إدوارد فيلبس جرجس يكتب: قراءات في السادس من أكتوبر 1973

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: قراءات في السادس من أكتوبر 1973
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: قراءات في السادس من أكتوبر 1973

 

حقيقة يجب ألا تُغفل

*****************

إن قصة هزيمة يونيو 1967 التي جملناها فأصبحت نكسة باتت معروفة للجميع وأرددها دائما من أجل الأجيال الحديثة التي من حقها أن تعرف الحقائق عما حدث بالوطن ، ولست هنا بصدد الحديث عنها ، لكن من أجل الدخول فيما أريد أن أوضحه وهو أنه بعد الهزيمة وتمزق القوات المسلحة وفقد مصر لأهم سلاح وهو السلاح الجوي " الطيران " الذي فقدناه على الأرض دون طلعة واحدة ، والأهم ألاف الجنود التي ذهبت ضحية أهمال يصل إلى درجة الخيانة لبعض القادة العسكريين ، لم يكن أمام عبد الناصر سوى اللجوء للروس من أجل إعادة بنيان القوات المسلحة ، ولقد أشار عليه الخبراء والقادة العسكريين الروس بأن يجند المؤهلات عامة سواء العليا أو المتوسطة ، ولقد كان وبالفعل تم تجنيد كل المؤهلات بين ضباط وجنود ، وأستطيع أن أقول بكل راحة أنه لم يبق خارج الجيش منهم إلا من كانت ظروفه الصحية لا تسمح مع وجود بعض التجاوزات كالعادة حتى في مثل هذه الظروف . كان لانضمام هذا العنصر المتعلم كضباط وجنود إلى القوات المسلحة أثره الكبير في جميع الأسلحة ودوره الكبير في الانتصار الذي تحقق في السادس من أكتوبر وكان منهم الكثير من الشهداء سواء في حرب الاستنزاف التي سبقت السادس من أكتوبر أو في معركة الكرامة . تم تسريح كل هؤلاء بعد انتهاء الحرب بشهور بأعدادهم الهائلة ليبدءوا رحلة البحث عن حياتهم الاجتماعية بعد سنوات طويلة وشاقة وصلت إلى ثماني سنوات مع الذين تجندوا بعد هزيمة يونيو مباشرة قضوها في القوات المسلحة لكن من أجل الوطن يهون كل شئ ، لكن المؤسف الذي يجب أن يقال أن هؤلاء الأبطال والشهداء لم يأخذوا حقهم من التكريم بالمرة والفضل نسب كله إلى القوات العاملة ولم يبق لهؤلاء سوى ذكرى يفتخرون بها دائما وهذا أفضل من أي تكريم ، أنا بالتأكيد لا أسرد قصة خيالية لكنها الحقيقة التي لو أردت أن أفردها كاملة لملأت كتابا بأكمله فلقد كنت ضابطا احتياطيا تم تجنيدي فور انتهاء دراستي بالجامعة في السادس من يناير عام 1968 أي بعد الهزيمة بحوالي ستة أشهر فلم يكن لي ضلعا في الهزيمة لكنني نلت شرف النصر وشهادة عبور تثبت أنني كنت من طلائع القوات التي عبرت أحتفظ بها حتى الآن كذكرى كانت شاقة لكنها جميلة أفتخر بها أمام أبناء وأحفاد قد يرون فيها وفيما حدث من هزيمة وانتصار قصة خيالية . وأيضا تطالبني الحقيقة أن أشير أن هذه الأعداد الهائلة التي جُندت في ذلك الوقت هم من الطبقة المتوسطة التي دائما يقع عليها ظلم وعناء المعيشة مع تغيرات كل مرحلة من مراحل الحكم ، هؤلاء وقد قاربوا النهاية أعتقد أنهم سيكتبون في مذكراتهم لقد ظُلمنا من البداية إلى النهاية وننتظر عدل الله .                                         

 

كلمات على الهامش

************

كنت أنوي أن أكتب بالتفصيل عن حرب الاستنزاف واليوم الفاصل يوم العبور ومشكلة الثغرة بحكم حضوري في ذلك الوقت في خضم الأحداث ، لكنني رأيت أن أقدم بطلا من أبطال حرب أكتوبر للكثيرين الذين لا يعرفونهم وللأجيال الحديثة التي سمعت ولم تر ذلك اليوم وأبطاله ، وبطلنا هنا هو اللواء طيار سمير عزيز ميخائيل .  وقبل أن ننتقل إلي بطلنا ، أحب وبكل أسف أن أقول " والله عيب " يابلد أن تنسوا دور " الرئيس حسني مبارك " والذي كان قائدا للقوات الجوية في ذلك الوقت ، ونجحت في مهمتها تمام النجاح ، فلماذا لا نذكر الحقيقة ونتجاهل دوره البطولي ، الرئيس حسني مبارك كان شريفا ولم يتهم بالخيانة أبدا ، فلماذا نتجاهل دوره وحتى لو تجاهلناه فمن المؤكد أن التاريخ لن يتجاهله ، أكرموا عزيز قوم زل يابشر !!!!!!!!!!!!!!!!!!               

 


 

اللواء طيار سمير عزيز ميخائيل

******************** *******

واحد من أشهر طيارى القوات الجوية فى حرب اكتوبر المجيدة، وأفضل طيار غير روسى يطير علي الميج 21، عُرف بشجاعته وجرأته الشديدة وكان يطير على ارتفاعات منخفضه جدا حتى انه كان يطير على ارتفاع متر واحد من الأرض، شهد له زملاؤه وقادته بأنه يستطيع تطويع طائرته لتلبى له ما يريد . أسقط للعدو 3 طائرات بما فيها المقاتلة الميراج التى سقطت يوم 20/7/1969 وكان يقودها «ايتان بن الياه»و الذى أصبح فيما بعد قائد سلاح الجو الإسرائيلي منذ عام1997 وحتى عام 2003 . وما جاء على لسان اللواء سمير هنا لم أكتبه من الخيال ، لكن مما كتب في الصحف الرسمية ومن استضافته في برنامج " صاحبة السعادة " الذي تقدمه الفنانة " إسعاد يونس " وعندما استضافته في برنامجها ، وقد حكى البطل عن مشاركته في حرب أكتوبر قائلاً :   كنت لا أهنأ بأجازة ، ففي كل استدعاء أعود للمطار مستعدا لشئ ما لكنه لا يحدث . ثم جاء يوم 5 اكتوبر 1973 وليلا جمعنا العقيد احمد نصر قائد اللواء 104 بالمنصورة حيث كان يوجد السرب44 والسرب 46 والسرب42 الذي تم نقله سرا الي الاقصر . جمعنا قائد اللواء وابلغنا ان غدا الحرب وبألزام الجميع بالراحه التامه ، وكان معى زوجتى بالمنصورة فأمرت احد الجنود ان يأخدها في سياره السرب ويعود بها الى القاهره . وفى صباح6اكتوبر كنا على استعداد تام وكان كل ما يقلقنى ان يتأجل موعد الحرب كسابقه ويكون نوع من التدريب فقط. وفى حوالى 11صباحا طلبوا منا طلعه تدريب ، فأقلع تشكيل من السرب 46 بقيادتى وتشكيل من السرب 44 ، وقمنا بعمل طلعه التدريب وفقا لما رأه قائد اللواء ، لكن الهدف لم يكن التدريب ، انما استمرار مسلسل الخداع للعدو ، وبعد انتهاء التدريب عدنا للمطار فى ال12ظهرا وقبل الساعه الثانيه بدقائق اقلعنا من المطار وروحنا المعنويه تناطح السحاب الذي نخترقه ، ونفذنا مراحل الخطه التي تدربنا عليها طويلا ، وفى الثانيه ظهرا عبرت الطائرات القناه وكانت مهمتنا فى السرب عمل مظلات فى عده مناطق وكنت قائد تشكيل من اربع طائرات فى مظله شرق الاسماعيليه . بعد انتهاء الضربه عادت الطائرات ، وكان من المفترض ان اعود معها ، لكنى انتظرت حوالى 5 دقائق لكى اشتبك مع اى طائرات معاديه تأتى بدلا من اعود بلا اشتباك ، ابلغنى الموجه بالعوده ، وفى طريقى للعوده و بالقرب من المطار اُطلق علينا صاروخ سام مصرى فأنفجر بينى وبين رقم3 وكان لدينا طيار يسمى حسن خضر وكان وقتها بغرفه عمليات المطار وابلغ ان طائراتنا كلها عادت ولم يعد لنا طائرات في الجو ، فظن الدفاع الجوى اننا هدف معادى ، نظرت اسفلى رايت باقى الصواريخ تنطلق نحونا فأبلغت قائد اللواء اننا نُضرب ، اذ اطلق علينا حوالي 6 صواريخ . لكننا عدنا الى المطار بسلام ، وعلمنا بنجاح الضربه ، فعلمت وقتها اننا انتصرنا ، واستكملنا باقي اليوم في طائراتنا في حالات الاستعداد او في مظلات طائرة فوق مناطق عملنا ، وليلا رأينا طائرات تى يو16 تطلق صواريخها من فوق المنصورة تجاه اهداف في عمق العدو مستخدمه صواريخ جو ارض متوسطه المدي تسمي " كيلت " ، وخلال هذا اليوم المشهود في تاريخ مصر لم يقم العدو بأى طلعات مضاده فى ذلك اليوم  . صباح يوم7 اكتوبر قلت لقائد اللواء نقلع بمظلات فرفض ، وفى الساعه7:30 وجدنا طائرات معاديه تضرب المطار ، وكنت بجانب احدى الدشم وقت الضرب ، فمرت بجانب اذنى شظيه سمعت صوتها جيدا ، وبعد انتهاء الهجوم كانت هناك قنبله بجانب استراحه الطيارين ، وكان الطيارين والميكانيكيه قلقين منها ، فقال لى مجدى كمال قائد السرب ” تعالى معايا” ذهبنا بالسياره الى القنبله ثم نزلنا بجوارها مباشرة ودرنا حولها ننظر اليها فقال لى ببساطه ” دى شكلها زمنيه ، طب يلا نرجع بأه” كان رجلا عظيما وشجاعا بحق . بعدها مباشرة اقلعنا انا وعبدالمنعم همام بمظله وكان هناك قنبله لم تنفجر بجوار الممر الفرعى والرئيسى ، واستمر الطيران طوال اليوم بشكل طبيعى رغم عدم انفجار تلك القنبله . يوم8اكتوبر اقلعت 4 مظلات بدون اشتباكات ، وكنت مصاب بأنفلونزا واعالج منها حتى استطيع الطيران ، وفى الرابعه عصرا وكنت قد انهيت حالا مظله وقادم منها تجاه استراحه الطيارين فوجدت قائد السرب مجدى كمال والذي قال لي انه متعب جدا وطلب منى ان اقلع مكانه. كان مجدى كمال اضخم منى من حيث الجسم والوزن، وبمجرد دخولى استراحة الطوارئ انطلقت خرطوشه " اسكرامبل " فأقلعت مباشرة وكان نمرة 2 صلاح ورقم3 القبانى ورقم4 عبدالمنعم همام .اقلعت بدون ان اضبط الاحزمه على جسمى وكثيرا منا تدرب واقلع وهو يربط الاحزمه اثناء الاقلاع طمعا في كسب عده ثوان كفيله بقلب نتيجه اي معركه ، واعطانا الموجه اتجاه بورسعيد وقال انها تُضرب من الطائرات المعاديه ، وعند اقترابنا من بور سعيد امرت التشكيل بألقاء الخزانات الاضافيه تمهيدا للاشتباك ، وفوجئت ان خزانات طائرتى الثلاث لم تنفصل ، فقال لى صلاح ” يا فندم الخزانات مترمتش"رأيت 4 طائرات ميراج اعلى منا فأرتفعنا قليلا ، وبدأت الميراج في النزول الينا ، فأنفصل القبانى وهمام . فى لحظه ارتفاعنا لملاقاة الميراج ، كان هناك مظله اخرى ميراج اسفل منا لم نراها دخلت خلفنا وضرب صلاح في اول لحظات الاشتباك ولم اشعر به فنظرت بجانبى لأتأكد منه فلم اجده ، فنظرت خلفى فوجدت 4 طائرات ميراج خلفى…شعرت ان الدنيا اظلمت ، بدلا من ان نكون 4 طائرات اصبحنا 3 فقط ، وبدلا من ان يكون المعادى 4 اصبحوا 8 ، حاولت تعمير المدفع فلم يستجب ، فقد حدث عطل فى " الدى سى "  الخاص بالدائرة الكهربائيه المسئوله عن التسليح ، فأصبحت اطير ب 3 خزانات وبدون تسليح يعمل اي ان طائرتي مجرد قطعه حديد طائرة لا نفع منها . دخلت خلفى طائرتين فقمت بالمناورة لليمين فرايت طائرتين اخرتين خلفى ايضا ، ابلغت بالاسلكى ان خلفى 4 طائرات بأستمرار ، فقال لى الموجه ان هناك تعزيز قادم لي ، استمر الاشتباك على هذا المنوال وكل طائرتين تحاولان ضربى او وضعى فى مكان جيد للطائرتين الاخرتين ، واصبحت السرعات بطيئه ولا فرصه لأكتساب سرعه ، فأتجهت بالطائرة الى المياه لاكتساب سرعه ، حتى وصلت على ارتفاع منخفض جدا واتجهت الى المنصورة ، مستغلا السرعه التي اكتسبتها للفرار من الطائرات المطارده لي وبعد حوالى 4 ثوان قلت لنفسى ” هتسيب القبانى وهمام لوحدهم ؟” فعدت اليهم لكى اساعدهم بأى شئ حتى لا يكونوا بمفردهم ، فقمت بالارتفاع والرجوع مره اخرى ، فرايت طائرات ميراج على يمينى وقبل ان اتجه اليها شعرت بأن شئ صدمنى بشده جدا بمؤخرة الطائرة ، وبدأت الطائرة تدور بلا اى تحكم او سيطرة و نظرت خلفى فلم اجد الذيل ، والنار مشتعله والطائرة متجهه الى البحر مباشرة فقزت من الطائرة علي الفور واذ بى اشعر بألم رهيب بظهرى ، وذلك لعدم احكام الاحزمه على جسدى والتي كان يجب علي ان اعدلها علي حجم جسمي ، وكنت قد قرأت ان الالم يمكن ان يقتل الانسان فكنت اكرر "مش لازم اموت مش لازم اموت” وقبل ان اصل الى المياه شعرت انى سيغمى على من شده الالم فقمت بنفخ جاكت النجاه لكى يضغط على الدم واظل بوعيى وساعد على ذلك اصطدامى بالمياه افاقتنى ايضا و بدأت افك البراشوت فأمسك بقدمى اليسرى ، وبدا الهواء يسحبنى على سطح الماء وبدات اشرب من ماء البحيرة ، وفجأه توقف الهواء ، وفك البراشوت من نفسه من قدمى . ثم رايت مركب صيد ممن تسير في البحيرات الضحله بعصا كبيرة تقترب منى بهدوء ، ورأيت احد الصيادين يرفع تلك العصا وينزل بها على رأسى فحركت نفسى قليلا فسقطت بجانبى ، فوجهت لهم السباب بلهجه مصريه فشكوا انى لست اسرائيليا و فأقتربوا منى بهدوء ، وامسكنى احدهم من خلفى وكتفنى ، واخذوا المسدس منى ، وسألونى اذا كان معى سلسله ذهب ، فقط لهم معى واحد بها الاسم والرتبه ، فسألوا اذا كانت ذهب فقلت لهم انها صفيح ، فرفعونى على القارب و وبعد لحظات جاء قارب خفر السواحل ونقلنى الى قاربهم ، وسألوا الصيادين عن المسدس فاعطوهم اياه ، واخذونى الى مستشفى المطريه وجاء شخص من المخابرات وسألنى ان كنت احتاج شئ فقلت له ان يبلغ ماهر شنوده قائد قاعدة انشاص بسلامتى ويبلغ اهلى ، لأنه كان من العائله ، وطلبت منه ايصالى الى مطار المنصورة ، واثناء نقلي كان الالم في ظهري اقوي من تصفه كلمات ، وكانت رداءه الطريق سببا اخرا في ازدياد الالم وعدم توقفه وفي مطار المنصورة قابلت امير رياض ونبيل فؤاد وحذرتهم من ان اليهود دائما ينصبون الكمائن وان ينظرون خلفهم اكثر من الامام تحسبا للعدو ، وبعدها اعطونى ادويه فنمت . استيقظت ليلا ووجدت زوجتى وابى وامى وحمايا ، وسمعتهم يقولون انى مصاب بالشلل نتيجه القفز ، فقد احدث كسر فى احدى فقرات العمود الفقرى وضغط احداها ، وقاموا بتجبيس ظهرى، وفى منتصف اليل تم نقلى الى المستشفى الفرنساوى ، ومنعوا الزيارات ، واقتصروها يوما لأبى ويوما لزوجتى فقط . وكنت اسمع اخبار الحرب والثغره من الاطباء والاذاعه فقلت للطبيب اريد ان اذهب للمطار فقال لى” انت بتهرج؟” فحثثته على المحاوله وبمجرد ملامسه قدمى الارض صرخت لأن الفقرات لم تلتأم فبكيت لعدم مقدرتى على المشاركه في الحرب واستمر الوضع هكذا لا اتحرك لمدة 21يوم من على السرير ، وبعدها علاج لمده6شهور ، وبعدها عدت الى الطيران والخدمة حتى اصبحت قائد لواء ميج فى بني سويف وخرجت من الخدمة  عام 82

    تعقيب لا بد منه                    
*********************************                                                          

لقد قصدت أن أدون قصة هذا البطل كما حكاها أمام التلفزيون بالتفصيل لما فيها من بعض التفاصيل وليس كلها وقد لا يعرفها أو يتوقعها الإنسان العادي عن مهام الطيران في الحرب ومهمة الطيار الحربي الخطيرة والصعبة جدا التي يتوقع فيها الموت في أي لحظة من لحظات الاشتباك مع طيران العدو أو السقوط بطائرته بفعل المدفعية ، والمشكلة الكبرى لو سقط في أرض العدو وتم أسره والأهوال التي يمكن أن يجابهها على يديه ، وإن كان اللواء سمير قد قام بدوره على أكمل وجه سواء في حرب الاستنزاف أو في الثلاثة الأيام الأول من حرب أكتوبر ففي الحقيقة الأبطال مثله كثيرين ليس في سلاح الطيران فقط ، لكن في كل الأسلحة الأخرى ، نعم مصر غنية بكل أبناءها .