يتدهور مفهوم الوطن أو يغيب مادام الوجود والمرجعية تظلان للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو المنطقة، إنها حالة حصار للمواطن داخل البلدان العربية، تفرض علية هذه الوضعية أحد الأسباب الكبرى التي تحول دون تحوّل الدول الى أوطان بمعنى الكيان والمرجعية اللذين يتجاوزان الانتماءات الضيقة،ويظل الوطن الذي لم يتكوّن رهينة تصارع العصبيات على غرار تصارع القبائل في البادية على الكلأ والماء،
على أن الاستبداد حين يصل حد الطغيان ، وحين تحيط الآجهزة الأمنية والسيادية بالمواطن العربي من كل مكان وتُحصى عليه أنفاسه ، وحين يُعتبر السلطان أي سلطان بأنه مالك للأرض وما عليها ، وبالتالي مَن عليها ، وأن كل مصيبة وهم وبلاء يصيب المواطن ما هو إلا إحسان و مكرمة أو منّة منه ، وأن له حق التصرّف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير والبشر وحتي قرار الموت ، وهو بذلك يُهدر حق انتماء الإنسان ويُصادر حقه البديهي بالمواطنة، وقد اشار الي ذلك المفكر وعالم النفس اللبناني مصطفي حجازي / في دراسة تحليلية نفسية "
من كتاب بعنوان "الانسان المهدور" يقول :- يصبح الإنسان غريبًا في وطنه فاقدًا للسيطرة على مجاله الحيوي وبالتالي محرومًا من الانطلاق الواثق في هذا المجال الى مجالات أرحب ، ومحرومًا من الإنغراس الذي يوفر الثقة القاعدية بالكيان والاحساس بالمنعة . تتحوّل المواطنة من حق أساس إلى منّة أو هبة يمكن أن تُسحب في أي وقت . وبالتالي يُسحب من الانسان الحق في أن يكون ويصير من خلال ممارسة الإرادة والخيار وحق تقرير المصير وهذا ماحدث في عهد الرئيس المصري/حسني مبارك /في إجراء إستفتاء علي بعض مواد الدستور بشأن المواطنة ،
وكانت لعبة سياسية أمام الغرب فقط ،، كذلك إستبعاد طوائف وفيئات من المجتمع في منعهم من دخول كليات عسكرية وشرطية وفي القضاء بحجة أنهم فقراء أو أهاليهم من الطبقة الفقيرة اوالمتوسطة ، إنها كارثة وجودية أخرى تجعل من أي مشاريع تنمية أو إنماء وعمران وكفاءات حديث خرافة ، ذلك أن الإنسان المُستلب في وطنه ومجاله الحيوي لا يمكن أن يُعطي ، وبالتالي أن يبني ، ويقنع في أحسن الأحوال بالتفرُّج السلبي في حالة من الغربة ، كما ينحدر الوجود إلى مستوى الرضى بمكسب مادي يغطي الاحتياجات الاساسية . وقد يستجيب الإنسان لهدر مواطنيته وانتمائه في أن يتصعلك مُتنكرًا لشرعية السلطان لمذهبة الديني وعرقة، وصولاً إلى التنكر للوطن ذاته في نوع من الهدر المُضاد ،وهذا النموذج موجود في بلدان العرب من وجود عرقيات ومذاهب واقليات، إلا أن أشد درجات الهدر المضاد قد تتخذ طابع هدم الهيكل عليه وعلى أعدائه فيما بدأ يشيع من سلوكات تطرف جذري داخل المجتمعات العربية من حروب اهلية في{ العراق وسوريا واليمن ولبنان،والسودان }والباقي تحت براكين خامدة من الإنفجار ...،،،
* محمد سعد عبد اللطيف ،كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية ،،
saadadham976@gmail.com