عمرو الزيات يكتب : أنا والسحور ٢

عمرو الزيات يكتب : أنا والسحور ٢
عمرو الزيات يكتب : أنا والسحور ٢
في إحدى الليالي الرماضنية المباركة خرجنا بعد صلاة القيام؛ لنفعل كما كنا نفعل كل ليلة من ليالي الشهر الكريم؛ حيث يحلو السهر، ويطيب الحديث حول الأدب والثقافة.
كان من بين أصدقائي صديق جم الخلق عاشق للأدب عموما، والشعر خصوصا، كان في عامه الجامعي الأخير بكلية التربية قسم اللغة العربية، كان رجلا محبا للعربية مدافعا عنها، في تلك الليلة قال لي: عندي لك مفاجأة، وكان بيده وريقات مطوية، قلت له: هتاتها يا حبيب، فإذا بصديقي قد كتب مسرحية شعرية من وحي شخصيات واقعية من بلدتنا؛ كان بطلها وهو رجل ما من أحد إلا يعرفه، قد أجمع أهل بلدتنا على وصفه بالبخل والشح، وقد عرَّفَ الأصفهانيّ البُخل بأنَّه إمساك مُقتَنَيات الإنسان عن الأمور التي لا يحِقُّ له أن يحبسها عنها. وعرَّفَ الجرجانيّ البخل أنَّه مَنْعُ الإنسانِ المالَ عن نفسه. كما عرَّفَ ابن حجر البُخل على أنَّه مَنْعُ الإنسانِ لما يُطلَب منه ممّا يقتنيه، وشرُّ البُخل ما كان طلبُه مُستحَقّاً، وخاصة إن كان من غير ماله. عرَّفَ الفيوميّ البُخل على أنَّه مَنْعُ الواجبِ. وقد عُرِّفَ البُخل على أنَّه مَنْعُ ما لا يَضُرُّ دَفْعُه، ولا ينفعُه إمساكُه، كما عُرِّفَ على أنَّه مَنْعُ الأمرِ الواجبِ، وقيل في البخل أنَّه رؤيةُ الإنسان المالَ الذي يُمسِكُه شَرَفاً، والمال الذي يُنفِقُه تَلَفاً، كما قيل إنَّ البخل هو إمساك المال الذي يَجبُ بَذْلُه في حُكْمِ الشرع، مثل: الزكاة، والهديّة للأقارب، أو الجيران، أو الأَصدقاء. والشُّحُّ لُغةً هو البُخل مع الحِرص، أمّا في الاصطلاح فتعريفُه لدى الأصفهانيّ: هو البُخل مع وجود الحِرص كعادة. وتعريفُه لدى الطبريّ: هو الإفراط في الحِرص على الأمور.
طاب الحديث حول هذا البخيل، وأخذ كل منا يعدد نوادره وظرفه؛ فهو – رغم بخله – كان ظريفا ماكرا.
أما عن المسرحية التي كتبها صديقنا، وهي موضوع مقالنا فقد أتقن صديقنا كتابتها، والمسرحية هي قصّة تُمثّل على المسرح وتعرض فكرة أو موضوع أو موقف من خلال حوار بين شخصيّات متعددة، ومن خلال الصراع القائم بين الشخصيّات يتطور الموقف حتى يصبح معقّداً جداً، ثم يستمر تطوّر الأحداث حتى انتهاء التعقيد والوصول إلى النهاية المسرحيّة المناسبة.
وقد راعى صديقنا كل أبعاد الشخصية: 
البعد المادي (الفسيولوجي) يرتبط بطبيعة الجسد الماديّة مثل الطول، والعرض، والوزن، ولون البشرة، والجمال، والقبح ووجود إعاقات جسديّة، والجنس، والعمر أيضاً، فالشخصيّة إما تُمثّل فترة الشباب أو فترة الطفولة أو فترة العجز وكبر السنّ، وكل هذه العوامل تساهم في تكوين الشخصيّة بشكل كبير، حيث تُعطي الانطباع العام الذي ستؤدّيه الشخصيّة على خشبة المسرح، فحركة وأسلوب تفكير المُسنّ تختلف عن حركة الشاب وأسلوبه، لذلك يُعتبر البعد المادي أول ما يجذب انتباه الممثل المسرحي في الشخصية التي سيلعب دورها.
أما عن البعد الاجتماعي فهو يرتبط بشكل أساسي بالطبقة الاجتماعيّة التي تنتمي إليها الشخصيّة، ومستوى التعليم والثقافة، والظروف الماليّة، وطريقة الحياة البيتيّة، ووجود زوج أو شريك وعائلة وأصدقاء، ودرجة اتّباع العادات والتقاليد، والديانة والرأي السياسي، حيث تُشكّل هذه الظروف الاجتماعية عاملاً أساسيّاً في كيفيّة تصرّف الشخصيّة على المسرح، فالشخص الذي يلعب دور المناضل الثائر يختلف عن الشخص الذي يلعب دور الحاكم أو أحد أتباعه.
ثم البعد النفسي الذي يرتبط بالقدرة على الابتكار وامتلاك المواهب، أو وجود نقص لدى الشخصيّة، أو خلل في تحديد أهداف الحياة ومعايير الأخلاق، وغرابة الميول والطباع، أو وجود العقد النفسيّة، فمثلاً نظرة الشخص المريض للحياة تختلف عن نظرة الشخص السليم لها، وسلوك الفقير يختلف عن سلوك الثري، كما أنّ جميع هذه العوامل تتأثر بشكل سلبي أو بشكل إيجابي بالبعد المادي والبعد الاجتماعي، لذلك عليك فهم الأبعاد الثلاثة لتكوين شخصيّة تُجسّد الواقع.
أقول: أفلح صديقنا في توظيف شخصية البخليل بكل أبعادها، وكانت مسرحية قيمة من بدايتها ومرورا بالحبكة ( العقدة ) التي نمت نموا منطقيا مع تصاعد الأحداث إلى نهايتها الحتمية، كنا قد تعاهدنا على تمثيلها في احتفال بلدتنا بيوم الزعيم ابنها البار والذي نحتفل به سنويا إحياء لذكرى زعيم الوفد والأمة الراحل سعد زغلول؛ بيد أن الحوائل حالت دون ذلك؛ حيث أتيت للقاهرة طلبا للدراسة في كلية دار العلوم، وتخرج صديقنا في كلية التربية، وعمل صديقنا مدرسا للغة العربية، وتفرق الأصدقاء جميعا، ولم ير أحدنا الآخرين إلا لماما، تفرقنا وبقيت تلك الذكريات الرماضانية التي لم يستطع الزمن محوها.