تتغلغل الشائعات في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، وتؤثر في توجهات أفراد المجتمع وتضعف روحهم المعنوية، وثمة شائعات تخلق البلبلة لدى الرأي العام وتفكك اللحمة الوطنية والقومية وتؤثر في مسارات الأحداث بكل أنواعها وأشكالها.
فالشائعة هي خبر أو قصة أو حدث يتناقله الناس بدون تدقيق أو تحقق من صحته، وغالباً ما يكون مبالغاً فيه بالتهويل غير الصحيح، وتنتشر الشائعة أكثر في وقت الأزمات والظروف الضاغطة، أو المثيرة للقلق، كالحوادث والحروب والجائحات والأزمات، وتتسع أكثر حين تُحاط بتعتيم إعلامي أو بالغموض، لذلك تصبح الشائعة أكثر انتشاراً كلما كان الموضوع هاماً، من ناحية، وغامضاً من ناحية أخرى، وتفشل الشائعة عندما تكون المعلومات حول الموضوع واضحة ومحددة، بينما يتوقف نجاح الشائعة على قوتها، حيث تنشط أكثر حين يكون الموضوع مهماً جداً للناس لحظة إطلاق الشائعة، بحيث تكون التركيبة النفسية للشرائح المستهدَفة جاهزة للاستقبال، والغريب اليوم أن وسائل الإعلام والاتصال تروِّج للشائعات لتحقيق المزيد من الانتشار، على عكس المبدأ المعروف أن الشائعات تختفي كلما كانت وسائل الإعلام أكثر انتشاراً..!
من أنواع الشائعات يمكننا أن نذكر: (الشائعة الزاحفة) والتي تنتشر ببطء وسرّية، و(الشائعة الاندفاعية) التي تنتشر بسرعة فائقة مستندة إلى مشاعر انفعالية عنيفة، و(الشائعة الغاطسة) التي تنتشر في ظروف معيّنة ثم تختفي وتغطس لتعاود الظهور في ظروف مماثلة، وهناك (الشائعة الأمل) التي تنتشر في الأوساط التي تتمنى تصديقها، و(شائعة الخيانة) التي تنتشر بصفة خاصة في أوقات الحروب والأزمات، حيث يلعب فيها الطابور الخامس دوراً فاعلاً، وتتركز عادة على الفئات المسؤولة عن المواجهة مثل القادة والجماعات المنظّمة،
وأخيراً (شائعة الخوف) التي تكثر في أجواء التهديد المولّدة للمخاوف، مثل الأمراض والأوبئة والغلاء والفساد، وذلك لدفع الخائفين إلى الاستسلام، وهذا ما يحدث الآن بعد انتشار "فايروس كورونا" المستجد، حيث نعيش، اليوم، أزمة حقيقية ذات أبعاد متشعبة، لعل أخطرها الإعلام المستسهِل وغير المهني الذي يستمد مادته من مصادر غير موثوقة، تؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية للناس، من خلال عمليات التضليل ونشر ثقافة الخوف واليأس وانعدام الأمان وبثّ الرعب في القلوب والنفوس.
وهنا يأتي دور وسائل الإعلام الوطنية في التوعية والشفافية والمكاشفة وتفنيد الشائعات وتوضيح أهدافها لا تجاوزها والسكوت عنها، وهذا يتطلب منا جميعاً أن نفكر بما نسمع، وندقق ما يُنقل لنا، ونعزز من ثقافة القراءة والإطلاع.
يجب ألا نُؤخذ بإبهار الصورة وإثارة الخبر، دعونا نعطي للعقل دوره في التحليل، وللمنطق مساحته في المحاكمة، دعونا نؤكد على اليقظة في البحث عن الحقيقة بتروٍ وحكمة، مع إدراكنا أن الحقيقة، في عصر المعلومات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، هي الضحية!
هامش: أشيع أن سقراط يُفسد عقول الشباب بما يطرح عليهم من أفكار وتساؤلات فلسفية مخرّبة للعقول، ونتيجة لتلك الشائعات تم حشد الرأي العام ضده والمطالبة بمحاكمته وقتله، وقد تحقق ذلك فعلاً حين تجرّع سقراط كأس السم نتيجة لتلك الشائعات التي تبيّن بطلانها فيما بعد!