محيي الدين إبراهيم يكتب : مسرحية العيال فهمت ..عرض مسرحي أعاد لمسرح الدولة الكوميدي زمنه الجميل

محيي الدين إبراهيم يكتب : مسرحية العيال فهمت ..عرض مسرحي أعاد لمسرح الدولة الكوميدي زمنه الجميل
محيي الدين إبراهيم يكتب : مسرحية العيال فهمت ..عرض مسرحي أعاد لمسرح الدولة الكوميدي زمنه الجميل

في البداية يجب الإشادة بمخرج العرض الفنان الشادي سرور، هذا الفنان الذي اعتبره من أهم مخرجي المسرح المعاصرين في مصر.

لاشك أن العروض المسرحية الكوميدية هي الأهم والأكثر جاذبية عند غالب الجمهور في العالم، وقد كان للمسرح الكوميدي في مصر قوة وحضور حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، ثم بدأ يخفت بريقه سواء على مستوى المسرح الخاص أو على مستوى مسرح الدولة، ليحدث فراغ، وربما يرجع ذلك لرحيل معظم أساطين الكوميديا في مصر، وندرة وجود نجوم حاليين للمسرح يمكنها أن تملأ ذلك الفراغ، فنجم المسرح الكوميدي في مصر له حضور خاص يدركه المشاهد المصري الذكي ولا يستطيع أي فنان – كوميدي - أن يقفز على ذكاء المتفرج المصري إلا إذا كان بالفعل يملك الموهبة والحضور ومن ثم احترام عقلية المشاهد نفسه.

مسرحية العيال فهمت مأخوذة عن صوت الموسيقى، وربما ( إنغرس ) في مشاعرنا ماقدمه الفنان الكوميدي الراحل سمير غانم في مسرحية موسيقا في الحي الشرقي في عام 1971م والتي مازلنا نتذكرها ونردد ( افيهاتها ) حتى يومنا هذا، وربما يتصور بعضنا أن من المستحيل أن يتجرأ مخرج أو نجم على تقديم هذا العرض من جديد ولو بتصور مختلف لأن ذلك سيكون بمثابة عملية انتحارية، بمعنى أن بعض المشاهدين للعرض الجديد – من المؤكد – سيقارنون العرض الجديد بأبطاله وبين العرض القديم بنجومه، وهنا تظهر حرفة الفنان شادي سرور، الذي يبدو أنه راهن ومن المؤكد أنه كسب الرهان بقوة.

من ناحية التأليف:

العرض اجتماعي راقي استطاع المؤلف ( طارق على وأحمد الملواني ) أن يصيغا العمل بلغة اجتماعية صرفة وبحوار سلس بسيط قصير في جمله ويعالج أهم قضايا مجتمعنا وهي تربية الأبناء، والتأليف لم يقلد أحدا، لا النسخة الأصلية لفيلم صوت الموسيقى، ولا اقترب ولو من الظل بأي عرض مسرحي قدم هذه الرواية في الماضي، ومن ثم كان العرض عرضا جديداً في محتواه وتفصيله ليناسب سيناريو العصر، يناسب زمنه وجيله، جيل الألفية الثانية، وربما مروره السريع على بعض سلبيات مجتمعنا الحاضر دون الإنخراط في تفاصيلها، كان له أبلغ الأثر في أن لا تضيع القضية الرئيسة للعمل وهي تربية الأبناء، كما كان لكلمات الاستعراضات توافق كامل مع النص المسرحي وتناغم جيد بسبب أن مؤلف النص هو مؤلف الأغاني.

من زاوية الموسيقى:

أحمد الناصر لم يقم فقط بتلحين الأغاني والاستعراضات وإنما قام أيضا بعمل موسيقى تصويرية للعمل، ردود أفعال موسيقية على انفعالات الممثلين من فرح وحزن، دهشة وحلم، صدمة ... الخ، وهي مسألة صعبة من زاويتين، الزاوية الأولى اندماج الملحن الكامل لتصور المخرج في الرواية بكل تفصيلاتها وتأليف جمل موسيقية لكل الأماكن التي يراد التركيز عليها داخل العرض لإبهار المشاهد وإدماجه في العمل ليصبح مصهورا بمشاعره فيه وليس فقط مجرد مشاهد يري مسرحا ترفيهيا لمدة ساعتين ثم ينساه، وقد أجاد احمد الناصر في ذلك إجادة تليق به، أما الزاوية الثانية وهى مهنية بمعنى أن الموسيقى في العرض مسجلة ( بلاي باك ) والمسافة الموسيقية للعرض محسوبة بدقة وعليه ليس هناك أي مجال لارتجال الممثل، أو خروجه عن النص، لان أي ارتجال أو خروج من شأنه أن يقتل الجمل الموسيقية المؤلفة لجمل بعينها داخل النص على لسان أبطال العرض وهي مسألة أجاد فيها الكل وكان التزامهم بقواعد العمل شديدة الصرامة وشديدة الالتزام.

من جهة الديكور:

لكون النص اجتماعي، وله قضية يريد فحصها بعين العقل عند المشاهد، ولعدم حدوث حالة من التشتيت، راعي الدكتور حمدي عطية، أن يكتفي بديكور المنزل حتى قبل المشهد الأخير، واستطاع أن يملأ فراغ المسرح بأدوات لها دور رئيس في الرواية، فالسفرة على سبيل المثال استخدمها شادي سرور ليؤكد على رمزية التفكك والحزن ثم التوحد والأمل من خلال كرسي الأم المتوفاه، وكذلك بساطة السلم الداخلي للدور العلوي الذي راعي فيه أن يكون عدد درجاته مساويا لعدد درجات السلم الموسيقي وهو ماتم استخدامه برمزية داخل العرض وكان لها دورها الوظيفي الهام، ثم بساطة حله وتركيبه في ثوان لا تؤثر على مشاعر المشاهد، وهو أمر لا يراعيه سوى مهندس ديكور مسرحي يتمتع بخبرة واسعة وخيال أوسع.

الاستعراضات:

بذلت دارين وائل مجهودا غاية في الإتقان في تصميم استعراضات وصفية تتمتع ببساطة حل لغز الوصف عند المشاهد ودقة تنفيذ الحركة الاستعراضية من شباب صغير – الأبناء السبعة – وإلمامهم بضرورة إبراز الغرض من الرقصة والحركة لتكون مكملة للنص المكتوب، ولا شك أنها – أي الاستعراضات – من عوامل الإبهار المهمة داخل العرض.

الأزياء:

شيماء محمود كانت على وعي كامل بفلسفة العرض، وجوهر مضمونه، ومن ثم كانت خطوط الأزياء عندها غاية في السلاسة واعتمدت في بعضها على الشكل النمطي لمدير المنزل وكذلك أزياء الأبناء باعتبارهم كتيبة عسكرية، ثم تمردهم فكانت له أزياء تعبر عن تمردهم ، ثم مرحلة تحقيق الحلم والحرية في المشهد الأخير الذي كانت تتميز أزياؤه بالألوان المبهجة التي راعت أن تكون بألوان الحياة فغلب عليها اللون الوردي المشرق بتفصيلاته التي لم تقلد فيها أحد.

البطولة:

للفنانين "رامي الطمباري، عبد المنعم رياض، رنا سماحة، إيهاب شهاب، رانيا النجار، أميرة فايز"، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الواعدين، الذين أتصور أن ثلاثة منهم على الأقل سيكونون نجوما في المستقبل القريب.

كان للثلاثي الفنان عبد المنعم رياض في دور زكريا وهو دور شديد التعقيد قام بأداؤه بمنتهى الحرفية والبساطة والإبهار واستطاع أن ينتزع من قلوب المشاهدين الضحك بلا انقطاع انتزاعاً، أما الفنان رامي الطمباري الذي قام بدور عاصم بك، كان عامود استقرار العرض، كان على وعي كامل بأن أي خروج نفسي أو لفظي عن كل مرحلة من مراحل العرض ستؤثر سلباً علي العرض كله، وعليه كان أداؤه ممتعاً ورصينا ومملوء بأبوه شديدة دفعتنا لأن نتبنى رأيه مرة كآباء ونختلف معه مرة أخرى كأصدقاء ولأنه لم يتجاوز في أدائه بالشكل الكلاسيكي للأب فقد نال احترام المشاهد وتقديره.

أما رنا سماحة، فكانت ملتزمة التزاماً فنيا بدورها وبجوهر الشخصية التي تقدمها، شخصية المربية لأبناء بعضهم عمره يقارب سنها في الرواية، وشخصية الفتاة التي تؤمن بقيمة الموسيقى، ومن ثم لم نجد فتاة خليعة أو مستفزة في أزيائها وإنما فتاة محافظة، من بيت مصري مثلها مثل معظم بنات جيلها، وعليه فقد أدت الدور بمسئولية وبحضور مسرحي يحسب لها على خشبة المسرح، الخشبة التي لا ترضى بربع موهوب أو نصف موهوب وإنما بالموهوب الكامل.

الإخراج مرة أخيرة:

سأكتفى بأن أقول بأن الفنان شادي سرور هو من أهم المخرجين المسرحيين المصريين المعاصرين، وأن المتأمل لأعماله على رغم قلتها يجده واحداً من قلائل شغلهم الشاغل قضايا مجتمعه، ومحاولة الغوص في الحلول، لا طرح المشكلة والسخرية منها، شادي سرور الفنان .. يستحق بهذا العرض الكوميدي ألاجتماعي .. كل تقدير.