نأتي إلى أمين باشا الشمسي أحد كبار تجار الأقطان وأصحاب الأملاك بالزقازيق وقد زرت مقبرته هناك وهي على مقربة أيضا من مقبرتي خليل وعبد العزيز باشا وتعاني إهمالا شديدا وقد زرتها مرتين بعمري الأولى في المرحلة الإعدادية حيث دعاني لزيارتها صديق لي وكان لها قبة زرقاء لمعرفة تاريخها وكنت أجهله أنا أيضا ومن حينها وتملكني الفضول لمعرفة تاريخ الرجل والثانية بأجازتي الأخيرة فوجدتها قد ساء حالها ونزعت أقفالها وسرق رخامها الإيطالي وحتى اسمه على الضريح أضحى على الأرض تدوسه الأقدام...
تعالوا نسمع حكايته معا فالرجل ذو الأصول الشركسية لم تمنعه من أن ينضم إلى معسكر العرابيين ضد الخديو توفيق بل وأن يغلظ القول للخديو فانفعل الاخير قائلا : " أتتكلم معي يا أمين باشا بهذه اللهجة وقد أوصاني والدي بك ( يقصد الخديو إسماعيل ) خيرا"..بعد هزيمة المعسكر العرابي دفع أمين باشا الثمن غاليا فقد جرد من ألقابه ورتبه ونياشينه وأصبح السيد أمين كما حكم عليه بالسجن مع الشغل وقضى العقوبة بالقاهرة كما احتل الإنجليز محلجه خشية أن يكون به مؤن وذخائر ..
كانت العلاقة بين أمين باشا وفريد باشا مدير الشرقية (والد الزعيم محمد فريد ) ليست على ما يرام فاستغل الفرصة في إهانة أمين باشا وإذلاله فطلب من السلطات نقل أمين باشا إلى سجن الزقازيق وهو ما تم فعلا ولم يكتف بذلك بل أمره بالخروج لشوارع الزقازيق لكنسها وهو مكبل بسلاسل الحديد إمعانا في كسر خاطر الرجل والنيل من كرامته أمام أهله وعشيرته..
كان المشهد قاسيا أمام صديقه الإنجليزي ووكيل أعماله السابق "فرشيني" فعز عليه أن تلحق به هذه الإهانات وكان وقتها قد أصبح قنصلا إنجليزيا بالزقازيق ومن بعدها بالإسكندرية فحاول التدخل لدى السلطات للإفراج عن أمين باشا لكنها تعنتت في أمره فأرسل يدعو أحد كبار المحامين الإنجليز للحضور لمصر للدفاع عن أمين باشا أمام القضاء وكانت السابقة الأولى التي يستدعى فيها محام إنجليزي خصيصا للدفاع عن متهم مصري بحسب كتاب مفاخر الأجيال في سير أعاظم الرجال لواضعه إبراهيم مصطفى الوليلى معاون إدارة بمديرية الغربية سابقا الطبعة الثانية 1934..
تحسنت العلاقة بين الخديو توفيق وأمين باشا الشمسي حيث زاره لاحقا في داره أثناء جولته بالمديريات ..كما تعدل الحال به فأصبح عضوا في الجمعية العمومية الثانية 1910-1912 وصار مقربا من الزعيم سعد زغلول باشا وهو ما لعب دورا كبيرا في مسار ابنه على باشا الشمسي بعد ذلك .
وحتى لا نكون مثل الدراما المصرية التي تبرز شخوصها دوما مثاليين لا تشوبهم شائبة فسأذكر واقعة تحدث عنها سلامة موسى في كتابه (تربية سلامة موسى) فقد كانت ترتبط عائلته بأواصر مودة مع أمين باشا الشمسي وكانت عزبة جده (كفر سليمان) قريبة من عزبة أمين باشا وقد اشتراها بعد ذلك من الجد ..بحسب رواية سلامة موسى أنه أرسل لأمين باشا من انجلترا خطابا عام 1908 مع مجموعة من كبار ملاك الأراضي يدعوهم لإنشاء مدرسة لتعليم أبناء الفلاحين الذين يعملون في أرضه وأرضهم لكن الدعوة لم تجد آذانا صاغية وهي مسألة تستدعي نظرة أكثر قربا من نظرة كبار الملاك لتعليم الفلاحين والتي تبدو أنها كانت متفاوتة ..
* د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث وروائي مصري