بقلم د. سهام عبد الباقى محمد
باحثة أنثروبولوجية-كلية الدراسات الأفريقية العليا-جامعة القاهرة
كانت أولى جرائم البشرية على الأرض هى القتل حينما غٌدرَ هابيل على يد أخية قابيل فإنقطع نسل هابيل الأبن الصالح وبقي القاتل،ومن أجل إحداث توازنًا بين الخير والشر رزق الله آدم وحواء ولدهما الثالث وهو "شيت ابن آدم" وتعنى بالعبرية هبة الله، وبعد هلاك أبناء قابيل فى الطوفان أصبحت البشرية أبناء شيت مما يٌبطل ويمحو مقولة " كلنا أبناء القاتل" تلك المقولة التى كثيرا ما تٌستخدم لتبرير كثير من جرائم القتل والعنف والإضرار المٌتعمًد بالآخر،وجميع أشكال الشرور والآثام.ورغم إنتشار جرائم القتل فى كافة المجتمعات لدوافع إجتماعية،وإقتصادية، وثقافية أيضًا كجرائم القتل بدافع الشرف، والأخذ بالثأر خاصة فى المجتمعات العربية، تم تجريم القتل وتصدت له القوانين العٌرفية والوضعية،وتم سن التشريعات وتشديد العقوبات الخاصة به من أجل الردع والتخويف من إرتكابه ،وتقليل هذا النوع من الجرائم عبر سلسلة طويلة من الإصلاحات التشريعية .وقد أصبحت الآن الجرائم أكثر إنتشار بفضل التقدم التكنولوجى وتأثير العولمة على المجتمعات فلم تعد محصورة فى فئة عمرية معينة أو طبقة إجتماعية محددة، فالميول الإجرامية لا علاقة لها بنوع التعليم أو بالوضع الأدبى، والمكانة والاجتماعية لمٌرتكبيها مما يؤكد بالأساس أن جريمة القتل تؤكد إضطراب الجناة وعدم توازنهم النفسى، فضلا عن ضعف الوازع الأخلاقى والدينى لديهم. لذا عظّم الله تلك الجريمة وجعل قتل نفس واحدة قتل للإنسانية جمعاء لما لا وقد أبطل قتل هابيل ذريته وعطلها وقطع نسله. ورغم زيادة معدل إنتشار جرائم قتل النساء، بشكل لافت للنظر فى إغتيالات متتالية فى أماكن متفرقة من مصر وبعض الدول العربية،أصبح الجٌناة يحظون بقدر من التعاطف الشعبى اللا مٌبرَر واللا مٌمَنطَق بينما يكون اللوم والإدانة والإذدراء المجتمعى من نصيب الضحية الأنثى، لذا يقوم المتعاطفون مع الجانى بوضع تصور مٌتَخيل لأسباب القتل من إجل إضفاء صفة المشروعية علية فيتم حصر جرائم قتل النساء فى ثلاثة أسباب رئيسية لها ما يبررها على المستوى الإجتماعى والثقافى،وهى القتل بدافع الشرف للفتاة، وبدافع الخيانة الزوجية للمرأة المتزوجه، أو بدافع الإنتقام من الفتاة والتى لا بد أن تٌصنف إجتماعيًا كفتاة لعوب إستخفت بالقاتل وتلاعبت بمشاعره فإستحقت القتل. ولأن المرأة هى الفئة الهشة بالمجتمع وبكل المجتمعات من منطلق ثقافى، فى مقابل قوة الرجل التى رسختها الثقافة الذكورية عبر الأجيال من خلال قيمتى الذكورة، والرجولة. أصبح الرجل يشعر بإمتيازه على المرأة التى سٌحقت إجتماعيًا وبصفة خاصة لدى الأسر التى يغلب عليها الذكور فيصبح جزء من أفراد المجتمع رجالا ونساء بمثابة المتآمرين مع الجانى والمتصالحين معه لأن قيمه توافق قيمهم، أو من أجل حماية أبنائهم إذا مروا بنفس التجربة، فيتوحدون شعوريًا مع الجانى ويضعوه بمنزلة الإبن وهذا ما يفسر هذا النوع من التعاطف، رغم أن الأم هى بالإساس أنثى وإمراة وعليها أن تحترم أنوثتها وتدين بالولاء لبنات جنسها وأن تغرس فى أبنائها قيم الخوف من الله ومراقبته، وعليها أيضا أن تستغل تلك الحوادث لغرس قيم إحترام المرأة فى شخصها بدلا من أدانتها. لذا يختلط الحابل بالنابل وتأتى ردود الأفعال وفقا للأهواء فى جريمة نكراء كالقتل، حيث لا مجال فيها للشفقة والرحمة بمن إستحل إزهاق روحًا وهو مطمئنًا بالتأييد والدعم والتعاطف المجتمعى، ولعل هذه الظاهرة تعكس ما أصاب النسق القيمى من عوار حيث لم يعد الصواب والخطأ والقيم والعادات والتقاليد بصفتها أدوات للضبط الإجتماعى هى المعيار الوحيد لتقيم السلوك الاجتماعى ومع كثرة تلك الجرائم وسرعة انتشارها وتكرارها بدا التعامل معها وكأنها من المسلمات ونتيجة طبيعية وسمة أساسية من سمات عصر التكنولوجيا، والعلاقات الإفتراضية التى لا تركن إساس إحتماعى متين، لذا فمن يؤيد القتلة ويتعاطف معهم يساهم فى إنتشار معدل الجرائم فى المجتمع، ومن يؤيد الرذيلة ويدعو إليها يكون أكثر سوء ممن يمارسها ومن ينظر لحالتى الذكورة والأنوثة على أنها تميز جنسى فقد غلبت عليه شقوته فانتهج نهج الجاهلية وتخلق بأخلاق الجاهلية.