ظاهرة «أحفاد الحرب» ظلت فى ألمانيا ومنذ الحرب العالمية الثانية منسية، حتى عام ٢٠٠٤ عندما صدمت الباحثة الألمانية «زابينا بودا» العالم، بكتاب حمل عنوان «الجيل المنسى» يتغلغل فى نفسية الأطفال الذين عايشوا الحرب.
خلاصة بحث «زابينا» أن أطفال الحرب (أحفاد الحرب) يشعرون بالخوف وعدم الأمان.
ما تقرره «زابينا» من صدمة ما بعد الحرب يرتسم بقسوة على وجوه أطفال الحرب فى غزة، ويقينًا تحتاج إلى نسخة مزيدة ومنقحة، وتهديها إلى المستشار الألمانى «أولاف شولتس»، الذى جاء إلى المنطقة يسعى لتهجير الفلسطينيين وأطفالهم وأحفادهم قسرًا إلى دول الجوار، فليراجع المستشار شولتس مؤقتًا كتاب «الجيل المنسى»، المنشور بالألمانية، عَلَّه يتعظ، ولا يرضى على أطفال غزة ما لا يرضاه على أحفاده.
سيادة المستشار، لقد حُرم أطفال غزة من النوم، الذى بات مرادفًا بالنسبة لهم للموت، فقد باتوا يخشون إطباق أعينهم كى لا يُغافلهم صاروخ وجّهته آلة الحرب المسعورة، فيطبق عليهم السقف، مُحوِّلًا سكنهم إلى قبر، المقابر الجماعية فاغرة فاها، مَن لم يمت من القصف مات من الرعب.
وأُحيلكم إلى تقرير مفزع لقناة «الحرة» الأمريكية، عن أطفال غزة، منهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن ينتظر الموت، شافوا الموت بأعينهم مرارًا، صار القصف طقسًا يوميًّا، آناء الليل وأطراف النهار، وآناء الليل حتى لا أشق عليكم، بمعنى ساعاته من أوله، ووسطه، وآخره.. القصف ليلًا هواية الطيارين الإسرائيليين!!.
الأحياء الأموات، وصف حال أطفال غزة، هم أحياء ينتظرون الموت، كُتب عليهم الموت، موتى على قيد الحياة، لن يخرج طفل سالمًا من هذه الحرب الهمجية، فمَن لم يُصَبْ جسديًّا حتى الآن لن يسلم من الإصابة بصدمة نفسية من أصوات القذائف والصواريخ ومشاهد الموت والدمار وفقدان الأهل والأحباب.
مرضى يعانون الخوف، أو الاكتئاب، أو الوسواس القهرى، أو الاحتراق النفسى، وعوارض الصدمة قد تظهر بصورة مباشرة أو على المدى الطويل.
عوارض الحرب مرعبة على نفسية أطفال غزة، سيعانون القلق المرضى، وعدم القدرة على النوم، والتبول غير الإرادى، وكذلك الهلع من الأصوات المباشرة وغير المباشرة التى تمتّ بصلة إلى أصوات القذائف والصواريخ، والتعلّق الإضافى بالأهل، ورؤية الكوابيس خلال النوم.
وبعد انتهاء الحرب وتداعياتها، تبقى رواسبها فى أعماقهم، لذلك خضوعهم للعلاج النفسى أمر ضرورى كى لا يكملوا بنمط القلق الذى يعيشونه، والذى قد يرتفع منسوبه وصولًا إلى انفجاره فجأة.
الطفل إذا كُتبت له حياة، ونجا من المقبرة، قد يعيش حياة طبيعية، لكن أبسط الأمور تُذكره بالحرب، فيعود إلى حالة القلق الكبيرة وتعتوره عوارضها من نوبات ذعر واكتئاب.
مَن لم يفقد والديه فقد إخوته، ومَن خرج سالمًا مع أسرته فقد أصدقاءه، ومَن هجر فرشته حذر الموت، لن يهنأ بطعام ولا شراب فى مخيمات اللاجئين.
كان يذهب إلى مدارس الأونروا ليغنى مع الطيور كل صباح، نفس المشوار يقطعه متخفيًا تحت جنح الليل، يلوذ بسقف مدرسته من القصف المباشر. حتى حروف الهجاء شاهت، بدلًا من حاء وباء بمعنى (حب)، صارت حاء وباء وتتوسطها (راء) بمعنى
(حرب)، بعضهم وارى جثمان زميل التختة بيديه الصغيرتين، سبحانه علّم الغراب دفن الموتى، ونقل الغراب خبرة الدفن إلى الإنسان، أطفال غزة صاروا خبراء فى دفن أحبابهم.