تحقيق : حاتم عبدالحكيم
الإبداع هو الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة ، وهو التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة..
ومثلا عميد الأدب العربي طه حسين فقد بصره وهو في عمر صغير للغاية ولكنه استطاع أن يؤلف الكتب ويتدرج في العلم حتى حصل على درجة الدكتوراه وحاول تحريك العقلية النمطية إلى السؤال والبحث والتفتيش للوصول لجديد .
كثيرا ما يتردد على مسامعنا " الإبداع يولد من رحم المعاناة " ، فماذا عن الانشراح والمسرة ؟!
وهل الإبداع صفة وراثية أم مكتسبة ؟
وارتباط الإبداع بالمعاناة من باب المواساة وأسلوب مختلف لاستخراج الطاقة الخفية أم موروث سراب لا وجود له ؟! والفقر يكفي لوقف الإبداع ؟
وماذا عن قضية الذوق العام وظهور أعمال كتابية وسينمائية ودراما أو حتى غناء، ونطالع يوميا هذا باحث وهذا مفكر وذاك تنويري وهؤلاء يحملون دكتوراه فخرية .. ما هي معايير الحكم على الأعمال الإبداعية وكيف نبدع وهناك قيود ما؟ والمهارات التي تزيد من الإبداع ؟
وكيف حال حرية الصحافة العربية التي يفترض أن تساهم في العملية الإبداعية ؟
وأين التعليم من التحريض على الاقتراب من العقلية النقدية وأنماط التفكير المختلفة المنتجة لأجيال متعقلة ؟
انهزم حكم الكنيسة في العصور الوسطى الأوربية من أجل إفساح الطريق للعلم والمعرفة والحقيقة ، وتم اتهام بعض الآراء الفقهية الإسلامية بفترة من الزمان لجماعات أنهم في انغلاق بسبب تحريم التلفزيون والانترنت والموسيقى والأغاني والدراما والصور والنحت .. ما الخط المشترك الذي يجمع الإبداع بالدين ؟!
وهناك من يسعى إلى تغليب الفكر النقدي وإعلاء قيمة العقل .. فما أبرز الأسماء التي تروق لدى البعض في رحلة التنوير وتحريك المياه الراكدة ؟
وكثيرا ما يتردد على مسامعنا " الإبداع
يولد من رحم المعاناة "
فماذا عن الانشراح والمسرة ؟
تقول ، د. إيرين سعيد ، عضو مجلس النواب المصري :
هناك شخصيات خلقت تحول المأساة إلى تحدي و منها إلى هدف فتبدع للوصول إليه و هذه الأنماط هي فقط من تستطيع النجاح ، و ليس معنى الانشراح و المسرة و الظروف اليسيرة غياب الإبداع و لكن هناك فرق بين من يولدون و طرقهم ممهدة و يتحصلون على أعلى تعليم وأرقى اهتمام ومن يحفرون الصخور ليشقوا طرقهم ، فالمعاناة أكبر و النجاح يكون غير متوقع و مدوي، والتشجيع يولد الفكر و الإبداع بلا شك و يعزز الثقة بالنفس ،فهناك الكثير من المفكرين و لكن دفنت مواهبهم بدون فرص حقيقية و تشجيع .
ويؤكد ، أحمد المنزلاوي ، كاتب ومحاضر :
الانشراح والسعادة والرضى مفارخ للإبداع كذلك.. فكل ما يمر به المبدع من خير وشر ومنح ومحن قادر أن يلهمه بأفكاره ومعالجاته الإبداعية.. فهو إنسان قبل كل شيء ، الفقر قدر حتمي وفرق اجتماعي تدور به سنة الكون.
لكن مهمة الإبداع وكذلك الفكر هي الإقلال منه وتوجيهه وعلاجه و التعايش معه والانهاض به.
الفقر تجربة حياتية يعيشها المبدع بنفسه أو في غيره.. ومن خلال ذلك يستيطع أن يجسدها ويعالجها ويمنحها الحلول والقيم.
* وهل الإبداع صفة وراثية أم مكتسبة ؟
تقول ،د.أماني أمين ، كاتبة ومترجمة وطبيبة :
بينما تلعب عوامل مثل التنشئة دورًا حاسمًا في نمو العقل ، فقد أظهرت الابحاث الحديثة في دول مثل الدنمارك وألمانيا والولايات المتحدة أن وجود التركيب الجيني الصحيح يمكن أن يجعل العقل أكثر ميلًا نحو التفكير الإبداعي. العلم يؤكد ان مسارات وشبكات الاتصال في الدماغ تختلف من شخص إلى آخر ومرتبطة بجينات نولد بها.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة وللعقل أسرار كثيرة لم نكتشفها بعد. المؤكد ان الموضوع مزيج من عدة عوامل منها الوراثة والتأثير البيئي والتطبيق. كل واحد منا مبدع بطبيعته بطريقة ما ، ولكن إلى أن نعزز الإبداع عن عمد من خلال السعي وراءه ، وتطوير أنفسنا فغالبًا ما يظل خاملا.
مثل تعلم لغة أو آلة موسيقية ، يتطلب الأمر صبرًا ومثابرة والتزامًا لتحقيق إمكاناتك. بقدر ما يمكن للرسام او الفنان أن ينجز أعمالا فنية رائعة يستطيع عالم الرياضيات او الفضاء حل شفرات او اكتشاف أسرار علمية في مجاله ، فلا يخرج لنا هذا المنجز من مجرد القدرة الفطرية على الاستفادة من الإمكانات العصبية للإبداع وانما من خلال منحها فرصة الخروج من خلال التطبيق والتمرس والتعلم المستمر.
المرونة العصبية هي قدرة الدماغ على تعديل روابطه و تغييرها ودونها لا يستطيع العقل أن يتطور من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ أو يكون لديه القدرة على الشفاء من اي اصابة لا قدر الله. حتى العقل الذي يشيخ ظنا منا اننا نفقد هذه المرونة العصبية مع التقدم في العمر يقول العلم الان اننا نستطيع الاستمرار في تدريب العقل عن طريق تعلم مهارات جديدة من شأنها تحفيز قدرة العقل ومرونته العصبية.
فيما يرى ، د. هشام البحيري ، خبير التطوير الإدراي والموارد البشرية :
هناك خلط كبير بين مفهوم الإبداع ومفهوم الابتكار ، فالإبداع يعني خلق من عدم ..بمعنى اقتراح شيء أو فكرة أو موضوع جديد تمامًا لم يسبق لأحد اكتشاف ذلك الشيء أو اقتراح هذه الفكرة أو التحدث في مجال أو موضوع محدد ، أما الابتكار فهو تحسين في شيء معروف أو تعديل على فكرة قائمة بالفعل أو النظر لموضوع شائك من وجهة نظر مختلفة وهو ما يطلق عليه مصطلح التفكير خارج الصندوق ، ولو علمنا أن كافة الموروثات لاتزيد عن ٢٥ %فقط فهذا يعني أن المكتسبات ٧٥ %وهذا يثبت أن الإبداع وكذلك الابتكار صناعة يمكن تعلمها وليست موروثة .
وتضيف ، دليلة قدور ، كاتبة صحفية جزائرية :
الإنسان المبدع سواء في المجالات الإنسانية أو العلمية التكنولوجية هو محصلة قدرات شخصية حازها الفرد منذ الصغر من المحيط الأسري المدرسة والفضاءات المجتمعية و هذا من خلال التشجيع و تحفيزه على المبادرة و الابتكار ، و جدير بالإشارة في هذا المقام إلى أنه من الخطأ ربط الإبداع بالأدب و الشعر و الفنون دون العلوم المنطقية الأخرى و كذلك الموهبة في الصغر لا تعني أن الطفل عندما يكبر سيصبح مبدعا فيها، فالإبداع غير مرتبط بالموهبة دائما، وحتى إن وجدت يجب أن تصقل بالممارسة و الدراسة والاحتكاك مع من سبقوا في المجال، فضلا عن وجود الشغف الذي هو أهم ميزة في المبدع.. ومن وجهة نظري ، فالإبداع لا يقتصر على الأمور المادية الحسية الملموسة بل يتعداه إلى طريقة التواصل التي هي مصدر مشع و أساسي إذا أردنا بيئة مدعمة للإبداع .
وتشير ، زينب محمد عبد الرحيم ، باحثة وكاتبة في الثقافة الشعبية والتراث الحضاري :
يمكن ان نرى الإبداع في احضان الطبيعة التي خلقت بصورة مبدعة من عند الخالق وكذلك صفات الحيوانات الفطرية وذكائها الذي تعلم منه الإنسان في يوماً ما وكذلك الفن الشعبي الذي توارثناه جيل تلو الآخر يعد ابداعاً شعبياً بل يصل إلى حد الهوية الثقافية للشعوب والحضارات ويمكننا ان نرى ابداعاً شعبياً من خلال الفن الشعبي في ابسط صوره من خلال الكلمة التي تعد لسان حال الجماعة الشعبية فإن التعبير الشعبي يستمد خيالاته من أكثر من رافد مثل رافد الطبيعة ,رافد الميل إلى التجسيد , رافد العالم الغيبي ثم الروافد الواقعية والمشكلات التي يعيش تحت وطأتها الإنسان الشعبي مُعبرًا عن ذلك من خلال النصوص الشعبية والصيغ الشفاهية الجديرة بالتدوين والتحليل والدراسة،
فمن الملاحظ أن غالبية المفكرين والقادة والفلاسفة والمخترعين العباقرة العظام والمبدعين أمثال : بوذا وكونفوشيوس وأرسطو وأفلاطون و زينون وأرخميدس وكانط وهيوم وماركس وماكسويل والاسكندر ونيوتن وأينشتاين، لم يكن أباءهم مبدعين، وهذا دليل قوي على عدم توريث الأبناء العبقرية , لا تورث بيولوجياً ولا تورث اجتماعياً.ويرتبط الإبداع بشكل مباشر بالذكاء والصحة النفسية والأصالة وأنه يكتمل من خلال عملية تحقيق الذات .
* وارتباط الإبداع بالمعاناة من باب
المواساةوأسلوب مختلف لاستخراج
الطاقة الخفية أم موروث
سراب لا وجود له ؟
والفقر وحده يكفي لوقف الإبدع ؟!
تقول ، زينة جرادي ، كاتبة وروائية لبنانية :
المعاناة هي حالة كاتمة وخانقة تقبض على مشاعر الإنسان فتعزله عن متاهات الحياة وتجمد الزمان والمكان من حوله بل وتأخذ به إلى حالات نفسية مضطربة قد تؤدي أحيانًا إلى مخاطر نفسية ،وبالوقت ذاته قد تكون عاملًا لتفجير مواهب دفينة في كيانه .
فالفقر يجعل المرء حزينًا كئيبًا إنما يقوي بصيرته وحكمته وهنا أستذكر مثالًا هو الشاعر سلم بن عمر بن حماد الخاسر أحد أعلام الشعر في العراق الذي باع مصحفا من شدة العوز ليشتري ديوانا للشاعر امرىء القيس فلقب بالخاسر .
الشاعر المصري امل دنقل عاش تحت ميناء الفقر والعوز طيلة عمره فكان يبحث دومًا عن صديق يؤمن له وجبة غذائه إلا انه أبدع في ديوانه (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ) أما إذا مررنا على الشارع الفني لاكتشفنا نجومًا عمالقة جاؤوا بالثروات بعد معاناة كبيرة مثل : أنور وجدي / عبد السلام النابلسي/ تحية كاريوكا/ رياض القصبجي واللائحة تطول ولا تحصى .
الاكتئاب والفقر ..المعاناة تأخذ بنا أحيانا إلى حالة من الاكتئاب الذي يسبب في حال تفاقمه أمراضًا نفسية منها ( ثنائي القطب والفصام) فينتج عنهما ردود أفعال عند المريض منها الاضطراب العقلي والسلوكي والعاطفي وكثيرة هي الأمثلة التي أدت ببعض المبدعين للإصابة بهذة الحالات .
فيما يرى ، محمد مجدي ، مدرب تأهيل نفسي وتعافي صدمات :
يعتبر الفقر واحد من عوائق الإبداع ، وأعتقد ليس الفقر المادي فقط هو العائق أمام الابداع فالفقر الأخلاقي والمعرفي والادبي والفكري والفقر العاطفي أيضا جميعها جوانب تحد من العملية الإبداعية ، ولابد من تحقيق التوازن اللازم في جميع جوانب حياة الشخص الذي يرغب في الوصول الى عالم الابداع ، وفيما يخص الفقر والابداع ففي الغالب ينجح الفقر في القضاء على الابداع اذا لم تتوفر عوامل مساعدة مثل التحفيز الذاتي والرغبة في التحسين والتطوير المستمر للوصول الى الهدف المرجو وبلوغ المرحلة الإبداعية .
وتشير ،بسنت شعراوي ، كاتبة وصحفية وحاصلة على دراسات عليا في الإرشاد وعلم النفس الاكلينيكي :
في علم النفس يوجد ما يسمي الحدث القاطع وهو الصدمات أو الأحداث التي قد يمر بها الشخص فيتحول من شخص متكيف مع مجريات الأمور الحياة لشخص آخر برز فيه أمور دفينة سواء كان مرض أو اضطراب أو عدم تكيف عام .. وهكذا هو الأمر فيما يخص ارتباط المعاناة بالابداع قد يخلق الألم دافع للتغيير وانفراج للمشاعر بصورة إبداعية فريدة وهو ما يسمي بأكتشاف الذات وتحررها.
وتؤكد ، رانا علي ، كاتبة ومذيعة :
الفقر حالة من وجهة نظرى لا تستطيع أن توقف شخص مبدع .. لا أنكر طبعا أن المال مهم جدا في حياتنا وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها بكل المقاييس ، ولكن كم من شخص غنى يمتلك الأموال وهو غير مبدع .. هناك نموذج رائع يجعلنا نقول بأن الفقر لا يكفي للقضاء على الإبداع طالما هناك طاقة وهدف بتحقيق الجديد والمزيد من ممارسة ما هو غير مألوف ، مثلا: الإعلامية "أوبرا جايل وينفري " مقدمة البرامج الحوارية بأمريكا أصبحت منتجة تليفزيونية وممثلة ومؤلفة ، ولها أشهر برنامج حوارى بأمريكا والأعلى تقييما.. فهي حقا ملهمة رغم أنها كانت فقيرة جدا كما تعرضت لمعاناة واغتصاب وظروف قاسية في مسيرة حياتها كما أرسلت لمركز إعادة تأهيل بسبب إدمانها الكوكايين إلا أنها تخطت كل ذلك وقفزت بعيدا عن الصندوق وحققت نجاحا استثنائيا وكانت أغنى أمريكية من أصل أفريقي في القرن العشرين، وأصبحت مليارديرة عالمية ومن أعظم أهل الخير.. وانطلقت بما تحتويه من مفاتيح إبداعية بصورة عملية تأخذ بالناس لمحطات السعي والوصول .
* وماذا عن قضية الذوق العام
وظهور أعمال كتابية وسينمائية ودراما
أو حتى غناء ، ونطالع يوميا هذا باحث
وهذا مفكر وذاك تنويري وهؤلاء
يحملون دكتوراه فخرية ..
ما هي معايير الحكم على
الأعمال الإبداعية ؟
وكيف نبدع وهناك قيود ما ؟
والمهارات التي تزيد من الإبداع ؟
تقول ، ريهام أحمد عبدالرحمن ، باحثة في الإرشاد النفسي والتربوي :
وهناك العديد من المهارات التي تزيد من التفكير الإبداعي:
١- عدم جلد الذات:
وذلك من خلال المرونة في التعامل مع الأخطاء الذاتية وعدم السعي للكمال المرهق للنفس البشرية.
٢- الابتعاد عن مواقع السوشيال ميديا فهي قاتلة للإبداع والابتكار، حيث أثبتت الدراسات النفسية أن 55% من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يصابون بالاكتئاب والقلق وعدم القدرة على التحصيل العلمي وإنتاج الأفكار نتيجة لاستخدام الهواتف لأكثر من ٤ ساعات يوميا.
٣- الفضول الإيجابي:
يحدث الإبداع نتيجة قيام الإنسان بالتجارب الجديدة والتي تساعده على التطور والتعلم واكتساب الخبرات، كالسفر والتعرف على الأشخاص الجدد، والتأمل في الحياة.
٤- الخروج من منطقة الراحة وعدم الاستسلام للفشل والإخفاقات في الحياة.
٥- تطوير الذات المستمر ومتابعة الملهمين والناجحين من رواد الأعمال.
٦- اكتساب المرونة النفسية والتي تجعل الإنسان يتكيف مع الضغوط الحياتية التي يمر بها، فُيخرج الأمل والإبداع من رحم المعاناة.
ويقول ،خطاب معوض خطاب ، كاتب في التراث ومؤرخ فني :
نعيش حاليا في عصر شبكات التواصل الاجتماعي والسماوات المفتوحة وتغيرت معايير الإبداع والجمال ،ونعاني في وقتنا الحالي من ظاهرة تكاد تكون عالمية وليست محلية فقط وهي إنحدار الذوق العام في جميع المجالات الإبداعية بلا استثناء، حيث يكاد لا يتصدر المشهد الإبداعي والساحة الإبداعية إلا الذين يفتقدون لجميع عوامل ومظاهر الجمال الإبداعي.
ولعل هذا الأمر يتجلى بوضوح في مجال الأدب لو نظرنا نظرة فاحصة على قائمة الكتب الأكثر مبيعا، فهذه القائمة تكاد تعني الكتب الأكثر ابتذالا ورداءة وخروجا عن الآداب العامة، وفي مجال الإعلام نجد أن المشهورين الذين يتصدرون المشهد الإعلامي هم فقط ممن يثيرون القضايا التافهة الساذجة التي لا تفيد الناس والمجتمع، بينما يتوارى الجادون المحترمون في آخر المشهد وقد يغيبون عن الصورة تماما.
أما في مجال الفن الذي يوصف دوما بأنه مرآة تعكس الجمال وتعبر عنه نجد الجميع يتفقون أن أكثر أفلام السينما العالمية والمحلية انتشارا وتحقيقا للإيرادات هي أفلام الإثارة الحسية وأفلام البلطجة والأكشن والرعب، حيث أصبحت أفلام السينما حاليا في أغلبها مرادفة لمعاني السطحية والقبح وإثارة الاشمئزاز، وكذلك أغلب الأعمال الدرامية.
ولو أننا نظرنا إلى واحدة من أهم مقاييس النجاح في وقتنا هذا وهي قائمة الأغنيات التي تحقق أعلى أرقام المشاهدات على اليوتيوب لوجدنا متصدري القائمة هم أصحاب الأغنيات التي لا تمت إلى الفن والإبداع بأي صلة، بينما أصحاب الموهبة الحقيقية فقد لا تجد أسم واحد منهم في تلك القائمة إلا فيما ندر.
وتضيف ، د. أمل درويش، كاتبة وناقدة :
فماذا كان سيخبرنا الدكتور طه حسين لو كان يحيا بيننا في هذا العصر؟ عصر التطور التقني المذهل، الذي أقام صالونات ثقافية على غرار صالونات الأميرة نازلي فاضل ومي زيادة والعقاد، ولكن شتّان ما بين صالونات يحضرها الإمام محمد عبده، وسعد زغلول وقاسم أمين والعقاد وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم من كبار الأدباء والمبدعين وبين هذه الصالونات الحديثة التي تطلق المسميات الفخمة وتهدي الشهادات الفخرية لكل زائر وعابر وإن كان ما يكتبه مجرد حروف متناثرة دون معنى، وربما قام أحدهم بالسطو على أعمال أحد السابقين، فاقتبس منها وربما نقل حرفيًا بعض سطور من أعمال المبدعين السابقين؛ فلا أحد يقرأ ولا أحد يراجع.. وهكذا صارت برامج التواصل مرتعًا لكل طالب شهرة، ولكنها في الحقيقة شهرة زائفة لا تتعدى فضاء هذا العالم الوهمي.. جميع ذلك أصاب المتلقي بحالة من تدني الذوق، فأصبح يقبل أي منتج يُطرح عليه، ولا يشغل نفسه بالبحث والتقصي لمعرفة مصدره، فالأمر لا يستحق العناء كونه يقتنص من هذا العالم الافتراضي فسحة للهروب من الواقع المزري.
وتقول ، هالة العكرمي ، شاعرة وعضو اتحاد كتاب مصر :
إن الخصائص الحدسية للمبدع :
١ ـ الانفتاح بغير حدود.
١ ـ الرومانسية.
٣ ـ الحساسية الزائدة.
٤ ـ الحماس والتسرع.
٥ ـ الإحساس المتزامن بالألوان والأصوات والروائح.
٦ ـ تقديم أفكار جديدة لحل المشكلة.
٧ ـ التفاعل مع الأفكار الجديدة والأصيلة.
٨ ـ القدرة على تحرير الأفكار والتعبير عنها
أشهر معيار اعتمد لتصنيف المبدعين هي الشهرة التي اكتسبها المبدع عبر السنين وظل نتاج أعماله يحظى بالاعتراف والتقدير من المثقفين والمختصين والناس وأمثال ذلك ابن سينا أينشتاين ـ نيوتن الخوارزمي، ابن خلدون وغيرهم الكثير.
ومن غير المحتمل أن يثير أحد شكوكاً حول أي من هؤلاء لأن إبداعاتهم لم تفقد رونقها وقيمتها على مرِّ السنين، وأصحاب الشهرة هؤلاء لا نستطيع إخفاء إبداعهم ولو أغفلنا العديد من جوانب شخصياتهم سواء أكانت سلبية أو إيجابية وأكبر دليل على إبداعهم صمود إبداعاتهم أمام اختبار التاريخ.
كما أن المصادر والمطبوعات ويقصد هنا الموسوعات والمعاجم وكتب التراجم وكتب التاريخ والتي تبرز حياة شخص عبر تأريخه وذكر الأعمال التي قام بها نوع من معايير صمود الإبداع .
* وكيف حال حرية الصحافة العربية
التي يفترض أن تساهم في
العملية الإبداعية لدى الشعوب ؟
يقول ، محب غبور ، كاتب صحفي مصري مقيم بأمريكا :
الصحافة من أهم المهن وأصعبها على مستوى العالم وتلعب دورا كبيرا وفعالا فى توجيه الرأى العام بكل شفافية وحرية ومهنية لكن للأسف فى الوطن العربى لم تأخذ الصحافة وضعها أو حقها لأن النظم العربية نظم ديكتاتورية تسعى دائما لاحتواء الصحافة والصحفيين ولا تلعب الدور المنوط لها خوفا من بطش الحكام وقسوتهم والزج بهم خلف القضبان أو إنهاء مسيرتهم لذا نجد أن الصحفيين مكبلين بأساور الحكام وبالتالي يحجم عملهم وكتاباتهم بقيود الحاكم وسياساته رغم كثير من الأحيان يكتب ارضاءا للحاكم للحفاظ على هويته ومستقبله إلا فى بعض الأحيان قد يخترق جدار الصمت ويعبر عن رأيه بقليل من الشفافية أو بأسلوب التورية حتى لا يقع تحت سيف قانون الحاكم ..أما عن المهنية فللأسف لا توجد مهنية فى عالم صحافة اليوم فجميعهم يعتمد على الغش والاقتباس أو الأخبار الكاذبة أو فبركة الأحداث سعيا وراء الترند وراضاءا لرئيس التحرير،الذى يكلف الصحفيين بعدد معين من الاخبار للنشر، لهذا يتجه أغلب الصحفيين لسرقة الأخبار وإعادة صياغتها عكس صحافى العالم الذين يسعون للبحث عن الخبر ليكون سبق صحفى تنفرد به الجريدة التى يعمل بها وعلى النقيض تجد الصحفيين خارج الوطن العربى لهم ثقلهم والعمل على تدعيمهم بزيادة المرتبات والمكافآت لضمان استمرارهم وتحسين معيشهم بما يتناسب مع أعمالهم .. فى النهاية الصحافة التى تعتمد "الكبى اند بيست" صحافة تفقد المصداقية وعدم اهتمام القارىء بما تنشره أو تسرقه .
* وأين التعليم من التحريض
على الاقتراب من العملية النقدية
وأنماط التفكير المختلفة
المنتجة لأجيال متعقلة ؟
يقول ، المهندس زياد عبد التواب ، مقرر لجنة الثقافة الرقمية و البنية المعلوماتية الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة
انظر حولك عزيزى القارئ ففى عصر المعلومات الذى يعج بالكثير من المعلومات و البيانات المنتشرة عبر المواقع الالكترونية وقواعد البيانات ومواقع شبكات التواصل الاجتماعى و باقى وسائل الاعلام التقليدى و الرقمى، كميات مهولة من البيانات و المعلومات لن يستطيع العقل البشرى مهما اوتى من االقدرة على الحفظ ان يقارن بقدرة حاسوب كبير او صغير، فوحدة الذاكرة فى اى منهما تستطيع استيعاب ما لا يقدر عليه آلاف من هؤلاء البشر التقليديين، اذا فالفارق الكبير لن يكون فى تلك المهارة القديمة، ستكون الغلبة لمن يستطيع تحليل هذا الكم الكبير من المعلومات، تحليلا دقيقا يعتمد على المقارنة و النقد و اعادة ترتيب الاولويات و القدرة على الخروج بالحكمة ثم الاتجاه الى مرحلة التنفيذ، لا تكون المعلومة هى الاصل فالمعلومات متاحة فى اى مكان و لكن يكمن السر فى القدرة على تحليلها و لن يتم تحليلها الا من خلال تنمية المهارات النقدية والبحثية لدى الطالب،يكفى ان يتمتع الخريج بهذه المهارات حيث سيستطيع من خلالها التحليل السليم لأى معلومة يتطلع عليها وهذا سيكون الفارق الأكبر بينه و بين الخريج التقليدى الذى يمتلئ ذهنه بالكثير من المعلومات و بالقليل من القدرات النقدية اى بالقليل من القدرة على احداث الفارق المطلوب.
ويشير ، د.تامر محمد عزت ، كاتب وروائي :
ذكر غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير )"إن التعليم لا يجعل الإنسان لا أكثر أخلاقيه ولا أكثر سعادة وأنه يٌغير غرائزه وأهوائه الوراثية ..وإذا ما طبق بشكل سئ فإنه يٌصبح ضارًا أكثر مما ينفع "، ودليلنا على ذلك سيدنا آدم عليه السلام .فأول شئ فعله الله عز وجل بعد خلقه هو التعليم ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا،ومع ذلك لم يسلم من وسوسة الشيطان وأكل من الشجرة .فالتعليم للتوضيح بين الأشياء والتفريق وللمعرفة ولبناء أسس التطور والتقدم . فرضنا أن طالبا التحق بالمرحلة الإبتدائية وشرعنا في معرفة ميوله واتجاهاته فإنه من السهل تدريبه عليها وممارستها منذ الصغر ، مثل تدريبه في المستشفى أو المصنع وبالتالي سوف يتدرب على أمر يحبه بل ويعشقه طوال سنوات عمره ويترسب هذا التعليم العملي في عقله الباطن ومع مرور السنوات ..قد يثمر إبداع في مجاله ...وهذا إضافة إلى دراساته الأكاديمية الطبيعية ، وبهذا يقوى ( المقدرة العلمية ) للطالب ويزداد حجم ذكائه وفكره الإبداعي ..حتى إذا صار عمره 25 عاما ..سيكون ذو موهبة وفكر وعلم وعمل ..وإبداع .فلنتأمل كل المخترعين والمكتشفين..كان أساس فكرهم من خوض التجارب ..ومنها تم استخراج العلم ..وليس العلم المصمت الجاف بل العلم الإبداعي .هذا الفكر نحتاج من يحمله على كاهله ويتبناه مؤسسات علمية عملية للأجيال القادمة .
* انهزم حكم الكنيسة في
العصور الوسطى
الأوربية من أجل إفساح
الطريق للعلم والمعرفة والحقيقة ..
وتم اتهام بعض الآراء
الفقهية الإسلامية
بفترة من الزمان لجماعات
أنهم في انغلاق بسبب تحريم التلفزيون
والانترنت والموسيقى والأغاني
والدراماو الصور والنحت ..
ما الخط المشترك الذي يجمع
الإبداع بالدين ؟
يقول ، بهجت العبيدي ، كاتب صحفي مصري مقيم بالنمسا :
إن الإنسان أسير المنظومة الفكرية والقيمية بالمجتمع الذي ينشأ ويتربى فيه، فحينما يطغى جانب من الجوانب الحياتية على جانب آخر، فإن هذا الطغيان يترك أثره واضحا جليا في نفس الإنسان ابن تلك البيئة، ولو عقدنا مقارنة بين المجتمع الأوروبي في القرون الوسطى وبين عالمنا العربي والإسلامي لوجدنا وجه الشبه الذي يعلن عن نفسه بوضوح شديد هو سيطرة المفهوم المنغلق للدين في كل من البيئتين، فكما هو معروف فلقد أطبقت الكنيسة إطباقا على جوانب الحياة في القرون الوسطى، وهو ما كان له أسوء الأثر على كافة مناحي الحياة في أوروبا بدءا من الناحية السياسية انتقالا إلى الناحية الاقتصادية وصولا إلى الناحية الاجتماعية، أما الناحية الثقافية والعلمية فلقد كانت ترضخ رضوخا تاما للمفاهيم التي تؤمن بها الكنيسة والتي تزعم أنها تتفق والكتاب المقدس، أو بالأحرى تتفق مع الفهم الشائع في تلك المرحلة البائسة للكتاب المقدس، وهو ما كان له أكبر الأثر في التخلف الذي كان يخيم على أوروبا العصور الوسطى، ونظرا لضيق المساحة المخصصة لنا هنا، فنحن نحيل القارئ الكريم ليتأكد مما نذهب إليه بمراجعة حرق برونو وقبله جبن كوبرنيكوس في نشر نظريته عن الفلك قبل مماته، وكذلك نحيل القارئ الكريم إلى محاكمة جاليليو جاليلي ليعرف إلى أي مدى كانت أوروبا الوسيطة تعيش في جهل مطبق، نتيجة للسيطرة المطلقة للكنيسة، هذا الذي نجد له شبها كبيرا في عالمنا العربي والإسلامي الذي وضع الدين فيه، بل فلنقل رجل الدين فيه، أنفه في كل شيء، بداية من دخول دورة المياه، والتي يطلقون عليها الخلاء، وما هي في الخلاء من شيء، فلأن الإنسان في العصور التي انقضت كان يقضي حاجته في الخلاء بعيدا عن تلك الخيمة التي يسكنها، فلقد استخدم ومازال يستخدم رجال الدين نفس اللفظة غير المتناسبة مع عالم اليوم حتى اللحظة، وفي ذلك دلالة كبيرة، نقول: إن رجل الدين يضع أنفه في كل شيء وفي كافة مفردات الحياة، ليس ذلك فحسب بل إنه يفتي فيما ليس فيه من دخل لرجل الدين، كما هو الشأن في الشأن العلمي أو السياسي أو الاقتصادي، بذريعة أن الدين اشتمل على كل شيء، وهنا، وإن كنا قد ذكرنا في بداية إجابتنا عن السؤال، أن الإنسان أسير المنظومة الفكرية والقيمية، فإن الإنسان العربي والمسلم تسلب منه قدرته على اتخاذ أي قرار، فإن كان كل شيء مرسوم له وكل كبيرة وصغيرة هناك لها شكل معين وأداء معين وحدود معينة، فإنه ولا شك ينشأ مسلوب الإرادة وليس لديه القدرة على اتخاذ أي قرار بمفرده، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ملكة الخيال عنده تقتل، كما ملكة الإبداع، وأن عليه أن يعود فيما يريد أن يدرس، وفيما يرغب أن يبحث ليأذن له رجل الدين في هذا أو ذاك، لأن رجل الدين قد سيطر على كل مفاصل الحياة وحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، وهذا بكل تأكيد يعيق حركة المجتمع خاصة إن كان رجل الدين هذا منغلق الفكر محدود الفهم!.
ويقول ، طارق سعيد ، كاتب وشاعر :
انهزام حكم الكنيسة في العصور الوسطى من أجل إفساح الطريق للعلم والمعرفة والحقيقة.. جملة محبطة رغم ما تعلق بآخرها من كلمات تحدد مصير البشرية "العلم، المعرفة، الحقيقة" لأنها تنقلنا نحن هنا في الشرق إلى خلف سياج القرون الوسطى بوصف الكنيسة رمز ديني متكتل يوازيه رموز أخرى تحمل نفس الخصائص نتورط نحن في واحدا منها ألا وهو الإسلام السياسي الذي يتشكل في صور عديدة كالحرباء كلما لزم الأمر ليصد هجمات التنويريين أو حينما يمر بطفرة في استراتيجياته على سبيل المثال القريب في الزمن "داعش" التي أبادت وهي تمشي في طريقها أجزاء من الحضارة البابلية والآشورية في العراق مثلا بذريعة حرمانية التماثيل الأنكى أنها تعلم جيدا بأنها لا تعبد ولن تعبد لكن آلتها الإعلامية كانت تصدر هذا المعنى من وقت إلى آخر، وطفت على سطح الإعلام وقتها أيضا أن قادة "داعش" كانت تبيع التماثيل الحقيقية بأرقام فلكية بينما تبث لنا أنها تهدم الكفر المتمثل في التماثيل.
المؤمنون هم الأكثر استخداما للخيال، وعطفا على هذه الرؤية يبرز الخط المشترك الذي يجمع الإبداع بالدين بوصف الإيمان خاصية أصيلة من خصائص كل البشر، فالإنسان يسعى للإيمان بشيء ما حتى يشعر بالطمأنينة في اتجاه العالم أو في اتجاه فكرة بعينها أو في اتجاه الشخوص.
* وهناك من يسعى إلى تغليب
الفكر النقدي
وإعلاء قيمة العقل ..
فما أبرز الأسماء التي تروق
لدى البعض في رحلة التنوير
وتحريك المياه الراكدة ؟
يقول ، أسامة الألفي ، كاتب صحفي وناقد أدبي :
بداية أقول إن "التنوير" مصطلح فضفاض مثله مثل مصطلح "العولمة" لا اتفاق على معناه أو مضمونه، وغالبًا ما يوظف حسب الأهواء ولصالح الأقوى، وقد كان الغربيون أكثر صدقًا مع الواقع والذات حين رفضه كثير منهم، ورأوا فيه تكريسًا لدكتاتورية الفرد، يستخدم لقمع خصوم النظام، وسوط الدولة في مواجهة المعارضين والذين تمثل أفكارهم وشعبيتهم خطرًا وتمردًا على سلطة صاحب القرار، وهو بالفعل ما يحدث ويحدث حاليًا في عالمنا العربي، إذ باسم التنوير جرت محاولات لإفساد العقيدة بين البسطاء بزرع أسئلة وأفكار وتفسيرات لا تمت للدين أو الحقيقة بصلة، وتشويه رموز دينية وفكرية كبيرة يجلها الشعب، عبر حملات ممنهجة طالت مفكرين ومشائخ أجلاء من أمثال الإمام البخاري والشيخ محمد الغزالي والشيخ متولي الشعراوي والشيخ د. أحمد الطيب ود.مصطفى محمود، ورموز أخرى، مما يوضح بشكل لا مراء ولا شك فيه أن التنوير عندنا مشروع فوقي سلطوي يعزز الدكتاتورية وسلطة الفرد على المجموع، ويغتال ما يخالفه من آراء وطروحات، فهو مشروع يخصي تعدد الفكر ويكرس فكر الواحد المستبد.
لهذا أرى أن تغليب الفكر النقدي وإعلاء قيمة العقل لا يكون بفرض رؤية لأقلية سلطوية على المجموع، وإنما بترك كل الأطياف تعبر عن نفسها وفكرها، فتعدد الرؤى يثرى الفكر وينير الدرب، وتقسيم المثقفين إلى تنويري وظلامي، يجعل المتلقى يقف حذرًا حائرًا في منطقة رمادية متجنبًا كلا الفريقين.
ولا أجد بين الموجودين حاليًا على الساحة مثقفًا يستحق أن يقال عنه إنه قادر على تحريك المياه الراكدة، فقد ولى عهد المثقف المسلح بالثقافة والعلم الحقيقيين، الصادق مع نفسه وغيره، وصار لدينا ثلاثة أنواع من المثقفين: مثقف النخبة "الانتلجنسيا" وهو منكفئ على ذاته لعجزه عن طرح فكره، ومثقف التكنوقراط" وهو مثقف مهني مؤسساتي، والمثقف السلطوي وهو ربيب السلطة وصنيعتها والمكلف بملف "التنوير"، وبالتأكيد لا يمكن لأي من أنواع الثلاثة بسبب واقع حالهم تحريك راكد مياه الثقافة.
إننا إذا أردنا أن نحقق حراكا حقيقيًا، علينا أن نبدأ التنوير بالتماس سيرة وطرق الرواد بدءًا برفاعة رافع الطهطاوي أول من أيقظ ونبه لأهمية تغليب الفكر النقدي وإعلاء قيمة العقل، ومرورًا بلطفي السيد وطه حسين والعقاد وعبد الرحمن بدوي ، وانتهاء بمصطفى محمود وجمال حمدان ومحمد عمارة، فتنوير هؤلاء استند إلى أرضية حدثت دون التخلى عن قيمها وجذورها.