صوب التاريخ..؟ بقلم: محمد لواتي

صوب التاريخ..؟ بقلم: محمد لواتي
صوب التاريخ..؟ بقلم: محمد لواتي
إن السياسة لا تصنع الحدث خارج ظلال اللغة ، ذلك أن حاصل اللغة أوفر من أي حاصل آخر لأنها الأداة الحاملة للفكر-أي فكر- لذلك فإن الارتقاء بالمقومات الحضارية بالتبعيض وليس بالكل أو بالأخذ بها لغويا من خارج الذات يخلق نوعا من التضارب يهدر عملية الفهم للواقع ، إن عملية الربط بين الواقع وما هو من خارجه تستدعي لغة من نتاج الواقع... لذلك فإن ملاحظات سابقة لوزراء احسن الظن بهم المجتمع ملاحظات جوهرية ،لكنها جاءت متأخرة ذلك أن الإحباط من السياسة المنتهجة أدى دوره وبما فيه الكفاية ، لكن الإدراك يبقى متوفرا لمن أراد أن يصنع من الحدث مراجعات سياسية تأخذ من حيثيات الواقع مصادرها .. إن التحول صوب منطق التاريخ والالتزام بمبادئه بدءا من دوائر صنع القرار وانتهاء بدوائر الارتباط المباشر بالتجمعات السكانية قد يغير من سياسة المواجهة مع الثوابت وتقبلها كمادة محركة لقوى العقل والوجدان... إن هذا المنطق وبداية التركيز عليه يبدو واضحا من خلال الملاحظات المدونة أعلاه.
    أن دعاة الإقصاء في بعض الوزارات  ومصادر صنع القرار السياسي، مازالوا بعد يؤمنون بمبدأ التحول من خارج منطق التاريخ. انطلاقا من أن الحداثة في منطوقهم هي ظاهرة حضارية تخص عالم الأفكار ولا تهتم بالتاريخ والميزات الإنسانية في المجتمعات بكل ما هى عليه من إرث ثقافي أو سياسي، إنهم يؤمنون بالموقف الخارجي ولا يبدون أية رغبة تجاه ماضيهم. رغم أن الحداثة هي من صنع المتغيرات وليست من صنع الآلة المادية. وانطلاقا من مواقفهم المناهضة للقيم الحضارية للأمة اعتبروا فيما يشبه الرعونة الفكرية اللغة الفرنسية في الجزائر" غنيمة حرب!!"
 ومن ثم، فهل كانت ملاحظات الرئيس،بالرد على هؤلاء في احدى خطبه  سلبية - أم هي بداية الفهم لمنطق الداخل بدل منطق الخارج الذي ظل يتعامل به شخصيا مع الواقع .؟ بل في نظري هي بداية الطريق للآخد بالمفاهيم الحقيقية لما يكون عليه المجتمع.
الملاحظ أن المتغير في حاصل اللفظ (اللغة) للخطأ المتواصل ، وليس في المنهج السياسي ، ذلك أنه رغم تلك الملاحظات ضد الواقع اللغوي ظل حريصا على استعمال اللغة الفرنسية كأداة تبليغ مع أنها أداة قهر لأنها لا تغذي الوجدان الوطني ولا تصنع حسا يرتفع به السامع إلى مستوى الانخراط في الواقع.
 إن المشكلة ليست فيما تأخر من إنجاز - أو أنجز - خارج المقاييس التي تحدد معالمه - بل المشكلة في انعدام الاعتراف بالضرر الحاصل من كل ذلك ، حتى أن وزيرة الثقافة(خليدة تومي) تشاجرت وعلى مرأى من الجميع مع مدير للسكن وتحولت الحادثة إلى ما يشبه الانحدار السياسي ، فالثقافة السياسية ليست منعزلة عن السلوك السياسي ، وليست ظاهرة تصنعها المراسم أو الدور والمكاتب المحصنة بأسلاك الهاتف ، إن موقفا كهذا يبدوا أشد انكسارا من الموقف السياسي ذاته ، إن المهم هو كيف نواجه لا كيف نعتدي بالضرب على الآخرين ، إن منطق الحصاد هو منطق الغرس... وأن البداية قد نعرفها جميعا بينما النهاية قد لا يعالجها إلا من هو معني بها ، ولذلك قيل، أن المسؤولية تكليف وليست تشريف.         
   .. لعنة الترقيع..؟
هذه السياسة ونتيجة لهذا الفهوم الخاطئة ، ظلت تحصد الوقت دون طحين منذ الاستقلال إلى الآن ، ومع ذلك فإن التصور العام للانقسامات السياسية يبقي تصورا محصورا في نطاق البحث عن وسائل الترقيع بدل الحلول الجذرية ، لقد انتشرت بقساوة  ظاهرة عدم الانضباط في التسيير، وسوء الاهتمام بالمال العام بسبب هذه السياسة... بل أن الظروف السيئة هي التي أصبحت تحرك بعض القوى السياسية تجاه الأزمة ، وتجاه الإنكسارات التي تلاحق المجتمع ، لكن ابتعاد هذه القوى عن مواقع صنع القرار جعل صوتها في واد، وأن صداها مجرد رجع يتألم له البعض ويترجاه البعض الآخر ، وإذا كان الرئيس قد انتبه، وبعد ضياع سنوات من عمر الاستقلال في الجدل العقيم بالتوجه ، بالخطاب غير الملزم ، نحو الموقف من الأخطاء التي تلاحق الواقع.فان  ظاهرة الهروب نحو سياسة الإقصاء أضحت لعنة إن في السياسة أو في الإدارة. وأن التقلبات السياسية تبعا لتقلبات المفاهيم ، أوصلت التآكل الذي تسلطت به هده المفاهيم بدءا من الفهم الأحادي وانتهاء بالفهم " ما أريكم إلا ما أرى" إلى التسيب المطلق وأدى الوضع السياسي بدوره دورا سلبيا لعدم فهمه للظاهرة الحضارية للأمة وعدم الاعتراف بالانتماء بكل مكوناتها كأداة إقلاع من المجهول إلى المعلوم ، من هنا بدأ التحرك صوب المفهوم الأقل ارتطاما بمقومات الأمة. فعودة الآذان إلى التلفزة والإذاعة ، والانتقاد ، الشديد الذي ظهر مؤخرا من الرئيس حتى لأقرب المقربين إليه يمكن توصيفهما بعودة الوعي مع لحظات الإحساس بالهزات التي يعاني منها المجتمع.
نعم...
 لقد تحول أغلب المسيرين إلى قياصرة ينهبون من المال العام وكأن الدولة لا توجد أصلا حتى أولئك الذين انتخبهم الشعب للتعبير عن رأيه ومواقفه تحولوا إلى " طبالين" لسياسة الإهمال والإقصاء.
 إن المشكل عندنا كما أظن -وليس كل اظن اثم - ليست في الشارع بل في المسؤول ، فالتحول نحو السلبية يبدو في المسئول أكثر مما يبدو في الإنسان العادي ،وأن الانصراف عن الإبداع أصبح ظاهرة للمسئول وبالتالي أصبح منطق السهو في لحظات الوعي أكثر تقبلا بدل الإدراك.
 إذن ، هناك عودة نحو الواقع بكل تشعباته لكنها عودة تبقى حبيسة الكلام ما لم تتم عمليات تطهير واسعة قصد تنظيف البيت السياسي من الذين فسروا تواجدهم في السلطة على أنه إنقاذ لمساوئ لا توجد إلا في أذهانهم.   
إن التأكيد على الهوية دون الاقرار بالعمل وفق متطلباتها يعد جزءا من اللعب بالكلام، ان الذى يحكم وفى أيى منصب كان، وفق مشاعره ، لا يمكن أن يكون شخصا عاما يؤدى وظيفة عمومية ذلك ان الاحتكام لمشاعر الامة ووجدانها هو الذي يصنع الامل للجميع وينحت لها من جدار التاريخ موقعا تتحصن به وتحافظ من خلاله على طابعها الاجتماعى وذاكرتها الحضارية ، هذا المفهوم لا يمكن التعبير عنه بالمواعظ او بما يثير الاسى من القول بل بالتعامل معه كأداة نهوض باعتبار القضية والأساس للانطلاق نحو المستقبل .. ان السياسة لا تعني الاحباط ولكن تعني الموافف، وأهم الموافق تصنعها الظروف الصعبة ، ونحن نعيش هذه الظروف ، فهل يستقر الموقف على مدار الواقع وتأخذ الحكمة طابعها الأخلاقي قبل أي تفسير آخر من قضايا الوطن وهوية الأمة.