في ندوة حقوقية، أثناء إجازتي الأخيرة بالقاهرة منذ عدة أشهر، كنت ضيفا فيها على المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان والذي أدارها ببراعة، توجه لي فيها، بحكم إقامتي في أوروبا، بسؤال غاية في الأهمية، وبه كثير من التعقيد، حيث كانت الندوة حول الإرهاب وحقوق الإنسان في أوروبا، وكان نص السؤال: هل يمكن أن تكون حقوق الإنسان مصيدة للدول الغربية بوجه عام والأوروبية منها بوجه خاص، فيما يخص استقبالهم لعدد من الإرهابيين بذريعة أنهم مهددون في بلدانهم، وهناك من هم قد صدرت في بعضهم أحكاما، وأن بعضهم محكوم عليه بالإعدام؟ وقد كان في معرض إجابتي على هذا السؤال الذي أعلنت أنه يحتاج الكثير من الوقت لعرض العديد من العناصر، أن الدول الأوروبية لا تعمل بعقوبة الإعدام، وهو الأمر الذي يمنعها من تسليم ايٍّ من المجرمين أو حتى الإرهابيين الذين قد صدرت في حقهم في بلادهم أو غيرها من البلاد حكما بالإعدام، وهو ما يعتبر حجر عثرة في سبيل تسليم هؤلاء المجرمين الإرهابيين.
ولكني أضفت في معرض إجابتي عن السؤال المركب، أنني على يقين أن الدول الأوروبية لن تقف مكتوفة الأيدي امام ظاهرة الإرهاب، وإن كنت قد ذكرت أنهم كان عليهم أن يرهفوا السمع إلى الصوت القادم من جنوب المتوسط وكنت أعني من القاهرة على وجه التحديد، التي أرسلت صيحات مدوية عن خطورة استقبال الغرب وأوروبا لهؤلاء الإرهابيين، وكنت أرى في هذا الاستقبال زاوية غير تلك الإنسانية التي كان يصدرها الغرب، وهي استخدام هؤلاء الإرهابيين ورقة ضغط على تلك البلدان المصدرة، آنذاك، لهم، حيث أن الحال الآن قد تغير، وأصبحت الدول الأوربية هي الأخرى من الدول المصدرة للإرهابيين، والمستقبلة لهم على حد سواء. وأردفت أن أكثر ما يميز المجتمع الغربي، أنه مجتمع ديناميكي متحرك، على عكس مجتمعاتنا العربية، التي أراها مجتمعات إستاتيكية، ثابتة ساكنة، تأخذ وقتا طويلا لكي تنتقل من حال إلى أخرى، وتحتاج دائما ردحا من الزمن عادة ما يطول لاتخاذ قرار أو سن قانون، أو تصحيح خطأ. إن المجتمع الغربي، يتخذ من الديمقراطية التي هي الأخرى، عندهم، ديناميكية أسلوب حياة، وليس مجرد نظام بما تحمله دلالات اللفظة من سكون وثبات، ولذلك، ومازلت أجيب على سؤال المستشار نجيب جبرائيل، لا أظن أن تصبح مبادئ حقوق الإنسان التي يؤمن بها ويطبقها لحد كبير الغرب وأوروبا مصيدة لهذه المجتمعات، ينتشر بسببها فيها الإرهاب ليهدمها، ويسعى فيها غير المؤمنين بالديمقراطية ولا حقوق الإنسان ولا أسلوب الحياة الغربية لتغيير هوية تلك المجتمعات الأوروبية.
وأكدت أن تلك الديناميكية التي تتميز بها الحياة الأوروبية والعقلية الغربية عموما قادرة على وضع حدٍّ في اللحظات المناسبة والحاسمة، وهو ما يحدث الآن، يحمون به مجتمعاتهم، ويحافظون به على الأسلوب الذي ارتضوه لحياتهم، وهو ما أكدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حينما كشفت عن السبب الوحيد الذي يمكن أن يدفعها إلى الاستقالة من منصبها. حيث نقلت صحيفة " Die Welt " - في فترة سابقة - عن ميركل أنها قد تترك منصبها في حال تعرضت شخصيتها لـ "تشوه بعيد الأمد" بسبب "الحلول الوسط!" التي تضطر لقبولها أثناء أداء مهامها.
وأوضحت الصحيفة - في ذلك الحين - أن تصريحات ميركل جاءت خلال حفل تقديم كتاب لوزيرة العدل الألمانية السابقة سابينا لويتهويزر بعنوان "الموقف هو القوة". وشهد الحفل مناقشة ساخنة حول قضية تعارض مصالح الدولة مع حريات المواطنين في بعض الأحيان، وهو نفس السؤال الذي كنت أحاول الإجابة عليه منذ عدة شهور بالقاهرة، وسئلت ميركل حول موقفها من هذه القضية.
حيث أوضحت المستشارة الألمانية أن المواطنين ينتظرون من الدولة ضمان أمنهم، في ظل تنامي الخطر الإرهابي، لكنهم يطالبون الدولة في الوقت نفسه بضمان حرياتهم الشخصية.
وتابعت ميركل أنه على كل سياسي أن يطرح على نفسه دائما سؤالا واحدا :إلى أي مدى يمكن أن يصل في بحثه عن حلول وسط؟ لكنها رفضت الكشف عن المدى الخاص بها، مشددة على أنها لا تخطط لتقديم الاستقالة في الوقت الراهن. ومن خلال تلك الإجابة للمستشارة الألمانية إضافة لمشاريع بعض القوانين التي تم تقديمها في بعض الدول الأوروبية ومنها قانون الخدمة العامة للاجئين الذي تقدم به المستشار النمساوي- وزير الخارجية آنذاك - سيباستيان كورتس والذي يقضي بأن يقوم اللاجئ بعمل خدمة عامة دون مقابل، يؤكد كل ذلك ما ذهبنا إليه أنه لن تكون مطلقا ما يسمى بمبادئ حقوق الإنسان هي الأولى على سلم أولويات الجماعة الأوروبية ولا غيرها من جماعات تسعى جميعها إلى الحفاظ على أمنها أولا، وعلى كيانها ثانيا، وعلى هويتها ثالثا، وعلى ذلك الأسلوب الذي اختارته لحياتها رابعا، وعلى ديمجرافيتها خامسا! هذا الذي أراه طبيعيا، ولا يجب أن يلام فيه جماعة ولا شعب ولا دولة ولا نظام يحافظ على هذه الجماعة وذلك الشعب وتلك الدولة.