خالد الحديدي يكتب : هل يصبح محجوب عبد الدايم ونفسية في القاهرة 30 وبداية ونهاية هو الحل للتخلص من الفقر
هنالك مدلولات ومعاني عميقة تستوقفنا جميعا عند التأمل في الحال الاقتصادي والإجتماعي للمواطن في الوقت الحاضر، يبرز في مقدمتهما محدودية الدخل وإرتفاع تكاليف المعيشة؛ قضايا الفساد والشفافية؛ تعاظم الفجوة ما بين الطبقة الغنية والطبقة والفقيرة؛ إجحاف بعض التشريعات في تلمس هم المواطن
إن حال الوطن يستلزم مواجهة الحقائق السياسية والإقتصادية والإجتماعية بنظرة أكثر شمولية وواقعية، ان ملفات المديونية والمساعدات الخارجية، عجز الموازنة ومعدلات النمو الاقتصادي، دعم السلع وتنمية المحافظات، المعدلات الضريبية والحوافز الإستثمارية، وغيرها من الأمور يجب أن يتم النظر إليها بشكل شمولي مترابط وليس بمعزل عن بعضها البعض !فالفشل في مواجهة هذه التحديات قد يهدد الاستقرار الإقتصادي الاجتماعي والسياسي في للوطن.
للأسف أصبح المواطن يعيش في عالم خال من نبض الحياة: رمادية كالحة يعاني حالة الاغتراب التي أصبحت ثمة من ثمات السواد الأعظم للشعب نتيجة الفقر والبؤس وأخشى أن يتحول نموذج محجوب عبد الدايم في القاهرة 30 أو نموذج نفيسة في بداية ونهاية لكاتبنا الكبير نجيب محفوظ هو النموذج السائد للتخلص من الفقر والبؤس.
ف «محجوب عبد الدايم»، الذي يتمنى أن يصبح عظيماً ولو بارتكاب جريمة تؤدي به إلى حبل المشنقة، لقد عاش هذا الشخص المعدم صراعاً رهيباً وسط علاقات اجتماعية تعتبر الانحرافات الأخلاقية بكل أشكالها الشخصية والسياسية والفكرية سلماً طبيعياً للنجاح حتى أصبح يؤمن بأنه أحمق من يضيع على نفسه لذة لأي وهم من الأوهام التي ابتدعتها الإنسانية. وهكذا انحرف «محجوب» وتحول من مجرد باحث عن رغيف الخبز إلى التطلع لأعلى، لكن انحراف «عبد الدايم» لا يحمل فقط الإدانة لطبقته الفقيرة المسحوقة في المجتمع، وإنما يحمل أيضاً الإدانة للحكومة وأعوانها الذين عاثوا في الأرض فساداً فحاصروا طموحات المواطن البسيط وضيعوا آماله. ويؤكد محفوظ أن الشعارات الثورية وحدها والتي أطلقها المثقفون آنذاك دون أن تتبعها خطوات إيجابية عملية على الأرض لن تجدي نفعاً ولن تستطيع أن تنقذ هذه الطبقة المسحوقة من آلامها كما ستفشل في الوقوف أمام الانحلال والفوضى التي تستشري في المجتمع جراء الاستبداد والفساد.
وصورة أخرى قدمها نجيب محفوظ عن غياب العدالة الاجتماعية في مصر الأربعينات تتجلى بوضوح في رواية «بداية ونهاية»، التي يقدم فيها نجيب محفوظ صورة من صور الصعوبات الاقتصادية التي يتعرض لها المواطن البسيط منذ معاهدة 1936 وحتى عام 1939 قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة. وتعد الرواية من أعنف روايات محفوظ الاجتماعية وأكثرها مأساوية، فالظلم الاقتصادي مطروح، وموضوع الفقر يبدو مهيمناً، كما أن آثار الفقر والحرمان والجوع التي تعاني منه الفئات المسحوقة من المجتمع تبرز جلية في كل أحداث الرواية التي تجري في الأحياء الفقيرة من العاصمة. الأبطال أربعة أخوة في العائلة تجد نفسها بلا معيل ودون معاش يذكر إثر موت الأب الفجائي ومحاولة الأم بكل ما أوتيت من إرادة وتدبير أن تنقذ عائلتها من التدهور الذي يصل إلى حد أنتحار ابنتها نفيسه والتي كانت ضحية الفقر والحرمان والجوع وظلمه.
وقد صدقت نبؤة ماركس : سوف تصبح الحياة عبارة عن قطار سريع يدهس كل من يتوقف ليلتقط أنفاسه ، واصبح الانسان مجرد عبد وألة للعمل لساعات طويله وبرغم ذلك فانه لايستطيع سوى تلبية حاجاته الاساسية، ان التلوث والتغير المناخي وازمات التضخم كلها تنبئ بحدوث كارثة في المستقبل القريب بسبب النظام الرأسمالي القائم.