يقول "باتريك سيل" في كتابه الشهير (الصراع على سورية) :
" إن لسورية دوراً خاصاً و فرادة تستحقها بالفعل بسبب موقعها المفصلي في منطقة حساسة من العالم ، أي منطقة المصالح الحيوية والاستراتيجية الغنية بالثروات الطبيعية وأهمها النفط . وإن الانقلابات العسكرية التي تناوبت على السلطة منذ يوم الاستقلال عام 1946 كانت محصلة لصراعات القوى العربية والعالمية للسيطرة على سورية والتحكم بموقعها وسياساتها ، حيث كان الصراع بين العراق وبين مصر وكذلك الأردن والسعودية ، أو بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفيتي ، لأن السيطرة على سورية تعني السيطرة على الشرق الأوسط كله " .
وقد سبقته في رأيه هذا الجاسوسة البريطانية الشهيرة " غيرترود بيلي "1926 - 1868 ، التي كانت بمثابة الوحي الروحي لاتفاقية (سايكس - بيكو) المعروفة ، حيث كانت أبرز توصيات تلك الجاسوسة وعالمة الآثار والباحثة في التاريخ مايلي :
" إذا لم يتم تقسيم سورية الطبيعية وتجزئتها إلى دول متصارعة فإن الاتفاقية ستكون مجرد حبر على ورق وحلماً غير قابل للتحقيق ، ولن نستطيع تنفيذ وعد (بلفور) باقامة وطن قومي يهودي حتى لو كان وعده إلهياً من الرب نفسه . والأهم هو إعطاء كل الإثنيات دولتهم باستثناء الأكراد والدروز ليبقى الصراع متأججاً ويبقى الجميع بحاجة لتدخلاتنا " .
لذلك ، لم يعد مفهوم الأمن القومي مقتصراً على تعريفه الأممي المنحصر بالاحتياطات العملية في حماية المجال الإقليمي لدولة ذات سيادة ، ودراسة العلاقات الخارجية مع الدول البعيدة والقريبة ، أو بعلاقتها الداخلية مع مواطنيها من وجهة نظر وطنية محدودة ، بل يتعدى مفهوم الأمن القومي إلى البحث في السياسة العالمية من وجهة نظر تعتنق فلسفة القوة ، بل والقوة القاهرة في بعض الظروف ، لأن الضرورات الأمنية لاتعرف أي قوانين تاريخية في خدمة هذه الأغراض ، وبات مفهوم الأمن القومي يشمل أمن الثروات الاقتصادية والعلاقات الداخلية الاجتماعية في الثقافة الوطنية والقومية وتحصينها باحتياطات تُكرِّس السيادة الوطنية على الأرض وحفظ حدودها الإقليمية ومصالحها الداخلية والخارجية المتعلقة ببنائها القومي والثقافي الحضاري . ومن هذه النقطة يمكن أن تتفرع سياسة الأمن القومي للدولة في بنيتها الوطنية الداخلية أولاً بحيث لم تعد القوة العسكرية وحدها تشمل تكريس السيادة الوطنية وحسب ، بل تتعدى ذلك إلى السياسة الخارجية في التقديرات الاستراتيجية للواقع الإقليمي المحيط ومدى التقارب أو التناقض الإيديولوجي بين الدولة وبين جاراتها الإقليمية أولاً ، ومن بعد ذلك دراسة إمكانيات الدول ذات المصالح المتعارضة مع مصالحها الوطنية كأساس للقومية والثقافة الحضارية ، وتوفير الحماية الأمنية ، بدءاً من الداخل ، إزاء الأخطار المحتمل ظهورها من الأعداء المباشرين ، أو توطيد التعاون مع الحلفاء والأصدقاء للحصول على المساندة الفعلية في حال نشوب أي صراع مسلح .
- للبحث بقية -