مما لا شك فيه أن التحول الرقمي يعد ثمرة من ثمار الثورة الصناعية الرابعة و التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في عام 2016م، وكما أحدثت الثورات الثلاث السابقة التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر، تغييراتٍ كبيرةً على حياتنا، تمثَّلت بتطوّر الحياة الزراعية البدائية التي استمرت نحو عشرة آلاف سنة، إلى حياة تعتمد التكنولوجيا على المستويين الفردي والمجتمعي و انطلاق الثورة الصناعية الرابعة من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة الثالثة، خاصة شبكة الإنترنت وطاقة المعالجة (Processing) الهائلة، والقدرة على تخزين المعلومات، والإمكانات غير المحدودة للوصول إلى المعرفة.
فإذا كنا نقول أن الثورة الصناعية الرابعة تمثِّل الرقمنة الإبداعية القائمة على مزيجٍ من الاختراقات التقنية المتفاعلة تكافلياً عن طريق خوارزميات مبتكرة ، فإن الثورة الصناعية الخامسة ستقوم على دمج البشر والتكنولوجيا بعناية، مما يضمن أن كلاهما يعمل معاً بشكل وثيق و قوى، فيزود كل منهما الآخر بفوائد لا حصر لها .
و عليه تم إطلاق منصة مصر الرقمية رسميا كتطبيقا عمليا لفكر الجمهورية الجديدة ؛ وهى منصة للتيسير على المواطنين فى إنجاز خدماتهم الحكومية "أون لاين" بسهولة ويسر، تحتوي علي 138 خدمة حكومية رقمية، مشروع مصر الرقمية يتميز عن غيره من المحاولات السابقة للدولة لميكنة الخدمات الحكومية وتوجيهه الدائم بسرعة تنفيذ المشروع بأعلى معايير الجودة والكفاءة فقد خصصت الحكومة الدعم المالى و الفنى اللازمان لتمويل المشروع ، فيما يرتكز على ثلاث قواعد وهى بنية تحتية كفء وريادة دولية وسياج تشريعى وحوكمى.
إذن هل للتحول الرقمى فوائد تعم على المواطن و الدولة ؟
أثبت التحول الرقمى أنه يوفر فى الوقت التكلفة والجهد بشكل كبير ؛فمن منا لم يعانى يوما ما من إهدار اليوم كله تقريبا أمام المصالح الحكومية لتخليص بعض الأوراق الهامة ،ناهيك عن بعض الممارسات المستفزة لبعض العاملين ، أما بوجود الرقمنة التى عملت على تحسين جودة الخدمات للمواطن وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المقدمة للمستفيدين أصبح الأمر أسرع و أفضل و مناسب لعصر السرعة الذى نعيشه الأن و تأتى أهم أهداف عملية التحول الرقمى فى تعزيز الاقتصاد الوطنى من خلال زيادة مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتشجيع صناعة المحتوى الرقمي
لكن هل للتحول الرقمى أضرار أو مخاطر؟
بالطبع ينتاب القلق قطاع غير قليل من المواطنين على بياناتهم خوفا من سرقتها أو التلاعب فيها أو بيعها و استغلالها خاصة و أن الحفاظ على الخصوصية فى العالم الرقمى أكثر صعوبة و من هنا تأتى أهمية عملية أمن البيانات .
مخاطر عدم الكشف عن الهوية: توفر التكنولوجيا الرقمية مجالًا واسعًا للمستخدمين لإخفاء هوياتهم إذا لم يعتقدوا أنه ستكون هناك أي عواقب لذلك علينا سن القوانين لحماية المواطن و حقوقه .
إهدار الوقت والمال: و هو الجانب السلبى للرقمنة حيث تسببت وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الكمبيوتر والمواقع الإلكترونية المختلفة إدمانًا حقيقًا لجيل بأكمله ؛ إذ يريدك صانعو الألعاب أن تلعبها حتى تشتري الإصدار التالي. وتريدك مواقع الويب أيضًا أن تتفاعل حتى تتمكن من جلب أموال الإعلانات، وينتهي الأمر بالمستخدمين إلى إهدار كميات هائلة من الوقت ونزيف الأموال مقابل لا شيء.
العزلة الاجتماعية: فبالرغم أن العالم أصبح قرية صغيرة إلا أن المجتمع يسيرفى اتجاه العزلة وتصبح فيه العلاقات غير شخصية أكثر فأكثر يفقد فيها الحميمية و التواصل الاجتماعى كأننا أصبحنا روبوت بلا مشاعر أو شعور مما يعززالشعور بالوحدة ، - مع الأسف - قلة الاتصال البشري أصبح نمطًا شائعًا في عصر التحول الرقمي ، لذلك علينا تعلم كيفية إدارتها لصالح المواطن مع محاولة التقليل من مخاطرها.
خاصة بعد إعداد المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة حول نجاح مصر فى أن تصبح نقطة انطلاق للتحول الرقمى ، من خلال عدد من المحاور تشمل محور تطوير البنية التحتية للاتصالات والخدمات البريدية وتطوير وتحديث الخدمات الرقمية والبنية المعلوماتية للوزارات والهيئات الحكومية و تعزير القدرات البشرية حيث تهدف عملية التحول الرقمى فى مصر إلى بناء مجتمع معرفى تتقلص فيه الفجوة الرقمية بحيث يستطيع جميع أعضائه النفاذ إلى مصادر المعلومات عن طريق زيادة معدلات انتشار خدمة الإنترنت فى المناطق المحرومة منها، أما فيما يخص إدارة الهوية الرقمية فقد شهدت السنوات القليلة الماضية نموًا كبيرًا فى هذا القطاع كجزء من عملية بناء الثقة فى التعاملات عبر الإنترنت وتشجيع المواطن على استخدام الخدمات الإلكترونية، حيث تندرج إدارة الهوية الرقمية تحت منظومة الأمن السيبراني.
و يبقى على صانعى القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات تدريب التوعية على الأمن السيبراني لتمكين الموظفين وتقليل الخطأ البشري بهدف تقوية مستويات الدفاع على مستوى المؤسسة فهم يواجهون تحدّيات مستمرة في تأمين الحماية لجهود التحوّل الرقمي من المجرمين السيبرانيين ، كما أن إطلاق إطار تشريعي حاكم يُعد من أهم القرارات ،من خلال إطلاق قانون حماية البيانات الشخصية في يونيه 2020 والذي يعد انطلاقه تشريعية نحو تأمين البيانات الشخصية للمواطنين، إذ ينظم القانون حماية البيانات الشخصية ويجرم جمع البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة أو دون موافقة أصحابها ، فهنيئًا لمصر ثورتها التكنولوجيا و الرقمية للوصول إلى عاصمة ذكية فى الجمهورية الجديدة.