رأيتك في الحلم بقلم المنتجب علي سلامي

رأيتك في الحلم بقلم المنتجب علي سلامي
رأيتك في الحلم بقلم المنتجب علي سلامي
 
((رأيتك - ياأبي- في الحلم اليوم- والله - وأنت عائد بوقارك وطيبتك إلى بيتنا القديم من سفر ، فأسرعت إليك فرحاً مشتاقاً لأنحني وأُقبّل يمناك الشّريفة))....
 
كم أحتاجك أبي الطّيّب اليوم أكثر من أيّ وقت مضى لأحدّثك وأحدّثك، وأشكو لك لساعاتٍ ، وأروي لك لساعاتٍ أخرى:
 ماذا فعلت بنا وببلدنا السّنوات العجاف وذئابها التي غدرت هذه المرّة بيوسف وأبيه عليهما السّلام وبإخوته الذين مازال القميص المظلوم يطاردهم ......
 بعد انتقالك وانتقال الطّيبين من أمثالك إلى عالَم الغيب عالم الحقّ والعدل....
أصبحنا جميعاً في سوريّة المُكرّمة التي قدّسْت أنتَ ومازلنا نحن نقدّس ترابها ، في قاع البئر تُمزّقنا خناجر الحصار ونحن نحلم متمسّكين بخيوط النّور بالحقّ والعدل !!؟
كم أحتاجك والدي الغالي  لأضمّك إلى صدري بقوّةِ اشتياقي إليك، دون خجل من هيبتك الأبويّة هذه المرّة ، وأذرف الدّموع الدّموع على كتفيك يا صديقي وياحبيبي ويارفيقي ويامعلّمي وياقدوتي ...يا أبي ....
لأقول لك موقّعاً على صفحة عمري بعبرات الحسرة والحنين:
 إنّ حياتنا نحن أبناءك المحبّون وأنت تتوّجها إنساناً بمحبّتك وخبرتك وثقافتك وتواضعك ونقائك وحبّك للمرح المعتدل والمزاح المدروس وميلك للبساطة الذكيّة، كانت جميلة جميلة وقد افتقدنا بغيابك عنها ضوءاً من ضوئك وشعاعاً من شعاعك وحياة من حياتك !!!
كم تحتاجك الآن حجارة بيتنا البازلتيّة القاسية الرقيقة التي غسلْتَها مرّاتٍ وعمّدتها مرّاتٍ أخرى بعرقك الشّريف ودموع آمالك، وأنت تهذّبها وتساعد في حملها و بنائها و تغطيتها حتّى أصبحت منزلاً صغيراً كبيراً تُحلّق في أرجائه البركة وتتدفّق السّعادة فيه وينام الدفء في حضنه وهو يضمّنا ويأوينا ويحكي لنا حكايا الجمال والصّدق والبساطة والضّيعة.....
 كي تعترف لك هذه الحجارة الأصيلة بأنّك علّمتها أن تلين و درّبتها أن ترقّ وتصبح كريمة وفيّة لمن تحميهم من البرد والحرّ والحاجة والمهانة.....
 شجيرة المليسة بعبيرها الفوّاح، وعريشة العنب الأبيض بشعرها الأخضر المُسرّح ،والبئر بقلبه الكبير العامر بماء الحياة أمام بيتنا ،اشتاقوا جميعاً لابتسامتك الملوّنة بالقناعة وقد نبعت من إيمانك بالحقّ ،واشتاقت لصوتك الذي ماغاب ذكر الله وتسبيحه وحمده من كلماتك المتضرّعات...... 
حقول أرضنا التي عشِقتَها فعشِقَتْكَ، فلم تخُنها ولم تخُنك ،ورحت تقضي أيّامك أغلبها وأنت تتغزّل بترابها وتداعب أغصان أشجارها المثمرة  بيديك المباركتين، ولفظ الجلالة العليّ القدير ماغادر شفتيك وما ترك  فؤادك سلامُه وسكينتُه.....
عكّازك الأمين ونظّارتك العجوز والمحبرة الحزينة وريشة الخطّ المنتظرة ومجلدات كتبتها يمناك بعد أن عانقتها روحك.....
كلّها تبكيك أيّها الغنيّ إنسانيّةً والفقير لله تعالى وتبارك....
رحمك الله والدي الحنون والسّلام لروحك الطّاهرة التي تحرّرت قويّةً راضيةً بإذن خالقها من زنزانة الجسد الضعيف الذي أرهقته الأوجاع وأتعبته عزائمك التي عجز بمرضه عن حملها......
  أنّى كنت ومتى كنت وكيف كنت....