محيي الدين إبراهيم يكتب : كيف أتصالح مع نفسي ؟

محيي الدين إبراهيم يكتب : كيف أتصالح مع نفسي ؟
محيي الدين إبراهيم يكتب : كيف أتصالح مع نفسي ؟
سؤال يكاد يكون لسان حال الكثير .. هو يعرف الإجابة .. لكن تربية ( الخوف ) في مجتمعنا الشرقي خاصة تربية المرأة .. تدفع الناس ( للخوف ) من تنفيذ مسألة التصالح مع النفس بكل حزم .. لأنها ستفقده جزء ممن يعرفهم في مجتمعه ..خاصة وأن مسألة المعرفة في شرقنا المجهد تعتمد على ( الحميمية ) .. لا نستطيع وضع حدود نفسية فيكون هذا صديق حميم .. وهذا صديق .. وهذا مجرد صديق .. وهذا زميل وهذا أخ وهذا جار.. نخلط المسائل والعلاقات حتى نساهم في إحداث فوضى في أعماقنا لا نستطيع الفكاك منها بسبب التزامات نتجت عن هذه العلاقات المتداخلة في تشوه واضح .. وكلها بسبب تربية لم تقم على أسس بل قامت على انفعالات .. فأصبحت حتى العلاقات الزوجية قائمة على انفعالات وليست قائمة على ( وعي ) .. فنفشل عند أول اختبار يختبر وعينا ( الغير مدرب ) ونسقط في مخالب الحزن.
أول خطوة للتصالح مع النفس هي قطع العلاقة بشكل كامل وليس بشكل جزئي وبكل حزم وحسم مع أي شخص أدركت أنه لا يسبب لك سوى الحزن ونقد تصرفاتك والضغط عليك بالتزامات تأبى نفسك أن تعيشها حتى لو وصل الأمر أن تستبدل الجميع ( بكلب ) يعيش معك تحت سقف واحد كما يفعل أهل الغرب الأوروبي والأميركي .. إلى أن تعيد ترتيب أوراقك باختيار مجتمع جديد يشبهك .. هذه العملية الجراحية للنفس ستدفعك في بدايات حدوثها أن تشعر بألم شديد في وجدانك .. شعورك .. قلبك .. لكن مع تدرج زوال الحزن بتدرج زوال المتسببين فيه .. ستطل عليك شمس يوم جديد لتجد نفسك إنسان مختلف .. إنسان أكثر إنسانية .. أكثر حرية .. أكثر إبداعاً.
 
 
 
 
كأنك تسبح في ملكوت خاص
في أحلك لحظات العتمة .. حينما لا تستطيع أن ترى أصابعك .. تسمع صوتك .. تفقد القدرة على ابتلاع نسمة هواء .. لحظتها .. ينتابك فيض نور .. خيط يبدأ بنقطه في فراغ محيطك .. ينبثق كوردة .. ثم تومض الوردة .. تومض بألوان كألوان قوس قزح .. ومن رحم الوميض تلامس سطح صدرك .. حتى تتحول إلى خيط .. يخترقك كطلقة رصاص تستقر في غرفة القلب .. حتى تغشى القلب .. فتتجلى عليك من عالم الروح .. روح .. فتستشعر الأنس بها .. أنس يحول كل ( العتمة ) إلى .. احد عشر كوكباً .. وشمس .. وقمر .. لنهبط جميعاً من خشيته في سجود مطمئن .. كأنك تسبح في ملكوت خاص .. ليس كملكوت السماء .. ولا ملكوت الأرض .. إنما ملكوت خاص .. أضواء تلاحقها وتلاحقك .. ملكوت كأنه العشق .. وعشق كأنك تراه .. فتنظر إلى انسحاق حزنك لا ينشزه .. ولا تكتسى عظامه لحماً .. فقط يتم إنشاء الفرح نشوءاً آخر .. كأنها البداية من جديد .. أو كما بدأ أول خلق .. يعيده !!
 
 
 
قبل فوات الربيع !!
( قصة قصيرة جداً من واقع أحداث حقيقية )
لم تقوى على النهوض من سريرها .. فقدت الوعي .. هكذا دون أي تمهيد أو سابق إنذار .. شك أن ذلك بسبب سوء تفاهم حدث بينهما بالأمس .. هو دائماً لا يرتاح لبعض أسئلتها المتكررة .. تريد أن تعرف كل شئ .. كل شئ .. لكن .. لم يكن يتصور أن سوء تفاهم ( صغير ) من وجهة نظره .. يمكن أن ينال منها بهذه السهولة .. لم يدري ماذا يفعل .. فجأة وجد نفسه لأول مرة خائفاً .. فجأة وجد نفسه يخشى أن يفقدها .. فجأة صرخ في وجه الطبيب على الطرف الآخر للتليفون أن يحضر حالاً .. أن يترك حياته نفسها ويأتي .. لم يصدق مسألة الانهيار العصبي المؤقت .. لم يصدق أنه يجلس وحيداً لا يفكر إلا في أن تنهض من غيبوبتها وتصفعه على وجهه .. لم يصدق أنه يشعر باليتم وكأنها لم تكن زوجته بل أمه وعمره ومحيطه .. لم يصدق أنها كانت كل البشر .. ظل شهر ونصف ساهراً بجوارها كالطفل الذي يخشى إن غاب عن أمه تخطفه ( أمنا الغولة ) .. كان ينظر لعينيها الذابلتين أسفل جفونها المغلقة ويتذكر كل ما مر به معها من أحداث .. كيف وافقت أن تكون زوجته .. كيف قالت له أن أبنهما يشبهه تماماً لأن المرأة إذا أحبت صار الولد يشبه أبيه .. حين سافر أول مرة تاركاً إياها في منزل والدها فقالت له أن منزلها في قلبه وتمنت أن يعود سالماً حتى تعود هي من غربتها في غيابه .. نظر لجسدها المستسلم للنوم والمرض وبكى .. كانت المرة الأولى التي يعرف فيها طعم البكاء .. المرة الأولى التي يخشى فيها السقوط .. المرة الأولى التي يستشعر عظمة حبه لها .. في اليوم السادس والأربعين .. كان يستلقي بجوارها منتظراً ميعاد جرعة الدواء ليعطيها لها .. كان يمسك بألبوم صور الزفاف وهي بفستان الفرح .. لأول مرة يلاحظ أنها تمسك ذراعه بكلتا يديها .. فجأة .. سمعها بصوتها الضعيف وهي تقول: تلك عمتي التي تقف بجواري في الصورة وكانت دوماً تحذرني منك .. لم يصدق أنها استفاقت .. لم يصدق أنها تكلمه .. لم يصدق نعمة أنه يسمع صوتها .. قفز كالعصفور من شدة الفرح حتى اصطدمت رأسه ( بالنجفة ) المعلقة في سقف الغرفة فشجت رأسه .. لم يشعر بالألم .. كل ماكان يشعر به هو أنه أخذ يرقص في الغرفة كالمجنون .. يصرخ .. يضحك .. يقفز .. ثم هدأ فجأة .. انحنى على ركبتيه بجوار جسدها المستلقي في ضعف .. قبل رأسها .. رفع كفيها إلى فمه .. ثم أغرق رأسه في صدرها وهو يقول لها بكل صدق الرجل: آسف.