(الديموغرافيا ) وصراع الرئاسة الأمريكية 2024 ( بين أمريكا المتغيرة وامريكا المقاومة ) بقلم : دكتورة مريم المهدي
الديموغرافيا هو دراسة ومعرفة علم السكان أو الدراسات السكانية وهو فرع من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية، يقوم على دراسة علمية لخصائص السكان المتمثلة في الحجم والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو (الإنجاب والوفيات والهجرة) - ونسب الأمراض، والحالات الاقتصادية والاجتماعية، ونسب الأعمار والجنس، ومستوى الدخل، وغير ذلك في احد المناطق . وتلك المعرفة ضرورية لتحديد الاحتياجات البشرية الحالية والمستقبلية.
وفي هذا الصدد يشار إلى المؤسسة الامريكية ب " الواسب" WASB وتعني White Anglo-Saxon Protestant أي النخبة من البروتستانت البيض الأنغلو ساكسون وهم تاريخيا الطبقة المميزة في المجتمع الأمريكي , التي سيطرت على السياسة والمال والثقافة والقضاء مقصين البيض الاخرين من المان و ايرلنديين ويهود وغيرهم وبقي نفوذ هذه المؤسسة حتى الحرب العالمية الثانية , عندما شهدت نهايتها تحولا نحو إعطاء اوحصول من هم خارجها على مراكز وحقوق افضل , وشكلت الستينات وانتخاب "جون كندي " الايرلندي الكاثوليكي رئيسا للولايات المتحدة نقطة تحول هائلة في وضع " الواسب" الذي مهد بعد عقود قليلة لانتخاب رئيس من أصل أفريقي وهو" اوباما "
* من اوباما الي كاملا :
التركيز على تفوق العرق الأبيض لعبة خاسرة في واقع ديموغرافي متغير والعودة لصورة أميركا القديمة مهمة مستحيلة من اوباما ابن كيني الي كاملا ابنة هندية تكفي اسمائهم وحدها كرمز للتغيير الديموغرافي في أمريكا !!
قوة الديموغرافيا وضعفها هي المصير، بحسب علماء الاجتماع، وحتى رجال السياسة صاروا يعطون للعامل الديموغرافي وزناً كبيراً في معاركهم، وما كان وزير الخارجية الأميركي الراحل جورج شولتز يبالغ في التشديد على درسين للدبلوماسيين: أولهما "معرفة امريكا " قبل معرفة البلد الذي يمثلون أميركا فيه، وثانيهما "التركيز على الديموغرافيا لفهم العالم والقوى التي تشكل المستقبل".
* خيار رئاسة أمريكا 2024 ليس بين مرشحين ديمقراطي وجمهوري :
وعلى رغم تعدد المواضيع الشخصية والسياسية التي تدور حولها معركة الرئاسة الأميركية , فإن الديموغرافيا تبدو هي العامل المقرر في التصويت، وخيار أميركا 2024 ليس بين مرشحين ديمقراطي وجمهوري متنافسين من نخبة "الواسب"، بل بين أميركا متغيرة وأخرى مقاومة للتغيير، فالأولى دفعت "باراك أوباما " إلى البيت الأبيض وتدفع اليوم كامالا هاريس نحوه، والثانية يمثلها " دونالد ترامب " الذي يريد استعادة أمة الأكثرية البيضاء من أمة صارت تعددية.
* اوباما وواقع امريكا الجديدة :
وما يؤكد ان الديموغرافيا هي الان المقرر في التصويت الانتخابي هو ما نراه من فوز أوباما ابن والد كيني والان إلى كامالا ابنة مهاجرة هندية والدفع بها بكل قوة ضد ترامب ، وحتى في بريطانيا فإن مهاجراً هندياً تولى رئاسة حكومتها ومهاجراً باكستانياً يتولى رئاسة بلدية لندن، والإحصاءات معبرة جداً كما سجلتها آن ماري سلوتر، عن "أميركا الجديدة" وهي المسؤولة السابقة عن التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية: حيث سجلت " ان أقل من نصف الأميركيين تحت سن الـ 18 هم من البيض، وعام 2027 سيكون ذلك صحيحاً على من هم تحت الـ 30، وفي الأربعينيات ستكون أميركا بلداً بلا أكثرية إثنية أو عرقية".
وفي كتاب "من نحن؟" اعتبر صامويل هنتنغتون أن "التحدي الوحيد الداهم والأخطر لهوية أميركا التقليدية يأتي من الهجرة المستمرة من أميركا اللاتينية وخصوصاً من المكسيك، ومع تكاثر أعدادهم يشعر المكسيكيون الأميركيون أنهم مرتاحون إلى ثقافتهم الخاصة يزدرون الثقافة الأميركية"، لا بل جزم بالقول إنه "لن يكون هناك حلم أميركانو بل حلم أميركي وحيد خلقه المجتمع الأنجلو-بروتستانتي"، وهذا الهاجس هو الذي يركب "ترامب" موجته ويبني على أساسه سياسته، فليس شعار "لنجعل أميركا عظيمة ثانية" سوى إصرار على تجاهل الواقع " الديموغرافي " والعودة لأميركا كما كانت من قبل، أمة تحكمها نخبة "الواسب" WASB ، أي البيض الأنجلو-ساكسون البروتستانت،
لكن المجتمع الامريكي والعالم تغيروا ، أن الهجرة قوة لا ضعف، وأميركا أصلاً أمة مهاجرين، ويروي " أوباما " في مذكراته "أرض موعودة" أنه في "زمن الانقسام يصبح سرد القصص والأدب أكثر أهمية من ذي قبل، ونحن في حاجة إلى أن يوضح أحدنا للآخر من نحن وإلى أين نذهب؟ ونحن جئنا من كل مكان حاملين كل عناصر التعدد، وهذا كان دائماً وعد أميركا، وأيضاً ما يجعل أميركا أحياناً مشاكسة مثيرة للنزاع"
و يقول ايضا " اوباما
" بصراحة إن "رغبتي في الترشح للرئاسة جاءت من الحاجة إلى أن أبرهن لوالدي الذي هجرني أنني مستحق وأعيش من أجل توقعات أمي"، لكن تحقيق الحلم لم يكن ممكناً لولا التغيير الديموغرافي الذي حدث في أميركا، والا ما كانت حملة " كامالا هاريس " تقلع بقوة وزخم لولا ما أحدثته الديموغرافيا من تبدل في النسيج الاجتماعي الأمريكي.
دونالد ترامب ومعركته من اجل احياء ماضي امريكا :
ومن هنا خوف " ترامب " من كامالا، وترامب الخائف مخيف، فهو لا يتورع عن قول أي شيء وفعل أي شيء يتصور أنه يخدمه، فقد هاجم كامالا كشخص وسخر من كونها هندية الأصل وتساءل إن كانت هندية أو سوداء؟ لا بل قال قوة وثقة وسخرية : من هي كامالا؟ وكلما هاجمها شخصياً اتسع مد السائرين وراءها، تماماً كما أن كل محاكمة لترمب كانت تزيد من أنصاره،ولذلك حاول الفريق المقرب منه ترامب دعوته إلى الإقلاع عن التهجم الشخصي على منافسته والتركيز على البرامج السياسية والاقتصادية، وليس ذلك سهلاً فالطبع غلب التطبع.
لكن الواقع عنيد ، فالتركيز على "تفوق العرق الأبيض" لعبة خاسرة في واقع ديموغرافي متغير، والعودة لصورة أميركا القديمة مهمة مستحيلة، ولو ربح ترمب الانتخابات الرئاسية فلأن الربح استثنائي وموقت، وحين تكون أميركا قوة عظمى، لا بل القوة العظمى الوحيدة في العالم حتى اليوم، فإن المعنى الوحيد لشعار حركة "ماغا": نجعل أميركا عظيمة ثانية، هو الرهان على وهم العودة الوراء، وهي عودة لواقع لم يعد قائماً وليست على طريقة المثل الفرنسي القائل "خطوة إلى الوراء من أجل قفزة أفضل" حتى في السياسة الخارجية، فإن "من الخطأ استعادة صورة أميركا ما بعد الحرب الباردة، فأميركا خسرت على الأرض، وسفينة الدولة تسير في الاتجاه الخاطئ والعالم تحرك"، كما كتب في "فورين أفيرز" نائب مستشار الأمن القومي خلال رئاسة أوباما، بن رودس.
* سلاح الديمقراطيين الخارق لهزيمة ترامب وتوجيه الضربه القاضيه لاماله في الفوز بمدة رئاسة ثانيه !!
تستفيد كامالا هاريس من الدور المهم الذي لعبته النساء في المؤتمر الوطني الديمقراطي، وخصوصاً ميشيل أوباما ونانسي بيلوسي وهيلاري كلينتون، وكذلك من إرث عائلة أوباما في مزج السياسة بالثقافة الشعبية، وهذا ما يساعدها في معركتها ضد ترامب.
وتميز المؤتمر بإنتاجه الضخم والمكلف إلى حد كبير، مع وجود طاقم نسائي من المشاهير بما في ذلك مايا هاريس التي تعد أقرب مستشارة غير رسمية لشقيقتها المرشحة، وأوبرا وينفري، وفرقة موسيقى الريف الأميركية "ذا تشيكس" The Chicks التي أدت النشيد الوطني الأميركي كتقديم لهاريس، بدلاً من الأغاني التقليدية.ضم هذا التجمع لعشائر الديمقراطيين من اسماء نسائيه بارزة ولامعة وينطبق ذلك علي الحديالمتمثل في توجيه ضربه قاضية لامال ترامب في الفوز بمدة رئاسة ثانية .
كيف ستحكم كمالا هاريس امريكا ؟!
الجدير بالذكر انه كان من الخطا أن يتهم "ترامب " كاملا هاريس بأنها "شيوعية" فهي امراة لا تمتلك اصلا اي ايدلوجية سياسية من التي يلتزم ويتقيد بها رجال السياسه والمفكرون بحيث تؤثر علي فكرها وتوجهها السياسي المحلي والعالمي, وتحدد سلوكها السياسي الخاص لكي تتتمكن من امتلاك ادواتها وتحديد اطار علاقتها السياسيه بالفئات الاجتماعية المختلفة فهي لا تزال بلا اي مفاهيم سياسية واضحة !!!
وكما قالت "إيكونيميست" البريطانية في مقالة احتل عنوانها الغلاف: "كيف ستحكم كامالا هاريس امريكا ؟".