا، في دروب الكتابة الطويلة الشاقة المبهمة، التى لا نعرف نهايتها ولا نستطيع تخمين المكان الذى سنصل إليه فيها، أو الزمن الذي، يجب علينا أن نقضيه ونقطتعه من حياتنا، لنحقق المكانة التى نرتضيها، والأمل الذى سعينا إليه، ومن أجله ضحينا بالكثير من المعانى الغالية، والجميلة، التى تبدأ بالفطام عن حضن العائلة، ودفء البيت، سواء أقمنا في القاهرة أو تراوحنا بين القاهرة، ومدننا البعيدة، أو قرانا الصغيرة التى تضيق بأفكارنا المحلقة.
إنها فريدة النقاش الدرب والعلامة. التاريخ، ورائحة الحبر، والثورة، والمعتقل الذى سجلت تجربته في كتابها «السجن دمعتان ووردة» الكاتبة الصحفية والسياسية. أول امرأة تتولى رئاسة تحرير جريدة «الأهالي»، التى يصدرها، حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى الذى ساهمت كعضوة، في تأسيسه، وأول امرأة تتولى رئاسة تحرير مجلة أدب ونقد، التى مازالت تصدر حتى الآن ويتولى رئاسة تحريرها حاليًا زميلنا الشاعر عيد عبدالحليم. هذا إلى جانب عضويتها في عدة جمعيات ومؤسسات مدنية ونسوية وأهلية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة.
فريدة النقاش الإنسانة، والمعلمة، والأم التى لم تنفصل عن كل ما آمنت به، حققته على أرض الواقع، في سبيل الإصلاح والدعم وبشكل عام لكننى سأحدد كتابتى عن دورها في دعم الكاتبات، من خلال تجربتى الشخصية، في فترة التسعينيات التى كنت قد بدأت فيها نشر قصائدى بالدوريات المختلفة، وبدأت رحلة المعاناة الحقيقية لأديب مقيم خارج القاهرة، المدينة النداهة التى تملك ما يغرينا من حبر الطباعة والمؤتمرات المهمة، والشخصيات التى لم يكن من السهل الوصول إليهم، أو التواصل معهم، مثلما يحدث الآن، بعد ثورة الاتصالات، وكان علينا أن نتعب ساعى البريد، ونكتب قصائدنا بخط منمق ونعتنى بعلامات الترقيم جيدًا، قدر عنايتنا بالضمة والفتحة والكسرة.
مثلما كان علينا أن نعانى أكثر في صدامنا ككاتبات من جيل واحد يعرفن بعضهن، مع مجتمعاتنا الصغيرة التى مازلنا تعيش فيها ونقاتل نظرة متدنية للبنات اللواتى يعدن لمنازلهن في وقت متأخر بعد انتهاء ندوة ثقافية، أو حضور فعالية قد تمتد ليومين مثلا. هذا بالإضافة إلى حالة الاغتراب التى تفصلنا عن مجتمعنا، الذى هو قرانا ومدننا الصغيرة، حيث نقيم، تلك الإقامة التى لا تضعنا في مواجهة الفكر الوهابي، الذى استشرى بها، كالنار في الهشيم، بل تمنعنا أيضًا من التواصل مع ما يجرى من فعاليات بالقاهرة، اللهم إلا معرض القاهرة الدولى للكتاب، لأنه يناسب إجازة نصف العام، كان لدينا من المثابرة الكثير لكن الكاتبات كن يعانين أكثر، وكن يصبن بالإحباط بشكل أسرع وهو ما نلحظه بعد عدة سنوات، من فرق عددي، بين الكتاب الذكور والإناث بشكل دال وحقيقي، ففريق يتوقفن وفريق أقل يضحين ويكملن طريقهن.
في إحدى محطات إحباطى توقفت، ثم فكرت أن أكتب إلى فريدة أستاذة ورئيسة تحرير لمجلة أنشر بها وأهم من ذلك كله نون النسوة التى تجمنا في نوع اجتماعي واحد. وكتبت إليها جزءا من ضيقى وسأمى ورغبتى في ترك الكتابة التى لا تجر علينا سوى المتاعب في ظل ثقافة المجتمع التى نصطدم بها ومعها في كل يوم.
أذكر أننى لم أكتب عن نفسى بل عن زميلات جيلى من الكاتبات وأذكر أن خطابى كان به من القوة والصدق ما جعلها تكتب مقالًا مطولًا وتنشره في مجلة إبداع.
مقالًا احتفت فيه بنا ودافعت فيه عنا، وآزرت، ساندت، ووجهت خطابها إلى المجتمع ككل. واليوم وبعد مرور عقدين من الزمان من كتابة خطابى لها، وكتابة ما يقرب من العشرين كتابا، وكتابتى لمقالى الأسبوعى هنا بـ«البوابة». أرسل إليها التحية والامتننان لدورها ودعمها حينما كتبت عنا وقتها بشكل مباشر.
وتحية وامتنان آخرين لجهدها، الذى عرفناه، من قراءتنا لكتاباتها الخاصة، من مقالات وكتب. وجهد آخر بذلته في المؤتمرات التى تخص المرأة وحقوقها، رؤاها وحلمها بمجتمع يعيد تقدير المرأة ويحفظ كيانها على مختلف الأصعدة في المجتمع والحياة.
وردات كثيرة وياسمين أكتب بها اسمك يا فريدة الفريدة. إنسانة ومعلمة، وملهمة، ودعوات كثيرة من القلب لك بدوام الصحة وجمال الروح الذى لم يطفئه مرور السنوات بل زادته ونشرته حتى طال كل من عرفك وكل من التقاك ولو لمرة واحدة وكل من صافحت عينه حروفك. دمت بهية غنية رضية ونجمة درب مضيئة.