صباح لا يعرف القسوة بقلم مراد ناجح

صباح لا يعرف القسوة بقلم مراد ناجح
صباح لا يعرف القسوة بقلم مراد ناجح
انفراجة ضوء من بين فكي ليل , احكم قبضته لساعات ، ثم هدأت ثورته وانهارت قواه ليترك مكانه لنهار جديد ، صوت زقزقة العصافير تعلن عن قيام دولة الصباح , واحتضار ساعات الراحة ودفء الأسرة , نادل القهوة يرفع الستار عن أول مقيم أتي من بعيد بصحبة ابنته ذات السابعة عشر ربيعاً لتقديم أوراقها الجامعيّة هنا , لتبدأ رحلتها الطويلة تطارد حلمها بعيداً عن مشاغبات صباح لا يعرف القسوة واغتراب الإخوة والأهل داخل البيت الواحد , بعيداً عن أحضان تضفّر شعرها الطويل إلي خًُصل تتداخل بين طيّاتها أحلام وأغنيات تعيد ابتسامة التاريخ إلي سابق عهدها , يبدو أن هذه المدينة مصابة بلعنة طاغية حتى تحاصرها الغيوم وتطفئ أنوارها , وكأن الليل يأبى عليه التنازل عن مُلكه لها , صفير رياح شتوية قادمة من كل مكان , فيعود وجه احتلال الغرباء يعلن قيام دولة يستبد حلفاؤها , أمطار غزيرة تهطل بقسوة وكأنها استفاقت للتو من سكرة نعاس أبدي , تتسارع الخطوات في كل مكان لتأنس بطمأنينة أرض لم يحاصرها غضب الرياح والمطر , بائع الجرائد وحده يلطم خدّيه , بضاعته لا تتحمل مزيداً من المطر حتى يسيل حبر الكلمات يلطخ وجه الصفحات وتصبح غير ذي قيمة , كانت اللحظات تتسارع  كصافرات الإنذار وقت الحرب , تُخْلي الشوارع من الحُر والسجين من الأخضر واليابس , طفل يصرخ بين زراعي أمه التي تتعجله للهروب من المطر , معانداً يريد بعض الحلوى التي وعدته بها , يرق قلبها رغم كل شئ , يغرقها المطر ولكن قلبها مليء بدفء أمومة لا تعرف الخوف لأجل أبنائها , عجوز انحني تحت مظلّته يعبر الطريق جاراً قدميه , ترتعش أصابعه , ينظر إلي السماء كي تحنو عليه وتوقف دمعات غيومها الهادرة كالسيل , نادل القهوة وقف بعيداً يصارع  بداية يوم شتوي , يفرك يديه أمام ركية النار داخل القهوة , تكسو وجهه حُمرة , يلتفح بشال صوفي كثيف علي كتفيه , عادت الطيور إلي أعشاشها غير آسفة , تنتظر انفراجة الضوء من جديد , أعمدة الإنارة يغسلها المطر , ترتعش أجفانها, تترنّح مابين لحظة وأخري كمن يطاردها موت تحاول الفكاك من بين براثنه القوية , هدأ المطر بين أحضان السماء كطفل تهدهده أم لينام هانئاً بسحر عوالم أخري , استرد الضوء مسرح الأحداث ليعود بطلاً في أبهي أدواره , ينتصر للضعفاء , يقيم دولة للدفء , ترعي حقوق الجميع في حياة أمنة .