المنتجب علي سلامي يكتب : الإنسانيّة

المنتجب علي سلامي يكتب : الإنسانيّة
المنتجب علي سلامي يكتب : الإنسانيّة
الرّطوبة تداعب الطقس وتغازل  أجسام البشر...
 أقف وسط المدينة  (  الساعة الثانية والنّصف وأشعة الشمش الحارقة تقبّل رأسي غير المشتاق بحرارة عشقها،  أنتظر صابراً كعشرات المنتظرين الصّابرين غيري سيّارة سيرفيس تهلّ أو باص نقل داخلي يطلّ ليوصلني ويوصلهم إلى الكراج الجديد....
كانت السيّارات العامّة وهي تحشر في بطونها الجائعة مازاد عن عدد مقاعدها من أجساد الرّكاب، تمرّ أمامنا مسرعة دون أن تتوقّف....
كذلك تمرّ سيّارات خاصّة و حكوميّة فخمة منها مُفيّم ومنها تسمح نوافذها غير المفيمة برؤية مقاعدها الفارغة من الرّكاب.....
وأحياناً تتوقّف بعض الحافلات العامّة مرغمةً  لإنزال راكب مُحاصَر أو أكثر، وهنا تكون مسرحية هزليّة أبطالها رجال (يطاحشون) بذكوريّتهم ونساء (تطاحشن) بأنوثتهنّ....
مسرحيّة تراكضنا نحو أبوابها التي نتمسّك بمعدنها وتشحطنا معها لأمتار وأمتار ، واستماتتنا للحصول على نصف مقعد فيها دون نجاح لمرّات ومرّات....
وسائقو (التكاسي) الأشاوس يصطادون ركّابهم بمهارة من نهر الازدحام هذا مستغلّين هذه الفوضى لينقلوا خمسة ركّاب في السيّارة الوحدة ويضاعفوا أرباحهم...
وبعد أكثر من ربع ساعة توقفت سيّارة خاصّة سوداء فخمة(شيفروليت) بجانبي وصاح سائقها الرجل الستينيّ الذي تبدو على وجهه قسمات الطّيبة:
- ياشباب يلي رايح باتجاه الكراج الجديد يتفضّل حتّى وصلو....
تعجّب المنتظرون جميعهم موقفه الشّهم لكنّهم خجلوا أو خافوا أن يركبوا سيّارته وابتعدوا عنها ....
أمّا أنا وثلاثة غيري فقد ركبنا سيّارته المُكيّفة المُعطّرة، شاكرين له دعوته الكريمة، وقد شجعنا لطفه وملامح وجهه الرّحمانيّ على ذلك ،وقد أوصلنا إلى مدخل الكراج  مُتقصّداً إراحتنا من المشي في الحرّ والازدحام  و قطعنا لشارعي الذهاب والإياب مقابل ذلك المدخل المعروف....
سألته معجباً به ومُقدّراً إنسانيّته عن اسمه فاعتذر بلطف عن ذكره قائلا :
والله مافعلته اليوم وما أفعله كلّ يوم هو أقلّ من واجبي بل هو واجب كلّ إنسان يملك سيّارة خاصّة أو للدولة ويمرّ بجانب ازدحام لمواطنين ينتظرون سيّارة وهو بإمكانه إراحة بعضهم من عناء الانتظار إن هو تواضع قليلاً ونزل عن عرش الغرور واللامبالاة وأحسّ بمعاناة النّاس وظروفهم.....