كثيراً ما أتوقف أمام مصطلح «الصورة الذهنية»، الذى يتكون من كلمتين هما الصورة والذهنية، فالصورة تعنى ظاهر الشىء وحقيقته وشكله الذى يتميز به، أما كلمة الذهنية فهى تشير إلى الذهن أى العقل والفهم، أى فهم الشىء وتصوره. ويعادل مصطلح الصورة الذهنية فى اللغة الإنجليزية كلمة Image، وإجمالاً الصورة الذهنية هى مجموعة الانطباعات التى تتكون فى الأذهان عن قيم معينة سياسية أو شخصية، يساعد على تكوينها ما تبثه وسائل الاتصال الجماهيرية.. فهل لا تزال هذه الصورة بنفس تلقائيتها وبساطتها أم أن «السوشيال ميديا» أصبحت تتحكم فى صناعتها تعطينا أحياناً صورة مغايرة تماماً عن الشخص أو الفكرة أو الأيديولوجية!!
لقد ازداد الاعتماد على «الصورة الذهنية» فى الإحصاءات مع بداية عملية «صناعة النجم»، التى تزامنت بالقطع مع صناعة الفضائح، ومصطلح الصورة الذهنية ظهر أساساً فى أمريكا، حيث الرأى العام مولع بشخصية المرشح الرئاسى وبرنامجه وطرف أساسى فى اختياره، وكل مرشح يُعرض عليه فى «مناظرات حرة» لا تخلو بالطبع من الرسائل السياسية الموجهة.
وعبر السوشيال ميديا انتقلت الفكرة إلى مرحلة «التصنيع» للصورة المطلوبة لرجال السياسة والمال وحتى الفنانين ونجوم الرياضة والمجتمع.. فلم يعد مطلوباً منهم العفوية والبساطة فى الظهور العام بل أصبح خلف كل واحد منهم «مؤسسة» بالمعنى الحرفى للكلمة، تتولى الدعاية الإيجابية عنه وترد على الشائعات التى تطارده وتصنع له ماضياً مشرفاً وحاضراً مليئاً بالإنجازات، بل وتتحكم حتى فى ستايل ملابسه.. وبعض البلوجرز والمؤثرين على السوشيال ميديا تحول هو نفسه إلى مؤسسة تتولى الترويج والمونتاج وقليل من الكذب والافتعال «غير المؤذى».
حتى اختفت حقيقة البعض خلف «قناع براق» لا يعكس بالضرورة مواقف الإنسان وأفكاره، مثلاً المذيعة أو الكاتبة التى تهاجم الرجال لن تتخلى عن الهجوم لأنه أصبح صورتها المفضلة عند النساء وتحول إلى «دور اجتماعى» تؤديه بنجاح، وكذلك التى تقف على الشاطئ الآخر وتلعب دور الدفاع عن الرجال.. أصبحنا إذن نتحدث عن «بضاعة قيمية» خلفها شخصية تروجها دون أن تكون رؤاها وأفكارها الحقيقية وأحياناً تكون على المستوى الشخصى متناقضة معها (المثال للتوضيح وليس مقصوداً به أحد).. بالقطع هناك استثناءات وشخصيات متسقة مع نفسها وقناعتها وتجربتها، ولكن يبقى «جزء مصطنع» فى الأداء العام.
هناك حالة من «الكذب المباح» فى استخدام بعض المصطلحات، والتى تثير الجدل فى الفضاء الافتراضى وتجعل «البشر» هم أبطال اللعبة، هم من يجعلون «ملابس التايجر للنساء» تشى بشائعة زواج، ويتداولون عبارات مثل (الليبرالية والعلمانية والدعشنة والتحرر والثوابت.. إلخ) بغير معناها.. ولعل المثال الأبرز على شيطنة بعض المصطلحات: (الليبرالية يعنى أمك تخلع الحجاب)!
مصطلحات أخرى لم يعد لها نفس الدلالة: هل «الطبقة المتوسطة» لا تزال هى الطبقة المستورة حاملة القيم المسئولة عن الحراك والصعود الاجتماعى؟؟.. للأسف لم يعد أحد من علماء الاجتماع معنياً بإعادة تعريف المفاهيم والدلالات التى يمكن أن نستنبطها من خلالها.
للصورة الذهنية «الصادقة» دور كبير فى تكوين الرأى العام، لأنها الخطوة الأولى فى تكوين الرأى ولأنها تؤثر على آراء الناس ومواقفهم... ولكن السؤال: فى عالم اليوتيوب وصراع الأشخاص والأفكار على سرقة عقل الإنسان عبر السوشيال ميديا هل يمكن أن يكون لدينا انقسامات حادة فى توجهات الرأى العام؟
الحقيقة أن تجربة انتخابات الرئاسة بعد ثورة 25 يناير تؤكد أن اللجان الإلكترونية يمكنها «تزييف الوعى» واختراع حقائق موازية للواقع يصدقها البسطاء.. فقط راجع كل ما تبثه قنوات الإخوان وعناصرهم ونشاطهم المسموم على وسائل التواصل الاجتماعى سوف تجد فى النهاية «وطناً آخر وواقعاً لا نعرفه»، وللأسف يصدق البعض هذه الصورة المضللة.