لا شك أن الأسلام على الطرف الحق من العقيدة ، أما التأسلم فلقد ابتعد إلى الطرف الآخرالباطل من العقيدة ، وبالتالي المسلم والمتأسلم أيضا وكنتيجة مباشرة هما أيضا على طرفي النقيض من العقيدة ، المسلم يعرف الله السلام والمحبة والرحمن والرحيم والعادل ، أما المتأسلم فلقد خرج عن كل الصفات ليذهب إلى النقيض منها ، والتي أوصلته إلى الفكر الظلامي الذي يبدأ بكلمات مشتتة مستقاة من مصادر مشتبه بها تصل به إلى الكره لكل ما هو عقائدي وكل ما هو إنساني .

التأسلم ظاهرة غير مبنية على أساس ، أدت إلى اتهام عقيدة بأكملها لأن معتنقيه والذين يدينون به خرجوا تماما عن مفهوم العقيدة التي تصل بين الله والإنسان وابتدعوا لهم عقيدة يمكنهم تسخيرها لخدمة نزواتهم الشاذة سواء الفكرية أو الدموية ، وإن كان من وجهة نظري أنه لا اختلاف بين الاثنين ، لأن الفكرية غالبا ما تقود إلى الدموية وإن لم تفعل بيدها  فهي تدفع إليها . أقولها دائما أن هناك فرق في أي عقيدة بين المسمى الذي ينسب الشخص إلى هذه العقيدة وبين الانتماء إليها بالفعل والتعلق القلبي بها .

 إن التطرف والتعصب هو بداية الطريق أو هو البذور الأولى التي تنبت الفكر الظلامي ، لقد توارى البعض خلف العقيدة الإسلامية ليجنحوا إلى شهواتهم الشيطانية من فكر وجنس ودماء ، وأصبح اتهام الإسلام والمسلمين هو فكر من لافكر له ، فالإرهابي القاتل للأبرياء لم يحرضه الإسلام على ذلك ، والفكر الشهواني الذي لا يفكر سوى في الجزء الأسفل من المرأة والرجل لم تحض عليه العقيدة ، والممتلئ بالأحقاد ويهاجم الآخر ويكفره ويدعو إلى مقاطعته وعدم تهنئته في مناسباته أي عزله عن المجتمع كإنسان لم يأمره الله الذي يدعي أنه يعرفه بهذه العقلية اللاآدمية .

طرفي النقيض بين عقيدة صحيحة وبين فكر أخطأ إلى العقيدة وإلى البشر وإلى الإنسان مثل فكر الشيخ الشعراوي الذي كان بداية أو مفرخة لأفكار جاءت بعده وغرست التطرف والتعصب في بلادنا بل تطاير إلى البلاد العربية الأخرى ، وشخصيات إسلامية انصهرت مع إسلامها فأصبحت لا ترى سوى الله والإنسان والمجتمع ومن منبع الإيمان بعقيدتها رأت الآخر ، رأت الإنسان الذي يتعبد إلى إله واحد أيضا ، ومن نور فكرها كتبت بحرية تامة عنه لأنها تعلم أن الأرض وما عليها من بشر وكائنات هي مملوكة لإله واحد ، لا وكيل له على الأرض ، ولم يكلف أحدا بسن الفتاوى التي لو فلحت في شئ فلن يخرج عن دمار الفكر والدفع به إلى ارتكاب ما تعف عنه الضواري ، مشوهة صورة العقيدة ووضعها موضع الاتهام أمام العالم الذي لا يعرف من الإسلام سوى اسمه .

كلماتي هنا منصبة على ثلاث شخصيات إسلامية كنموذج للمسلمين وتنفي  المتأسلمون إلى ظلام الجاهلية . دعوني أقدم نبذة عن كل واحد منهم قبل أن أقدم ما كتبه بفكر خلا من كل شئ سوى الإيمان بأن  المؤمن الحقيقي بعقيدته يتجرد تماما من " استبدادية الأنا الدينية ".

1_ " جهاد  علي محمود علوان " الشهير ب " جهاد العلاونه " وهو كاتب وشاعر أردني ، كتاباته الساخرة والدينية أدخلته في مشاكل مع الأمن والمخابرات الأردنية ، وحُظرت كتاباته لبعض الوقت ، وحتى الآن توضع تحت المراقبة بسبب عدم رغبته في التخلي عن أفكاره ومعتقداته الدينية المتسامحة .

2 _ " ناجح ابراهيم " طبيب وكان من قادة الجماعة الإسلامية واتُهم في المشاركة في قتل الرئيس السادات ، لكنه خرج من كل هذا إلى عالم الإنسان المسلم الحقيقي وانضم إلى الفكر العقائدي الصحيح ، فاتزنت الحياة والآخرة أمام عينه ، وعرف أن العقيدة ما هي إلا حبل اتصال بين الخالق والفرد كمفرد وليس جماعة ، هو طبيب لكن ليس هذا ما أعاد الاتزان إلى عقله فالطبيب السلفي ياسر البرهامي لا يعرف من الحياة سوى ظلامها ولا من العقائد سوى تكفيرها ومن الآخر سوى عدو يجب أن يحاربه ، وإن لم يستطع أن يحاربه برصاصة وخنجر فيجب أن يحاربه بلسان الأفعى التي لا تبخ سوى السم ، وخلاصة القول أنه وأمثاله جلسوا على مصطبة الفتاوى ليخرجوا من العقيدة ما يضع ألف علامة استفهام أمامها وهي البريئة من عقولهم !!!! .

ناجح ابراهيم بعد أن خرج من الفكر الظلامي أصبح الآن يعرف جوهر عقيدته ويدين بل ويهاجم فكر التطرف الذي عاش فيه عندما كان في الجماعة الإسلامية ، عاد بكل ما تحمله كلمة استنارة . 

3 _ " حمدي رزق " كاتب صحفي ومفكر يرأس حاليا صحيفة " المصري اليوم " تخرج من قسم الصحافة بكلية الإعلام ، وشغل رئيس تحرير مجلة المصور ، وبدأ كمحرر صحفي في مجلة روز اليوسف قبل أن يتركها إلى مجلة المصور ، تخصص "رزق" في شئون تيارات "الإسلام السياسي" وفي تجلياتها المصرية والعربية والدولية، وصنفته جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة كواحد من ألد خصومها التاريخيين في الساحة السياسية المصرية .

جاء كتابه الأول "فتح مصر" ليكشف عن "وثائق التمكين الإخوانية" كاشفًا الكثير من أسرار الجماعة المحظورة في شهر مايو 2013، أثناء حكم الإخوان لمصر، وصاحبت الكتاب ضجة واسعة، ونفدت طبعتاه الأولى والثانية قبل مرور شهر على سقوط الإخوان في 30 يونيو. تاريخه الطويل المشرف لا تتسع المساحة لتناوله بالتفصيل ، ولذا موضوعنا هنا سيكون عن " كتابه " الذي نال شهرة كبيرة " كيرياليسون .. في محبة الأقباط  "                                                   

كتب جهاد علوانه                                        

*****************

سألني أحد الأصدقاء المسيحيين ذات مرة عن رأيي في الكتاب المقدس " الإنجيل " ،  فوقفت حائرا لا أستطيع أن أبدي رأيي في الكتاب المقدس , وخطرت ببالي هذه الفكرة وهي أنني أحب أن أسأل أي قارئ للإنجيل عن رأي الإنجيل برجلٍ مثلي, هل يبارك الإنجيل خطواتي؟ هل أنا على الطريق الصحيح؟ هل لا سمح الله أسأت لأحد على خلاف ما يأمر به الإنجيل؟ أنا خائف من إحتمال أنني أسأت لأعدائي, أنا قلق جدا بهذا الخصوص , وكل الناس المتدينين وغير المتدينين يسألهم الآخرون ماذا تقولون عن كتابكم الديني؟ فمثلا العلماء المسلمون يسألهم الناس عن رأيهم في القرآن , وكثيرا ما أسمع وأقرأ مثلا عن رأي العالم الفلاني عن القرآن وما يقوله بحق القرآن, إلا الإنجيل هنالك موضوع مختلف تماما, واليهود يسألهم الناس عن رأيهم بالتوراة , إلا أنا لا يمكن أن أقدر أن أقول رأيي في الإنجيل , فمن أنا حتى أقرأ في الإنجيل لأعرف هل الإنجيل راضٍ عني وعن سلوكي وتصرفاتي أم لا, أنا لا أقول رأيي في الإنجيل بل الإنجيل هو الذي يقول رأيه بي , الإنجيل يتحدث عن الصالحين والأخيار من الناس وأنا من هذا المنطلق أدعو الجميع لقراءة الإنجيل ليعلموني ماذا يقول الإنجيل في شخص مثل شخصي , أدعو أغلبية قراء الإنجيل ليقولوا لي عن رأي الإنجيل في تصرفاتي وكتاباتي وحياتي وهل أستحق الخلاص أم لا أستحقه . 

منذ فترة وقلبي معلق بكلام الإنجيل وبعبارات الإنجيل وبكلمات الإنجيل , لا يمكن أن يمر عليّ يوم دون أن أقرأ ولو سطرا واحدا من هذا الكتاب الذي يستحق أن يطلق عليه بجدارة مصطلح(الكتاب) , حتى تشارلز داروين يقول عنه هو الكتاب الوحيد الذي يستحق أن يطلق عليه مصطلح(الكِتاب), وقال عنه يوحنا الدمشقي: لعل أفضل ما يفعله الإنسان لخير نفسه أن يفتش الكتاب المقدس , من الطبيعي أن هذا العالم قصد رأي الإنجيل به شخصيا, فهل نحن نستحق حب الرب لنا ؟ ماذا يقول عنا الإنجيل؟ نحن لا نقول رأينا في الإنجيل بل الإنجيل هو من يقول رأيه فينا . وقال عنه ( غاندي ): الكتاب المقدس هو تاج الكتب والموعظة على الجبل هي: درة الكِتاب المقدس , وقال عنه ( تشارلز ديكنز ): الكتاب المقدس هو أفضل كتاب عرفه العالم كله , أما أبراهام لنكولن رئيس أمريكا في زمانه ومحرر العبيد, وشهيد الحرية , فقد قال: أعتقد بأن الكتاب المقدس هو أعظم هدية قدمها الله إلى البشر، وقال أحد المفكرين الصينيين (صن بات صن) : نهضت الصين فقط عندما تُرجم إلى لغتها الكتاب المقدس , أما مكتشف مغناطيسية الكهرباء(ميخائيل فاراداي) فقد قال: لماذا يضل البشر ولديهم الكتاب المقدس؟ و( جان جاك روسو ) المفكر الفرنسي المعروف قال: أعترف بأن عظمة الكتاب المقدس وطهارته تؤثران في نفسي تأثيرا واضحا . هذا رأي مجمل العلماء والفلاسفة في الإنجيل وأما أنا فلا أستطيع أن أقول رأيي في الإنجيل, إنني أطمح جدا لمعرفة رأي المسيح بي .                   

كتب ناجح ابراهيم :

******************  

سأبدأ يا سيدي المسيح في الكتابة عنك كتابة تلميذ لأستاذه ، عزمت أمري علي الكتابة عن سيدنا المسيح عيسى عليه السلام وظننت الأمر سهلا ً لكني وجدته صعبا ً جدا ًووجدتني أتضاءل أمام قامة وقدر المسيح عليه السلام . ظللت أنقب وأبحث وأسأل خائفا ً وجلا ً: كيف أبدأ الحديث عن السيد المسيح عليه السلام وكلما قرأت أو سألت أو تفكرت أو تناقشت مع عالم حول السيد المسيح ازداد حبي له وتقديري لعطائه ورسالته؟ . لقد هزني كل ما فيه من خصال ، هزني هذا التسامح العظيم الذي بهر به المسيح الدنيا كلها حتى اليوم ، بهرني حبه للجميع حتى للذين آذوه وشتموه وأهانوه .

شعرت أنه كتلة من الحب تتحرك بين الناس وعبر الأجيال لتنقل الحب والعفو والتسامح من جيل لجيل ومن زمان لزمان ومن بلد لآخر . وهل تجود الأزمان والبلاد برجل يقول"أحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" أي قلب هذا الذي حمل هذا القدر من العفو والرحمة ليتخلق بأسماء الله الحسنى حق التخلق ويترجمها إلي واقع بشري حي يعيش مع الناس ويحيا بينهم . أه ياسيدي لو كنت بين المصريين اليوم وبعضهم يقتل بعضا ًويجرح بعضهم بعضا ويدعو بعضهم علي بعض ويتمنى كل واحد لمنافسيه السوء والشر لرأيت العجب يا سيدي وأدركت أن دعوتك هذه للتراحم والتغافر والتسامح قد ذهبت أدراج الرياح .

آه يا سيدي المسيح لقد ضاع الحب من أرضنا مع أشياء جميلة ضاعت كذلك فلم يتذكر الناس قولتك الأثيرة "الله محبة" بما تحوي من معان كثيرة رائعة فالقلب الذي يعرف الله حقا ً يفيض بالحب والرحمة لخلق الله جميعا ً والذي لا يعرف الله لا يعرف شيئا ًفي معاني الحب والرحمة فلا يعرف سوى الكراهية والمقت والجفاء والجفوة .

آه يا سيدي لقد تبخر الحب من قلوبنا ليحل مكانه أسوأ معاني الكراهية وإرادة الشر للآخر . يا سيدي نفذت مساحة مقالي الأسبوعي ولكن لم ينفذ مداد الحب الذي سأكتب به عنك وعن رحمتك وعفوك وتسامحك ومحبتك لربك ولرعيتك ولكل الخلق فإني أعتقد جازما ً أن الكراهية لم تعرف قلبك الطاهر أبدا ً .

حمدي رزق وكتابه : "كيرياليسون .. في محبة الأقباط "

*******************************************

" كيرياليسون " مصطلح مسيحي معرب عن اليونانية يعني " يارب ارحم " ، يرددها الأقباط الشرقيون في صلواتهم 41 مرة ، وتميز التقليد القبطي دون غيره ، ويفسر بأنه إشارة إلى ال 39 جلدة التي جُلد بها السيد المسيح بالإضافة إلى أكليل الشوك ، والطعن بالحربة ، ويعني ترديدها 41 مرة تضرع إلى الرب لطلب الرحمة .

يرى حمدي رزق في كتابه أن " الفتنة الطائفية " هي باب جهنم الذي يؤمه كلاب النار، والفتنة من مستصغر الشرر، وكيف واجه المصريون هذه الفتن بالمحبة: " اتعلمون محبة المسلمين للعذراء مريم " ، وكيف يسمون بناتهم باسمها الجميل ، وكيف تحتل سورة «مريم» مكانها الطيب فى نفوس المسلمين ، يستعذبونها فى سرادقات العزاء يطلبونها من المقرئ الطيب ليطربوا لسيرة أم النور، وأن بعض الطيبين من المسلمين والمسيحيين يزورون الكنائس طلبا لبركة القديسين ، ويعتقد بعض المسيحيين فى كرامات وبركات الأولياء الطيبين، ومداحون أقباطا يمدحون فى حب الرسول، ومسلمين يروون فى عيسى عليه السلام . هذا هو النسيج المختفى والإيمان المصرى يعصم المصريين من الفتنة ، ويجعلهم قادرين على مواجهة الألاعيب الصغيرة لصناع الفتن .

يجمع حمدى رزق فى كتابه «كيرياليسون» بين الرصد الاجتماعى للخيوط غير المرئية للمصريين ، وحكاياته مع " البير " زميل المدرسة ، وقصص مع الجيران والزملاء، وأيضا يقدم توثيقا لمشكلات الاقباط ، وقضاياهم ، يقتحم الاركان المظلمة ، ليضع يده على المشكلات الحقيقية التى تحتاج للمواجهة والعلاج ، جامعا بين الرصد للبنيان الشعبى ، والدراسة البحثية لمشاكل الأقباط فى مصر، من زاوية إنسانية سياسية ، راصدا علاقة الأقباط بالرئيس تحت عنوان «وإحنا كمان بنحبكم»، ويسجل تفاصيل وأسرار الزيارات الأربع الرئاسية للكنيسة فى عيد الميلاد ، بوصف السيسى كان أول رئيس يعبر المسافة الرمادية لرؤساء سابقين. وكيف كان حاضرا فى مشكلاتهم . فى وقت تحمل الأقباط المواجهة ودفعوا ثمن مواجهة التطرف الذى حرق كنائسهم ، وسعى لاشتعال الفتنة، ورفض الأقباط دائما أى تدخلات خارجية ، وأعطوا ظهورهم لمن حاولوا استغلال هذه الآلام ، لتقدم الكنيسة المصرية موقفها الوطنى دوما .

كما يتطرق إلى كراهية جماعة الإخوان والعداء الذى يعلنه السلفيون للأقباط ، ويقدم تسجيلا إنسانيا اجتماعيا سياسيا لحال الأقباط فى مصر، ويرصد رؤية الأقباط ومستقبلهم تأسيسًا على حاضرهم ، وماضيهم، باعتبارهم أخوة الوطن ويتمتعون بحقوق المواطنة ، ويرفضون كل أشكال التمييز التى يمارسها بعض المتشدقين بالدين بعيدًا تماما عن تعاليم الدين الإسلامى الحنيف . يتضمن «كيرياليسون» حوارات مع البابا تواضروس الثانى، والبابا شنودة الثالث ، بالإضافة إلى عدد من الحوارات لكبار الرموز، بأسلوب درامى وقصصى، وبهذا يضاف كتاب حمدى رزق إلى تراث فكر المواطنة ، راصدا أصل التسامح من دون تجاهل لأصل الشرور والمشكلات.

إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

********************

****************

                                                     .