أمينة خيري تكتب : السنة التمهيدى

أمينة خيري تكتب : السنة التمهيدى
أمينة خيري تكتب : السنة التمهيدى
 
تشرفت بأن قام الأستاذ الدكتور الجراح عمرو أبوثريا الطبيب وصاحب الفكر واللغة والرؤية والفلسفة والكتابات الرائعة بمشاركة مقال «لماذا نعمل؟» قبل أيام على صفحته. وخضعت الأفكار الواردة فى المقال لحلقة نقاش رائعة أنقل منها بعض ما ورد، وتحديداً على لسان دكتور محسن أحمد الذى كتب أن «المواليد نتيجة طبيعية للتراحم بين الزوجين، وإن تأجل الإنجاب، فيكون دائماً وأبداً السؤال عمن المعيوب فيهما، ووجب السعى لدى أهل الطب. وبالطبع، يواجه الزوجان حيرة الأهل ونظرات الاتهام للطرفين من أهل الآخر. أما الزوجان، فتجدهما وكأنهما يبرران ما هما فيه، ويدور أغلب إجابات عدم الإنجاب أو التأجيل فى فلك سلامة الأعضاء الجسدية، وليس مسؤولية قومية، أو حديث عن التدقيق فى مشروع بناء مواطن يبنى ويطور المجتمع. وفى حال وجود أبناء وبنات، فإن الأمانى تلاحقهما لا عن العمل والمستقبل وتحقيق الذات، بل متى أراكِ فى الكوشة؟ وليس متى أراكِ باحثة فى معمل؟ أو أستاذة فى معهد علمى كبير؟ أغلبنا لا يعى معنى مسؤوليتنا فى بناء المجتمع. لا نعى قيمتنا، أو أهمية دورنا أفراداً ومجموعات.
نحن مهمشون فى الشارع والعمل، وحتى جرت العادة ألا نكون حاضرين فى مجالس الرأى النيابية، وجرت العادة أيضاً على مدار عقود أن يكون الناتج عن هذه المجالس بعيداً عن آرائنا ومواقفنا. لن تستقيم الأمور قبل أن يعلم ويشعر المجتمع أنه المسؤول الأكبر عن البناء، حينئذ فقط، سيبدأ فى التحسين والتجويد فيما يعمل أو يقرر أو يفكر».
وأقول إن المسؤولية بالطبع تقع على عاتق الجميع: الشعوب والحكومات والأنظمة ومؤسسات الدولة. وأقول إن «السنة التمهيدية» فى تحمل المسؤولية من قبل المجتمع تكمن فى تحضير هذا المجتمع. ويحضرنى فى هذا السياق عبارة ترن فى أذنى وهى «اتحضر للأخضر» التى أسعدتنى كثيراً بسبب فعل «التحضير». فكم من مشروع عظيم وفكرة رائعة ومبادرة جبارة وئدت فى مهدها لأن «الشعب لم يكن متحضرا». والأمثلة كثيرة بدءاً بتنظيم الأسرة حيث غاب التحضير ثم أجهزت جهود «سلفنة» المجتمع ودفعه فى حضيض الرجعية والتزمت لتعرقل التنظيم، مروراً بتغيير وتطوير مفهوم التعليم والغاية منه لتجهز عليه «جروبات الماميز» الباحثة عن النمرة النهائية التى يحرزها «دودى» والتأكد من أن الامتحان فى مستوى «بودى» الذى حفظ وصم كالببغاء وانتهاء بالوعى البيئى والحفاظ على توازن النظم الإيكولوجية، بما فيها الهدر الرهيب فى استخدام الأكياس البلاستيكية، وغيرها كثير.
وكثيراً ما نشعر أننا ندور فى دوائر مفرغة. نعى أن لدينا أزمة فى عقيدة التعليم، نحاول أن نعالجها بتعديل الفكر وليس بزيادة عدد المدارس وتمكين المعلمين من المزيد من الدروس الخصوصية بأسماء شرعية، فتتعرقل المحاولات لأننا لم نجتز «السنة التمهيدى» لتغيير الفكر. لن يتغير شىء قيد أنملة طالما المطالب بالتغيير يعتبره قانوناً مفروضاً أو قراراً لم يشارك فيه أو فكرة لا يعيها، وللحديث بقية.