إبراهيم الديب يكتب : قراءة انطباعية في كتاب"معا على الطريق" محمد والمسيح

إبراهيم الديب يكتب : قراءة انطباعية في كتاب"معا على الطريق" محمد والمسيح
إبراهيم الديب يكتب : قراءة انطباعية في كتاب"معا على الطريق" محمد والمسيح
قراءة انطباعية في كتاب"معا على الطريق" محمد والمسيح
(الأنبياء إخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد)
 
 
كتاب للمفكر الاسلامي الكبير "خالد محمد خالد" من المعروف أن المفكر الموسوعي هو هضم تراثه واتطلع على الكثير من فكر وتراث الإنسانية قبل أن يتمثل كل ذلك ثم يقوم بتناوله نقدا وشرحا وتحليلا ثم يلقي الضوء على مواطن الضعف والقوة بداخل هذه الثقافة وعلى ما نبقي منها  بعد غربلتها من وجهة  نظره وما نتركه بعد أن أدى دوره وأعتقد أن خالد محمد خالد من هذه النوعية المفكرين أو أحسبه كذلك.آخر ما انتهيت من قراءته مؤخرا  كتابه المذكور أعلاه، فقد تعودت منذ فترة أن أقتطع جزء كبير من وقتي أخصصه للقراءة في شهر رمضان للكتب الدينية، مقارنة مع غيره من الشهور الأخرى، وأفضل أن تكون لمفكرين  موسوعي الثقافة كالعقاد، وزكي نجيب ،وطه حسين،.أسلوب المؤلف في الكتابة  يحتوي على:  مسحة صوفية قد تكون من كثرة قراءاته في كتب المتصوفة أو أهل الله كما يطلق عليهم، أما السرد فسلس سهل رشيق جذاب ينطوي على فقرات أقرب للشعر منها للنثر، يدهشك أسلوبه الساحر حتى لو لم يكن هناك موضوع ، أو فكرة يريد توصليها.أما سبب تفضيلي قراءة الكتب الدينية لمفكربن وفلاسفة من وجهة نظري أن المفكر أو المثقف الموسوعي عندما يكتب في الدين بحكم تكوينه بهمه الوصول للحقيقة أكثر من الإنتصار لدينه ، قبل أن يلقي الضوء على الضوء الموضوع الديني الذي يتناوله و يلقي في نفس الوقت على :علاقة موضوعه وفكرته ببقية العلوم الاخرى التي هي وثيقة الصلة بها أى فكرة أو موضوع الدين: مثل علم النفس والاجتماع والأخلاق أو التنمية البشرية .. فهذه العلوم غالباً همها الأول وموضوعها الأساسي الإنسان الذي نزل الدين من السماء إلى الأرض من أجله لينظم حياته وفقا لدستور الشريعة التي بعث بها نبي الفترة أو الحقبة التاريخية التي تحياها الأمة البشرية في مكان ما على الكرة الأرضية منذ فجر التاريخ .من وجهة نظري أن بعض علماء الدين  منهم من يقع  في كثير من الأحيان تحت فكرة الانتصار لدينه وهذه الفكرة شائعة في الكثير منهم ونعاني في مجتمعاتنا من تأثير هذه الثقافة  ، أما المفكر فهو أقدر على مقارنة موضوعه أو فكرته التي يتناولها عرضا ومناقشة من كثير من علماء وليست الغالبية بالطبع فلكل قاعدة استثناء كما يقولون فهو يتمتع أي المفكر بسعة أفق أكثر ورحابة فكر ويبحث عن التسامح الالتقاء في الثقافات والأديان الأخرى فهو يبني على ما يجمع أما بعض علماء الأديان وهم استثناء كما ذكرنا يبحثون عما يفرق ولا يجمع ، المفكر  يبحث تأثير  موضوعه أو فكرته بعد توافقها وانسجامها لتشكل وشيجة واحدة تشق لنفسها طريقا في مجرى الحياة العام لتصبح إضافة للثقافة الإنسانية بما تحمله من إرث مشرتك بينهم و للتقريب في نفس الوقت بين البشر و بداخل منظومة الثقافة الشاملة، لأن المثقف الموسوعي على دراية بهذه العلوم  أكثر من علماء الدين نسبياً .ركز المؤلف أستاذنا خالد محمد خالد  الذي تخطى دينه وثقافته ليكتب مؤلفه هذا بسماحة منطلق من ثقافته الإسلامية التي تستوعب الفكر  الإنساني فهو لا يتعارض مع مبادئها السمحة، فقد حرص المؤلف على إبراز الخطوط العامة ووشائج القربى والتماثل بين الرسالات السماوية وخاصة المسيحية رسالة عيسى التي غلبت عليها النزعة الروحية للتخفيف من طغيان المادة بداخل الديانة اليهودية وطمسها تحت ركام من طقوس شكلية خالية من الروح  على يد كهنتها  وأخبارها لكي تسري تعاليم عيسى بداخل اليهودية بمثابة الجانب الروحي لها، فأبوا أن يقبولها، أما الشريعة فهي معهم منذ نزولها في الألواح ، أبرز المؤلف أيضاً نفس الجانب من رسالة  محمد عليها الصلاة والسلام ، وأن فحوى رسالتهما أنهما  أكدا على تحرير الإنسان عتقه روحياً من: الجهل ,والخرافة, والشعوذة, التي: سيطرة على العقول تشكل عقيدتهم و معرفتهم المغلوطة عن الحياة والكون بل وعن أنفسهم، التي تستغلها الطبقة الحاكمة لسحقهم روحيا واستعبادهم دنيويا وإقناعهم بأنهم خلقوا  من أجل العبودية لا يتمتعون بأي حقوق الا ما يتركه لهم الحاكم من فتات وليظلوا في الحضيض وكأنهم يمنون عليهم يتركهم أحياء .عرض المؤلف نصوص من القرآن الكريم والإنجيل وأحاديث" محمد صلى الله عليه وسلم" وأقوال عيسى عليه السلام تدلل وتبرهن على وجهة نظرهما  بقوة واستفاضة حتي يشعر القارئ أنه لم يعد بحاجة القراءة عن هذا الموضوع مرة أخرى.
من هذه النصوص..
لعيسي عليه السّلام الذي عاش بين البشر كنسمة زهرة في فجر الربيع..
(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)
(إنما جعل السبت من أجل الإنسان ولم يجعل الإنسان من أجل السبت)
(طوباكم أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله)
حشد  المؤلف أيضاً الكثير من أحاديث الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام .
من أجمل ما جاء وقرأته في الكتاب هو تركيز محمد والمسيح عليهما أفضل الصلاة والسلام على الفرد أو المواطن المهمش أو البسيط التي تتكون المجموع البشري للأمة وحرصهم على تبصيره بنفسه بحقوقه المادية والروحية لأن الأمة القوية هي يتمتع مواطنيها المهمشين الذين يمثلون الأغلبية والقاعدة العريضة بحقوقهم فهم دعامة الأمة وقوتها الحضارية، فكان عيسى عليه السلام يقضي غلب وقته مع هذه الفئة من الشعب وعلى منواله يسير ويقوم بذلك شريكه وأخوه في مشكاة النبوة والإنسانية محمد بن عبدالله صلى عليه وسلم في نفس الطريق ، فعندما طلب منه اثرياء مكة ووجهائها الجلوس معه أرسلوا إليه وأخبروه برغبتهم في ذلك ولكنه علية الصلاة والسلام طلب منهم على لسان رسولهم أن يمهلوه يوماً ليفكر أو ينزل عليه وحي فأخبرهم في الغد برفضه القاطع بأوامر السماء (ولا تطرد اللذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شئء وما من حسابك عليهم من شيء. فتطردهم ، فتكون من الظالمين)
وقال عليه الصلاة والسلام..قمت على الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين.
وقال أيضا..ابغوني – أي اطلبوني في- ضعفائكم...