النملة الحُبلى! بقلم د. بسام الخالد

النملة الحُبلى! بقلم د. بسام الخالد
النملة الحُبلى! بقلم د. بسام الخالد
« غرفة تتثاءب للريح... باب ملتهب المفاصل.. جدران سماوية الخلايا... مكتبة مفككة المسامات.. مزهرية خشبية الجسد.. العبارات أمشاط.. السطور كرنفال برتقالي النهود »!
صورة طبق الأصل لمقاطع سميت « قصيدة ».. تصوروا غرفة مثقلةٌ أجفانُها بالنعاس، تتثاءب للريح، وباب مصاب بالتهاب المفاصل وجدران ملونة الخلايا ومكتبة لها جلد مفكك المسامات ؟!
إن تصوير الشعر بهذه الحالة المرضيّة يعطينا صورة واقعية عن حال الشعر المتردي، هذه الأيام، على أيدي عباقرة « الطب الشعري » وما أكثرهم.. فوق منابرنا الأدبية.
« في الركن كتب وسجائر ومدافئ وأجهزة وأضرحة وصحون فارغة ومسامير وثياب بالية وحضارة وبغل يلتصق بالجدار.. والمدينة » !
مقطع نثري آخر و(معبر) من معابر أحدهم أورده في كتيّب صغير قد يسمى تداعيات أو أفكاراً مشوشة أو سفسطة.. لا فرق!
تخيلوا معي أيضاً عمق العلاقة، في المقطع السابق، بين الكتب والسجائر والمدافئ والأجهزة والأضرحة والصحون الفارغة والحضارة .. و.. البغل ؟!
ألا تدلل جميع هذه المفردات على حالة الرمزية المتطرفة التي يحاول بعضهم إغراقنا بها، لا لشيء، إلا لاستعراض العضلات الإبداعية أمامنا واتهامنا بقصر النظرة التحليلية للأشياء ولإثبات أن هذا الصنف من البشر يتمتع بقدراتٍ خلاّقة على نحت المفردات وإعطائها قيمة حياتية!
« رأيت نملة حبلى.. على ظهر فيل.. ترضع أثداء الشمس »!
لنحاول التعمّق في نظرة صاحب هذا الكلام الثاقبة، ألا تلاحظون أنه يمتلك « ميكروسكوباً » شاعرياً لدرجة أنه يرى نملة حبلى على ظهر فيل... والأنكى من ذلك أنها ترضع أثداء الشمس ؟!
تلك هي المقاطع الأفضل والأصلح للنشر التي اخترتها لتكون دليلاً على تألق الإبداع الأدبي الذي وصل بعضهم إليه في صحافتنا ودور نشرنا وعلى ملتقياتنا ومنابرنا الثقافية!
هذه المقاطع وقعت بين يدي، مصادفة، خلال فترات متتالية، ولأعترف هنا أنني لست ناقداً أدبياً ولست شاعراً، وإنما أنا قارئ له أحاسيسه ومدركاته الذهنية والعقلية التي يستطيع بوساطتها تمييز الغث من السمين.. ومن حقي كقارئ أن أقرأ أدباً واضحاً.. وأشاهد فناً حقيقياً.. من حقي ألا أضيع في زحمة المفردات وضبابية الألفاظ والصور القاتمة، من حقي كقارئ، أن أصرخ في وجه الذين يحاولون تضليلي وتحييد تفكيري إلى تيارات فكرية دخيلة على أدبنا العربي!
من المعروف أن لكل علم من العلوم فنونَه، والعلوم الإنسانية من أرقى العلوم التي يمكن أن تُصنف وتُدرج تحت مقياس هذه الفنون، والفنون الكتابية حصيلة هذا التصنيف، فالشعر شعر، والنثر نثر، وما بينهما اللفظة المنتقاة والموسيقى الداخلية والوزن السليم والإيقاع المتوازن، تماماً كالفارق بين الرقص والمشي.. ولا يدخل ما نقرؤه هذه الأيام، لبعض المزدحمين على دكاكين النشر، تحت أي نوع من أنواع الفنون الكتابية على تنوعها واختلافها.. ومع ذلك يصرخون بقوة: لماذا لا تُنشر كتاباتنا؟!
إنني كقارئ، على الأقل، أقف ضد تشويه أفكاري بمفرداتهم السامة، وأستميحهم عذراً أن مداركي المتواضعة لم تَرقَ بعد إلى مستوى إبداعاتهم!