مدحت بشاي يكتب : مصطفى أمين .." فكرة " لا تموت

مدحت بشاي يكتب : مصطفى أمين .." فكرة " لا تموت
مدحت بشاي يكتب :  مصطفى أمين .." فكرة " لا تموت
عندما غادرتنا " فكرة " ورحل صاحبها منذ ربع قرن من الزمان في 13 أبريل
مدحت بشاي يكتب : 
مصطفى أمين .." فكرة " لا تموت
 
 
عندما أحزن صاحب العمود الأشهر " فكرة " تعالي ظاهرة اهتزاز عرش مملكة الحب في وجدان ومشاعر المصريين ، لم يتصور صعوبة وقع  مشهد لجنازة مصرية لا يشيعها سوى 3 رجال فقط .. حدث ذلك يوم 4 نوفمبر 1974 ، وعندما سأل عن سبب ندرة مشيعى هذه الجنازة ، عرف أن المتوفي رجل عجوز بلغ السبعين من عمره لم يكن يحب أحدًا أو يحبه أحد ، فكان إطلاقه " فكرة " تخصيص يوم لعيد الحب لبث روح السلام والدعم المعنوي بين الناس خلال فترة كان يعانى فيها المصريون من حرب ضروس ضد الإرهاب والحزن على الشهداء والأزمات الطاحنة .. إنها " فكرة " لا تموت ..
نعم ، وكيف تموت " فكرة " تخصيص يوم للأم أطلقها صاحبها بعد مقابلة مع سيدة مسنة من أهل " شارع الصحافة " اشتكت فيها لمحرر " فكرة " مصطفى أمين في خمسينيات القرن الماضي من قسوة وبشاعة جحود أولادها ، فكان طرحه " فكرة " الاحتفال بعيد الأم ، قائلًا : " لماذا لا نتفق على يوم في أيام السنة نطلق عليه                " يوم الأم "، ونجعله عيدًا قوميًا في بلادنا ، وفي مثل هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرًا ..
وظلت " فكرة " تتابع الشأن السياسي المصري .. يقول محرر " فكرة " : عندما ألف الرئيس أنور السادات " الحزب الوطنى " فوجئت بأن أعضاء " حزب مصر " الذى كان يؤلف الحكومة تركوا حزبهم وانضموا إلى حزب الرئيس ، فكان تعليقي على الحدث في عمودي " فكرة " إننى كنت أتمنى لو أن أعضاء مجلس الشعب لم يهرولوا إلى الانضمام لحزب الرئيس ، الجديد ، وكنت أتمنى لو أنهم انتظروا حتى يُعلن السادات برنامج الحزب ، فيبحثونه ويدرسونه ثم يقتنعون به ، وبعد ذلك يقررون الانضمام إليه بعد أن يحصلوا على تأييد ناخبيهم بعد أن يذهبوا إليهم ويتحدثوا معهم عن رغبتهم في تغيير لونهم الحزبى الذي حملوه في المعركة الانتخابية ، و في أوروبا النائب يستقيل ويرشح نفسه مرة أخرى للحزب الجديد لإعادة انتخابه ، ثم ما هي حكاية إن اتحاد العمال يتبرع بـ 27 ألف جنيه لحزب الرئيس ، مع أن القانون يمنع تبرع النقابات إلى الأحزاب ، فهل من أجل حزب رئيس الجمهورية يخالف القانون ؟!
إنها " فكرة " ، وأذكر أن والدي رحمه الله كان يداوم الاطلاع على قراءة جريدة " الأخبار" بداية من الصفحة الأخيرة حيث عمود " فكرة " يوميًا بشغف وامتنان وتقدير لكاتبها ، بل وبحرص على أن يقوم بقراءتها بصوت عالي بعد دعوتنا لنتحلق حوله وأمي في طقس يومي ، وإذا استدعى الأمر قراءة ماوراء السطور كان يتوقف عن القراءة بين الفقرات لتوضيحها بفخر وسعادة بكاتبه المفضل ..
عن " فكرة " يذكر " مصطفى أمين " : إنني أكتب كما أتنفس ، وقبل أن أمسك القلم لا تكون عندي فكرة عما سوف أكتبه ، ولكننى بمجرد أن أمسك القلم أكتب على طول ولا أتوقف ولا أشطب. .. أكتبها فى عشر دقائق تحت أي ظرف .. في القطار ، في الطائرة ، في حجرة بها 20 شخصًا، وكنت أكتب وأنا في الزنزانة ..
يقول مصطفى أمين للكاتب " إبراهيم عبد العزيز " متذكرًا حكاية الأعمدة في الصحافة المصرية : أذكر العمود الذى بدأت أقرأه وأنا صغير ، كان عمودًا لواحد اسمه " جورج طنوس " في جريدة " كوكب الشرق " ، وكان عمودًا ساخرًا ، كما كان هناك أيضا عمود " فكري أباظه " في " الأهرام " وكان يأخذ عمودًا ونصف عمود ، وكان ناجحًا جدًا لدرجة أنه يوم ظهوره كان يُعتبر موازيا لخبر تأليف وزارة أو سقوط وزارة ، ثم بدأت أقرأ بانتظام لأحمد الصاوي محمد ابتداء من سنة 1930 عموده " ما قل ودل " ، وكان عمودًا ناجحًا ، فقد جاء من باريس و راح يحكى عن تجاربه ، ثم انتشرت الأعمدة فى الصحف ، أما " فكرة " فقد بدأت عندما أصدرت أنا وأخى على أمين جريدة" الأخبار " 1952 ورأينا أن الصفحة الأخيرة لا يقرأها أحد ، فقلنا ليكتب فيها أحد رؤساء التحرير عمودًا يوميًا بالتناوب خلال أيام الأسبوع ..
.. وحول تبعات ما كانت تسببه " فكرة " من أخطار مهنية ، يذكر الكاتب ساخرًا " السادات كان يمنع النشر عندما يغضب ، وأما حسني مبارك فيهاجم الكاتب الذى يغضب منه كما حدث معي وهاجمني في التليفزيون دون أن يسمي، فقال : كاتب كبير و أنا معجب به وهو فى سن والدي ، إزاي يستعمل كلمة                         " خازوق " ويقول إن منصب وزير مثل " الخازوق " ، فرددت عليه وقلت : أنا مبسوط جدًا إن رئيس الجمهورية يهاجمني لأنه إذا كان من حقنا أن نهاجم الحكومة كصحفيين ، فمن حق رئيس الجمهورية أن يهاجم الصحافة ، لكن لو كنا نطالب أن يكون لنا فقط نحن الصحفيين حق الهجوم ، تبقى ديكتاتورية ، ونحن كما نرفض ديكتاتورية الحكومة نرفض ديكتاتورية الصحفيين .. " ..
ويرى صاحب " فكرة " أن مايكتبه في عموده ليس مجرد نقد أوهجوم ، ولكنه يرى أنه أنصف الكثير من المظلومين ، ورد حقوق ناس ، ويكفي أن الرئيس السادات أصدر أمرًا عسكريًا لمنع الشقق المفروشة ، فكتب يقول له : كيف تقول ديمقراطية ثم تصدر أوامر عسكرية ، أفهم أن يصدر قانون يُبحث في مجلس الشعب لمنع الشقق المفروشة أوالاتجار فى الشقق المفروشة ، أويمنع امتلاك أحد أكثر من شقة مفروشة ، ولكن لا أفهم أن أحرم أرملة أو موظفة مرتبها محدود ، من استغلال شقة مفروشة لتصرف على 5 أولاد يتعلمون في الجامعة ، إنهم الآن يطردون سكان الشقق المفروشة محتجين بالأمرالعسكري ، ليؤجروها بإيجار أعلى ، كأن هذا الأمر صدر ليضاعف أرباح شقق الجشعين وبعض الذين يملكون تسع أو عشر شقق مفروشة في مدينة القاهرة ، إننا نريد قانونًا يضرب على يد تجار السوق السوداء في الشقق ،لا قانونًا يزيد من عدد المشردين في الشوارع ، 
ولم يغضب السادات ، واستجاب لما كتبت وألغى الأمر العسكري ..
وقد كان لمصطفى أمين وشقيقه " علي " العديد من النشاطات الخيرية والاجتماعية ، فنفذ الشقيقان                " أمين " مشروعًا خيريًا أطلقا عليه " ليلة القدر " ، بدأ مشروع " ليلة القدر" في 15 فبراير 1954 بمقال نشره " مصطفى أمين " في أخبار اليوم جاء فيه " في قلب كل إنسان أمنية صغيرة تطارده في حياته وهو يهرب منها إما لسخافتها أو لارتفاع تكاليفها ، فما هي أمنيتك المكبوتة ؟ ، أكتب لي ما هي أمنيتك وسأحاول أن أحققها لك ، سأحاول أن أدلك على أقصر الطرق لتحقيقها بشرط ألا تطلب مني تذكرة ذهاب وإياب إلى القمر وقد حقق هذا المشروع الكثير من النجاح حيث انهالت على الجريدة العديد من الخطابات ، وتم تلبية طلبات العديد من أصحاب الاحتياجات ، وتوسع هذا المشروع بعد ذلك وتفرعت أنشطته ..
وحول ما حققه  مصطفى أمين من نجاح ساحق في العمل الخيري ، وهل هي مهمة الصحافة ، قال الكاتب والباحث الرائع مصطفى عبيد : " هذه المبادرات ظهرت أيام جمال عبدالناصر في ظل وجود قيود على الصحافة ، وكان يبحث عن دور جديد ربما يعوض للدور الغائب للصحافة الحقيقية التي تدافع عن الحرية وهموم الناس، وهو لم يكن صحافيا معارضًا لأي سلطة إلا في السنوات الأخيرة في حياته خصوصًا عقب خروجه من السجن ، وفكرة عيد الأم لما دعا إليها عبدالناصر حتى استغرب وتحفظ على الفكرة وقال له نعمل عيد الأسرة ، ولكن لما طرحها صحافيًا الناس احتفت بها وأصبحت سُنة حسنة تقتدي بها الناس ، وحتى تجاوزت مصر إلى معظم دول العالم العربي مثل الجزائر ، وخلود الفكرة حتى وقتنا هذا ستبقى وتقترن باسم مصطفى أمين " ..
ومن المقالات الطريفة التي كتبها " مصطفى أمين " ماجاء  بعنوان " التابعي أبو آخر ساعة " في يونيو 1948 .. كتب في فقرة فيه :
لقد عطل "محمد محمود" باشا روز اليوسف عدة مرات ، وأصدر التابعي مجلة " الرقيب " فعطلتها الحكومة بعد أسبوع ، ثم أصدر مجلة " الشرق الأدنى " فعطلتها الحكومة بعد 23 عددًا ، وأصدر مجلة " مصر           الحرة " فعطلت بعد 13 عددًا!   .. وفي سنة 1930 تولى صدقي باشا رئاسة الوزارة فعطل " روز اليوسف " ، فأصدر التابعي مجلة " البرق " فصدر العدد الأول وعطلها صدقي باشا وصادر العدد الثاني!  .. وأصدر مجلة " مصر الحرة " فعطلها صدقي باشا بعد عدد واحد بحجة ان مجلة " روز اليوسف " مستترة وراءها ... وأصدر التابعي مجلة الربيع ، وكتب فيها أمراً بتعطيلها ليربح صدقي باشا من كتابة أمر التعطيل .. وعطلها صدقي باشا أيضاً بعد عدد واحد  !... ثم أصدر مجلة الشرق الأدني وكتب فيها بالخط العريض" اللي اختشوا! هذه المجلة تصدر بدلًا من روز اليوسف ، عطلها بأه! "  .. وفعلًا عطلها صدقي باشا بعد عدد واحد  !.. وأصدر التابعي بعد ذلك مجلة " الصرخة " ومكث يصدرها تسعة شهور ، ثم عاد يصدر " روز اليوسف " من جديد إلى أن استقال من تحريرها في يوليو سنة 1934 ليصدر آخر ساعة..  واستأجر التابعي مجلة الطيارة ، واطلقت أنا عليها اسم آخر ساعة ثم حصل على امتياز آخر ساعة وكانت هذه أول مرة تصرح له الحكومة بأن يكون صاحب جريدة .. مع أنه حاول ذلك من سنة 1925 الى سنة 1935!! .. وعطلت آخر ساعة بعد ذلك عدة مرات  ..وفي اثناء هذه السنوات حُكم على التابعي ثلاث مرات ، مرة بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ لإهانته بعض ملوك أوربا، ومرة بالسجن أربعة اشهر مع النفاذ لأنه انتقد أحمد علي باشا وزير العدل في وزارة صدقي باشا ومرة بالسجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ لأنه عاب في حق صاحب السمو الملكي الامير محمد علي ..
قدم مصطفى أمين خلال حياته العديد من المؤلفات القيمة نذكر منها :
ست الحُسن ، لكل مقال أزمة ، أسماء لا تموت " مشاهير الفن والصحافة " ، صاحبة الجلالة في الزنزانة ، صاحب الجلالة الحب ، لا ، بين الصحافة والسياسة ، من عشرة لعشرين ، من واحد لعشرة ، معبودة الجماهير ..
جائزة مصطفى وعلي أمين الصحفية : أنشأت جائزة مصطفى وعلى أمين الصحفية والتي تُعتبر بمثابة التتويج الحقيقي لمشاعر الأب الذي يحتضن أبنائه ويشجعهم ويحفزهم على مزيد من النجاح في بلاط صاحبة الجلالة ولم يقتصر هذا التكريم على الصحفيين بل امتد للمصورين ورسامي الكاريكاتير وسكرتارية التحرير الفنية وأيضا الفنانون ، ومن الفنانين الذين حصلوا على جائزته فاتن حمامة ويحيى الفخراني ونور الشريف وعبلة كامل ويحيى العلمي وعمار الشريعي وغيرهم ..