لم تدرك يوما آنا ماريا أنها ستكون المرأة الأولى في هذا الكوكب المسمى الأرض ستلقى هذا المصير المخيف، منذ ولادتها في تسعينات القرن العشرين لأبوين يهتمان بالذكاء الاصطناعي وتصميم الروبوتات وهي الفتاة الطيبة التي تعشق الطبيعة والغناء مع العصافير ، لم تحبّ المدرسة فكانت ترى المعلمة إيزابيلا وحشا بقرنين وأنياب حادة .
حاول والداها أن يعلماها إتقان هذه الصناعة والسفر لخارج البلاد للتعلم ولكن كل المحاولات باءت بالفشل .فتمّ إرسالها إلى مزرعة ريفية مزودة بحراسة عالية الدقة وتركت مع خادمتها ومجموعة من الحيوانات الأليفة التي كانت تعشق الحياة معهم . آنا ماريا كانت تشعر بشوق كبير لوالدها الذي تتحدث معه من خلال الشاشة الثلاثية الأبعاد كانت تحاول لمس وجهه وتقبيله ،فيوم العطلة هو اليوم الأسبوعي المنتظر ، وكان يؤكد عليها في كل مرة إن احتاجت شيئا أن تدخل الغرفة السرية وهي الوحيدة التي تعرف رمزها . ومرّت الأيام وأصبحت شقيقتها الصغيرة مايا يافعة بارعة في صناعة الروبوت واستطاعت ابتكار الكثير من البرامج معتمدة على ما تعلمته من والديها اللذين وجدا في مايا الأمل لتحقيق طموحاتهم .
آنا ماريا الطيبة القروية أهملت ولم يعد والدها يتواصل معها في العطل بسبب متابعة أبحاثه ومساعدة أختها ، حاولت ذات مرة الانتحار من الجرف الصخري ولكنّ عرافة المنطقة كانت قريبة من المكان فمنعتها واصطحبتها إلى منزلها الخشبي .
كانت العرافة تتجنب النظر في عيني الشابة الشقراء الجميلة ، ولكنها صارحتها بما تراه في عينيها ...
كانت كلمات العرافة ضرب من الجنون والهلوسات، فلن يكون لآنا قبرا على هذا الكوكب ستواجه مصيرا مرعبا ولكنها ستقابل شابا وسيما تنجب منه طفلها الوحيد وسيكون صبيا جميلا وذكيا ومنقذا للبشر في المحاكمة العْظمى .
ولأنها شابة رومنسية كانت سعيدة أنها ستجد ذاك الشاب الذي يؤنس وحشتها وتتغلب معه على العالم الأسود حيث تخلى عنها الجميع .
لقد تحققت كلمات العرافة ففي أحد رحلاتها على ظهر حصانها الأبيض قابلت شابا وسيما أضاع طريقه بين غابات هذه البلاد . اصطحبته للعيش معها في المزرعة ومرّ عامان كانت تحيا بسعادة في قصرها . كم تشتاق لحديث والدها تتفقد الشاشة الثلاثية الأبعاد ولكنها اليوم تبدو بلا فائدة .الزمن كفيل بمسح الذكريات ، لماذا نمتلك خيالا على هذه الأرض ؟ أليس ليذكرنا بأننا سنرحل ونختفي مهما كبرنا وصغرنا وتبدلت مواقعنا . سمعت صراخ طفلها في ذاك اليوم الشتوي البارد فانطلقت كسهم إلى غرفته لتجد آثارا لأقدام لا تشبه أقدام البشر تتبعت آثار الأقدام التي تلوثت بالطين الأسود ولكن الآثار اختفت فجأة .
في محاولت البحث دون فائدة كان عليها العودة إلى البيت بسبب العاصفة مرّت أيام وأسابيع وأشهر وزوجها لم يعد . ذهبت إلى منزل العرافة لقد تحول إلى خرابة تقطنه الحيوانات والطيور أدركت أنها خسرت زوجها وأنها لم تصدق بوعدها وتزور العرافة لتدعوها إلى حفل الزفاف لقد اختفت العرافة أيضا .
آنا ماريا وحيدة مع طفلها في تلك البقعة المهجورة من الأرض . وذات يوم كان طفلها يعبث بتلك الشاشة وقد خرجت هي لإحضار طعامهم واشتدت العواصف فمنعت لساعات طويلة من الوصول .وعند عودتها سمعت أصواتا غير مألوفة وضحكة طفلها وكانت فرحتها كبيرة أن الشاشة تعمل ولكنّ الأشخاص في الطرف الآخر كانوا مجهولين وكأنهم جيش من الحديد .
كانت سعيدة أن طفلها وجد تسلية وبدأ يجلس لساعة طويلة أمام مقبض الشاشة وأزرارها . الشابة الشقراء الجميلة الممشوقة القامة ترى شبيهتها اليوم كيف وصلت هذه الشابة التي تشبهها في كل شيء إلى هذه البقعة المنفية من الأرض كانت تنظر للشابة ثم تنظر إلى نفسها وإلى تلك الزائرة التي اقتحمت منزلهم .
يبدو أن رحلة العودة بدأت لقد توفي والدها ووالدتها بحادث أليم لتكتشف شقيقتها أن آنا ماريا تمتلك أسهما كثيرة في البورصة العالمية .لقد جن جنونها من هذه آنا الطفلة الغبية إنها لا تعرف الخوارزميات ولا لغات البرمجة العالمية بل هي غبية لا تمتلك ذكاء في علوم العصر ولم تدرس في جامعة عريقة .
في الصباح وجدت آنا جيشا من الرجال المقنعين بأشكال مختلفة وقد تمّ اصطحابها إلى المحكمة لتكون الإنسان الأول الذي يحاكم من قبل الروبوتات .
قضت ليلتها بعيدة عن طفلها وعن حصانها وحيواناتها ومر اليوم الثاني وهي في قفصها الحديدي يحيط بها أجهزة حديدية تتحكم في كل شيء اعتقدت أن البشر قد تم اختطافهم وأنها الإنسان الوحيد مع طفلها حيث نجو من كارثة شاملة قتلت البشر معظمهم . ما الفائدة من كل الروايات العالمية التي قرأتها وما الفائدة من كلّ مهارات الصيد والتسلق والتزلج على الجليد .
وصلت الشابة شبيهتها وهي تمسك طفل آنا بيدها يبدو أنها تراهم ولكن هم لا يرونها حاولت الصراخ ولم يسمح لها أن تلمس وجه طفلها بل يده ولكن دون جدوى .
اليوم هو اليوم المشؤوم في حياة آنا حيث توقعات العرافة اصطحبها مجموعة من الرجال الحديدين إلى قاعة كبيرة جدا وتم بث أول محاكمة في تاريخ الروبوت يحاكم الإنسان وفق قوانين الآلة التي سيطرت على كوكب الأرض.
وقفت آنا ماريا وقد بدا عليها علامات التعب والسهر وانتفخت عيناها من كثرة البكاء.
ليسأل كبير القضاة من هي آنا ماريا مالكة شركة الرجل الحديدي ابنة هذان البشريان ظهرت صورة والدها ووالدتها على الشاشة العملاقة.
كانت ترغب أن تقفز من بين القضبان لتلمس وجه والدها ويديه لم تستطع فعل شيء وقد تقدمت تلك المرأة بعيونها الجامدة وقالت أنا ياسيدي آنا وهذا ما يثبت هويتي إنها بصمة يدي وبطاقة ولادتي وملفات التعريف وصوري مع والدي وصك امتلاكي للشركة وهذا طفلي.
حاولت آنا إثبات أنها أم الطفل ولكنها لا تمتلك أي بطاقة إلكترونية أو شريحة تثبت ذلك . كان القاضي الروبوت عادلا فهو يحكم وفق الأدلة والثبوتيات من خلال الشرائح الالكترونية المزروعة في كل كائن بشري .
أخبرت الشابة الروبوت أن هذا الكائن البشري الذي يحاول سرقة طفلها وأخذ ميراثها من والدها لا يمتلك شريحة تعريف إلكترونية مزروعة في جسدها .
طلب القاضي التأكد من ذلك فأدخلت في آلة كانت النتيجة أن هذا الكائن لا ينتمي إلى كوكب الأرض ويجب التخلص منه وإلقاؤه في الفضاء الخارجي ليتم صهره وتفتيت ذراته .