أظهرت الشهور الماضية أنَّه لا يمكن التعويل على الأمم المتحدة لوقف الحرب. وأظهرت الأيام الأخيرة أنَّ تصاعدَ الإدانة الدولية للمذبحة الجارية في غزةَ وخطوة محكمة العدل الدولية والتجاذب الحاصل داخل أروقة القرار الغربية كلَّها عواملُ مهمة , لكنَّها لا تستطيع وقف الحرب. أمريكا وحدها القادرة على قيادة الجهد لوقف الحرب. وبالتأكيد بدون أمريكا لا تستطيع إسرائيلُ مواصلةَ حرب الابادة الجماعية ودمار غزة . و بدون امريكا لا يمكن «بلورةُ أفقٍ سياسي» يبرّر لـ«حماس» الرجوع من الحرب أو يضطرها إلى الرجوع منها.
كما لم تتبلور بعد خطةٌ متكاملةٌ للحل نتيجة جولات أنتوني بلينكن واتصالات وليام بيرنز. يتعامل بلينكن مع منطقة لا تشبه تماماً تلك التي كانَ الوسطاء الأميركيون السابقون يجولون فيها. في السابق كان يكفي إقناع قادة الدول بتسوية لتأخذ قرارها إلى التنفيذ. في المنطقة اليوم وقائع جديدة وفي بعض أجزائها تختلط الحكومات بالفصائل أو تقيم في كنفها. وهناك إيران ودورها في إطلاق زمن الفصائل في أربع اتجاهات .
* قيام الدولة الفلسطينية بالنسبة لاسرائيل اخطر بكثير من عملية طوفان الاقصي :_
واضح أن مهمة الوسيط الأميركي لا تقل عن توزيع المخدر بمقاديرعلى كافة الأطراف. أمضى نتنياهو حكمه الطويل في اغتيال فكرة الدولة الفلسطينية فكيف سيقبلها اليوم بعد زلزال طوفان الاقصي ؟!! ثم إنَّ نتنياهو يعتبر الدولة الفلسطينية أخطرَ بكثيرٍ من «طوفان الأقصى». والسنوار يعرف أنَّ قيامَ الدولة الفلسطينية مشروط باعترافها بإسرائيل .
ليس بسيطاً هذا الذي نراه في الشرق الأوسط. تحوَّلت عملية «طوفان الأقصى» شرارةً لزلزال. رافقتها منذ اليوم التالي حرب موازية محدودة أطلقها «حزب الله» عبرَ الحدود اللبنانية - الإسرائيلية مع قرار بعدم الانزلاق إلى حرب واسعة بلا ضوابط. واكبها أيضاً إطلاقُ الفصائل العراقية الموالية لإيران معركةً لطرد الأميركيين تكاد تتحوَّل حرباً أو ما يشبه الحرب. وفي موازاة ذلك تقدَّم الحوثي للعب ورقة تهديد حرية الملاحة في البحر الأحمر على رغم وضعه المعركة في إطار استهدافِ السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل. ليس بسيطاً أن نرى طائرات أميركية وبريطانية تغير على مواقع الحوثيين في اليمن. وأن نرى الطائراتِ تغير على أهداف إيرانية في سوريا والعراق. وكلّ ذلك يجري في وقت تقول فيه واشنطن إنَّها لا تريد حرباً واسعة في الإقليم !!!، وتعلن طهران موقفاً مشابهاً ولكن من منطلقات أخرى.!!! في هذا النوع من الأحداث وفي المناطق الهشة يحدث أن تفلتَ اللعبة من أيدي اللاعبين لتصبح أكبر وأخطر.
* القضاء علي حماس وتصفية القضيه الفلسطينية بتهجير اهل غزة قسريا الي ارض سيناء المصرية واشعال الاقليم :
بين المواكبين للمأساة الجارية في غزة من له رؤية تستحق التوقفَ عندها. هي إنَّ زعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار خطَّط بالتأكيد لعملية نوعية تحرّك المشهدَ الراكد للقضية الفلسطينية . وتضيف أنَّه على رغم حجم المهاجمين كانَ السنوار يأمل في خطفِ عدد من الجنود الإسرائيليين لإرغام إسرائيل على التفاوض لإطلاق سراحِهم وإرغامها على تخفيف الحصار الخانق الذي تفرضه على غزة واعتقالها الاف الفلسطينين وتعذيبهم بالسجون الاسرائيليه . وكان الواضح للعيان أنَّ المهاجمين من (حماس) فوجئوا بهشاشة الإجراءات الإسرائيلية في المناطق التي هاجموها وبحجم الاختراق الذي تحقّق على أيديهم فكانت النتيجة عدداً من الأسرى الإسرائيليين فاق كثيراً ما كان متوقعاً، والأمروعدد الضحايا في صفوف الإسرائيليين.
* هكذا اصبح الشرق الأوسط الآن مسرحاً لسلسلة حروب على رغم استمرار كلّ الأطراف في رفع شعار عدم الرغبة في توسيع الحرب. حرب إخراج «حماس» من السلطة في غزة ومن أي دور عسكري في القطاع. وحرب «المشاغلة» التي أطلقها «حزب الله» اللبناني. وحرب طرد الأميركيين التي أطلقتها الفصائل العراقية. وحرب استهداف السفن في البحر الأحمر. واستنتجت إدارة بايدن أنَّ حربَ غزة صارت أكبرَ من غزة، وأنَّها باتت تستهدف الوجودَ العسكري والسياسي الأميركي في جزء من الشرق الأوسط، ورأت أنَّ ما يربط بين الحروب هو الخيط الإيراني.
* لا الحروب بسيطةٌ ولا الحلول سهلة. ما أصعبَ الوضع في الشرق الأوسط! الغارق منذ منذ عقود في صراعات وحروب :_
_ اعتقد كثيرون أنَّ إدارة بايدن الغارقة في الانتخابات ستكتفي بدعم غير محدود لإسرائيل، لكنَّها لن تكون راغبة في استخدام القوة ضد الفصائل التي تستهدف قواعدها في العراق وسوريا. مرة جديدة فاجأت التطورات اللاعبين؛ فقد ردَّت أميركا على قتل ثلاثة من جنودها بغارات على ما قالت إنَّه «أهداف إيرانية» في سوريا والعراق. رسمت واشنطن سقفاً لهذه الحرب حين اختارت ألا تهاجم أهدافاً على الأرض الإيرانية نفسها. وفي استعادة لدور الشرطي الذي كان أهل الشرق الأوسط يعتقدون أنَّه غاب وانقضى، فتحت أميركا معركة ردع الحوثيين رداً على قيامهم باستهداف أمن الملاحة في البحر الأحمر. وهكذا وجدت المنطقة نفسها أمام حرب مختلفة تكاد توضع تحت سؤال: أين حدود إيران في المنطقة؟ وأين حدود أميركا فيها؟ أطلقت إيران محاولة للانقلاب على الوجود العسكري الأميركي في بعض الشرق الأوسط، وردَّت أميركا بالسعي إلى إحباط الانقلاب عن طريق «تقليم أظافر الأذرع الإيرانية».
* مصر والكيلومتر الأخيرمن الواحد واربعين كيلو متر علي طول حدودها مع رفح بغزة :_
* مصرُ لن تتورَّطَ في الحرب ضد إسرائيل بدعم أميركي وأوروبي، خاصة أنَّ «حماس» هي من بدأتها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وليست مصرُ وحدها ترفض، بل حتى حلفاء «حماس»؛ إيران وسوريا و«حزب الله»، جميعهم سارعوا مبكراً إلى التبرؤ منها، ولن يكونوا طرفاً في حربها. الأطراف الوسيطة سعت مراراً لدى الحركة للقبول بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والانسحاب من غزة وتسليم الإدارة للسلطة الفلسطينية، لكن «حماس» اختارت المواجهة والقتال. إسرائيل، وصلت إلى مدخل رفح، تقول إنها ستقبل بالحل فقط بعد نهاية القتال.
وهي على أبواب رفح، لا يمكن التنبؤ بما ستفعله القواتُ الإسرائيلية. رئيس الوزراء، نتنياهو، لأول مرة يبدو واثقاً، ويريد إعلانَ الانتصار في رفح.
* هذه الحرب مختلفة؛ إذ قُتل فيها أكثر المدنيين، نحو ثلاثين ألف فلسطيني، وأكثر عاملي إغاثة ومسعفين وإعلاميين، من أي حرب سابقة مع إسرائيل. ردود الفعل الدوليةُ الرسمية كانت محدودة. وردود الفعل الشعبية كانت واسعةً، لكنَّها بقيت رمزية. تداعيات الحرب لم تنتهِ، أخطرها على مصر، التي تخشى من تخلّص إسرائيل من مليونٍ ونصف المليون فلسطيني في القطاع، بالزجّ بهم على حدودها،
هل هناك حلٌّ آخرُ غير الحرب في رفح؟ بإمكان المفاوضات أن تستمرَّ، فالاتفاق على الحل بات قريباً جدّاً، و«حماس» أصبحت أقربَ لقبول اتفاق يمكن أن يحقنَ دماءَ سكان المدينة وإعلان نهاية القتال وإنقاذ رفح. إنَّما لا يبدو أنَّ نتنياهو يريد ذلك اليوم، وكان مستعداً لقبوله قبل أسابيع تحاشياً لخسائر قواته، أما الآن فإنَّه يعدها معركتَه الأخيرة ويسعى للوقوف على أطلال مدينةٍ مدمرة.