راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: نساء القصور علي مر العصور (المرأة بين الوفاء والخيانة ٢-٢)

راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: نساء القصور علي مر العصور (المرأة بين الوفاء والخيانة ٢-٢)
راغدة شفيق محمود و محمد عبد العال يكتبان: نساء القصور علي مر العصور  (المرأة بين الوفاء والخيانة ٢-٢)

ومن الخداعِ والخيانة ِ إلى سلطانة الحبّ ،ورحلة الوفاء من ثنايا تاريخ الأندلس متمثلة باعتماد الرميكيه. التي يعودُ لقبها إلى رميك بن حجاج الأندلسي تاجر من إشبيلية علمها الشّعر والأدب والحكمة .

كانت المحطة الفاصلة في حياة اعتماد والتي غيرتْ مسارَ حياتها للأبد حينما كان المعتمد أحد ملوك الطوائف يتنزَّه مع شاعر.ِالبلاط ابن عمار في مرج الفضة - قال له:«صنع الريح من ماء الزَّرد» (يقصد أنْ يكملَ رفيقه بيت الشعر)، إلا أنَّ بديهة ابن عمار لم تسعفه وكانت بقربهما اعتماد المرأة الجميلة تغسلُ ملابس سيدتها في النهر، فأكملت ما عجزَ عنه ابن عمار فقالت: «أيُّ درعٍ لقتال لو جمد». وقد تعجَّب المعتمد من سرعةِ بديهتها وموهبتها بالشّعر فسأل عنها وذهب إلى صاحبها "رميك بن حجاج" واشتراها منه وتزوجها وقد بلغَ حبّ المعتمد له أن اسابدلَ لقبه من "المُؤَيَّد بالله"، إلى المعتمد على الله تيمُّناً باسمها .. كان المعتمد يبذلُ المستحيل من أجلِ إرضاء زوجته الغالية اعتماد ... يغدقُ عليها الأموال والنفائس والجواهر ومن أشهر قصص تبذيره لأجل إرضاءها يوم أرادت فيه أن تسير على الطين، فأمر المعتمد بأن يُسحَق لها الطيب وتُغَطَّى به كلّ ساحةِ القصر، ثم تُصَبُّ الغرابيل، ويُصَبُّ ماء الورد عليهما، وقد عُجِنَ ذلك حتى أصبح كالطين، فسارت عليه الرميكية مع جواريها.

ومما يُروَى أنها رأت في قرطبة هطولَ الثلج في الشتاءِ ، وهو مشهدٌ نادرُ الحدوثِ في إشبيلية فبكتْ بحرقة، فجاءها المعتمد وسألها عن بكائها، فقالت: «إنّك طاغية جبار غشوم، انظرْ إلى جمالِ ندفِ الثلوج البارقة اللينة العالقة بغصونِ الأشجار، وأنت أيُّها الناكرُ للجميل لا يخطر ببالك أن تُوفِّر لي مثل هذا المنظر الجميل كلّ شتاءٍ ولا تصحبُني إلى بلدٍ يتساقط فيه الثلج كلّ شتاء»، فقال لها المعتمد: «لا تحزني ولا تستسلمي لليأس يا سلوة النفس ومنية القلب، فإنِّي أعِدُكِ وعداً صادقاً أنّك سترين هذا المنظرَ الذي أدخل على قلبك السرور كلّ شتاء»،فأسرع من فوره وأمرَ بزرع أشجار اللوز على جبلِ قرطبة، لتظهرَ عند طلوع أزهارها كأنّها مُغطَّاة بالثلوج ..من الصعوبة بمكان الفصل في هذه القصص بين الحقيقة والأسطورة خاصة وأن هذه القصص كانت تتناقلها الألسن ابان حرب يوسف بن تاشفين ضدّ ملوك الطوائف وكان تصوير حياة الترف والمجون واللهو في بلاط ملوك الطوائف إحدى مسوغات هذه الحرب الضروس ... سقطت إشبيلية عاصمة بني عبَّاد في أيدي المرابطين، واقتيدت اعتماد مع زوجها المعتمد أسرى إلى المغرب حيث عوملا معاملةً غير لائقة وذاقا من صنوفِ الهوان والذلِ ما لا تتحمله النّفس،و استقروا في أغمات تحتَ الإقامة الجبرية.

و قد كانت اعتماد شديدة الوفاء لزوجها في رحلة المنفى وحينما حانت ساعة رحيل المعتمد صلى الناس عليه كغريبٍ ولم يصلي عليه سوى ثلاثة.. قبر الغريبِ سقاك الرائح الغادي حقا ظفرت بأشلاء ابن عبّادي بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب ان أجدبوا بالرّي للصادي بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا بالموت أحمر بالضرغامة العادي بالدهر في نقم بالبحر في نعم بالبدر في ظلم بالصدر في النادي نعم هو الحق حاباني به قدرٌ من السماء فوافاني لميعاد كفاك فارفق بما استودعت من كرم روّاك كل قطوب البرق رعّاد ولا تزل صلوات الله دائمة على دفينك لا تحصى بتعداد أما عن مصير ابنة المعتمد واعتماد وهي الأميرة بثينة والتي حُملتْ كأسيرة فرفضت ان تكون محظية لابن التاجر الذي اشتراها وأعلنت عن نفسها وأنها أميرة عربية لا تحلّ لأحد دونَ زواج فأرسلت إلى أبيها وأمها تطمئنهما على نفسها وتنقل اليهما طلب الزواج في نظم شعري جميل مما خفف على الوالدين مرارة سجنهما ومنفاهما.
 تقول الأميرة بثينة : اسمعْ كلامي واستمعْ لمقالَتي فهي السُّلوكُ بَدَتْ من الأجْيادِ لا تُنْكِروا أنّي سُبِيتُ وأنَّنِي بِنْتٌ لِمَلْكٍ من بَني عبّاد ملكٍ عظيمٍ قد تَوَلّى عَصْره وكذا الزمانُ يؤولُ للإفْساد لَمّا أرادَ اللهُ فُرْقَةَ شَمْلِنا وأذاقَنا طَعْمَ الأسى مِنْ زادِ قام النِّفاقُ على أبي في مُلْكِهِ فدنا الفِراق ولَمْ يَكُنْ بِمُرادِ فخرجت هاربة فحازني امرؤ لم يأت في إعجاله بسداد إذ باعني بيع العبيد فضمني من صانني إلا من الأنكاد وأرادني لنكاح نجل طاهر حسن الخلائق من بني الأنجاد ومضى إليك يسوم رأيك في الرضا ولأنت تنظر في طريق رشادي فعساك يا أبتي تعرّفني به إن كان ممن يرتجى لوداد وعسى رميكية الملوك بفضلها تدعو لنا بالخير والإسعاد من يقرأ هذه الأبيات يدرك كم هي جميلة العائلة المتحابة.

رغم المحن والألم لا زالت القلوب تنبضُ مودة وحبا وشرفا عربياً أصيلا. تمرّ الأيام وتنطوي صفحة مجيدة من التاريخ الأندلسي عنوانها الحبّ والوفاء .. ومن الحبّ إلى العلم لنا موعد جديد ففي تصدي لدراسات سادت لعقود من أن الحبّ الأبدي هو حبّ خيالي لا وجود له إلا في القصص والروايات وأن الحب عادة ما يتضاءل بعد مدة اقصاها خمسة عشر شهراً بينَ المحبين، فيما يتلاشى تماما بعد سبع سنوات من الزواج. ففي دراسة أجراها علماء من جامعة ستوني بروك بنيويورك وشملت الدراسة مجموعة من حديثي الزواج ومجموعة من المتزوجين لما يربو على ٢٠ عاما حيث تضمنت الدراسة مسح مقطعي لأدمغة هؤلاء الازواج وكانت النتيجة مدهشة حيث اظهرت نتائج التصوير ان عدد منهم أظهرَ بعد عشرين عاما استجابات عاطفية مماثلة للاستجابات التي يظهرها الأزواج حديثو الزواج مما ينتفي معه الاعتقاد القديم السابق أن الحبّ يموت بعد الزواج.

 

 

أستاذة راغدة شفيق محمود الباحثة السوريّة في علوم اللّغة

 د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصريّ.