في قصيدته " دورة البعث" وهي أولى قصائد ديوانه الثاني، يتناول موضوعا يُعدّ من الموضوعات الجديدة في الشعر المعاصر؛ حيث يتحدث عن البعث ومصير الإنسان وما يعرو الحياة والكون من التبدل، يقول البيومي في " دورة البعث":
دورة الحسن، كل ناء سيدنو لحماه ، وكل دان ناء
إنما البحث فكــــــــرة ذات عمق أصلها أدلة الحكماء
وهي نهاية حتمية؛ بيد أن تناول قضية فكرية فلسفية شعرا من إبداع الديوانيين، فعل البيومي ذلك إيمانا بمنهج الديوان في الشعر، ووفاء لشكري الذي يمثل – في رأي البيومي – الرائد الحق لجماعة الديوان، ولعل تلك القصيدة تذكرنا بقصيدة شكري "حلم بالبعث" والتي يقول في مطلعها:
رأيـتُ فـي النـوم أنـي رهـن مُظلـمةٍ
مـن الـمقـابر مـيْتًا حولَه رِمَمُ
نـاءٍ عـن النـاس لاصـوتٌ فـيـزعجنـي
ولا طمـوحٌ ولا حُلـــم ولا كَلِمُ
مطهَّرٌ مـن عـيـوب العـيش قـاطبةً
فلـيس يـطْرقُنـي هَمٌّ ولا ألـمُ
صحيح أن ثَمّ تشابها بين العنوانين، وربما هناك تقارب في فكرة النصين؛ لكن صحيح مثله أن لكل من الكبيرين نفَسه الشعري الذي يميّزه عن صاحبه، ومن طريف ما لاحظنا أن البيومي – رحمه الله – وإن كان يجلّ الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري، فقد كان شديد الإعجاب – أيضا – بطريقة الأستاذ العقاد وفلسفته؛ فحين يخالف العقاد الجميع في نظرته للحظات السعادة؛ حيث يرى جميع الناس أنها سريعة الانقضاء نجد العقاد – مخالفا لهم – يراها سرمدية لا تنقضي، وهي فلسفة ديوانية يشترك فيها شكري والعقاد والمازني، يصف البيومي دورة البعث بـــ دورة الحسن، وربما كان في مجرد ذكر البعث شعور بالمهابة والحزن، وهذا ما فعله العقاد في وصفه للحظة الوصال:
طالتْ ولا غرو فالجنات خالدةٌ وفي الوصال من الجنات ألوان
أصبحــتُ والله لا أدري لبهجتها أليلةٌ سلفـــت أم تلك أزمان؟
كما نرى البيومي يكتب على طريقة المازني في سخريته المريرة التي يصدم بها الحياة ويحطم بها العوائق، يقول البيومي في مقطوعة بعنوان "ضحك الألم" :
لقد عرف الناس دمع السرور وما عرفوا قط ضحك الألم
ولكنني قد ضحكت ضحكت حزينا، وعانيت برح الندم
وحاولت أمنع من ضحكتي فأنجو، ولكن طبعاً حكم
وما كنت مستشعراً فرحة فأبخع نفسى على ما ألم
حزين تبسم من غيطه فعنفه الناس حين ابتسم
لقد جُنّ فلترحموه ولا تكونوا عليه كهم جثم
ولا يخفى ما فيها من السخرية؛ فهو يتهم نفسه بالجنون – قدحا في أذواق الناس - ليبعد عنه أناسا قد ضاق بهم ذرعا، وأصبحوا كالهم الجاثم على صدره.
وبعدُ، فإن هذه الإشارة السريعة لعلاقة الأستاذ البيومي بجماعة الديوان مجرد ضوء سلطناه على دور العلامة الكبير في النهضة الأدبية في العصر الحديث، أما تفصيل الأمر فهو رهن بمستقبل تلك الأمة إن أرادت الحفاظ على جهود الشيوخ والأساتذة الرواد، لا نزعم أن تلك السطور ألمت بجهود العلامة البيومي؛ لكننا نزعم أن ما أشرنا إليه لا تنهض به إلا الرسائل العلمية الضخمة لبحاثين يقدرون قيمة العلم ويحفظون للعظماء مكانتهم.
بيد أننا في ختام كلمتنا إذا سألنا: هل كان البيومي مخلصا لرواد الديوان؟ فسوف يكون الجواب بالإثبات بلا تردد، أما إذا سألنا: هل ساهم البيومي في نشر إبداع جماعة الديون؟ فإن الجواب – أيضا - : نعم، أما إذا طرحنا هذا السؤال: هل كان الأزهر الشريف مقدرا لدور العلامة الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي فإن الجواب – بلا ريب – سيكون بالنفي : لا لم يقدر الأزهر الرجل ولم يحتف برجل يقول عن الأزهر في قصيدته " الأزهر في عيده الألفي":
ألف عام يا سرعة الأيام كيف يحصى مدادك بالأعوام؟
سوف يبقى الإسلام ما بقي الدهر وتبقى منارة الإسلام
ويقول منها أيضا عن الأزهر:
خالد خالد على الأيام إذ مضى من تاريخيه ألف عام
أيها الأزهر الخالد خلّد ذكرى ابنك البار الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي، ولا وترك مهمة الاحتفاء بالعلامة البيومي لتلاميذه الخُلص وفي مقدمتهم الدكتور علي زين العابدين الحسيني.