ليس عسير على مبتدئي التفكير ولو السطحي منه لاثبات الحاجة الى التغيير في بعض المفاصل العامة والخاصة .. مع اننا امة ابتليت بملفات جهل فرض عليها عبر أجيال وقرون احتلال تبدل فيها اسم المحتل فيما ظلت ادواته راسخة تعمل على تخدير الغالبية العظمى من الشعب تمنعه عن ادراك ابسط حاجاته الفعلية وكيفية التخلص من ربقة تلك الاجراءات المتبعة التي بمجموعها تؤدي الى التخلف الذي هو نقيض طبيعي للتحضر وما يمكن ان يسببه ويؤديه ..
حينما نرى اكداس الأنقاض والازبال تتجمع يوميا بشوارع وازقة وتقاطعات ومؤسسات مدننا صغيرة الحجم كثيفة السكان نؤشر خلل في عمل مؤسسات تنفيذية ورقابية لم تؤد واجبها بالشكل المطلوب سيما في بلداننا العربية التي حباها الله بمزايا عدة تصلح لموارد سياحية ودينية وثروات طبيعية وبشرية فضلا عن تاريخية ... وحينما نضع الملف على طاولة التحليل وتحت مبضع الجراح يتضح هناك آلاف الموظفين وان خزينة الدولة تصرف مليارات على ملف تجميل البيئة فضلا وما يلحق بها من تحسين خدمات الصرف الصحي وتبليط الشوارع وتطوير أنظمة المرور وتشجير الساحات وتوسيع الحدائق الترفيهية التي لا تدخل ضمن نطاق الربح التجاري لكنها مهمة جدا لراحة الانسان والاحساس بالمواطنة والحرص على دوامها وتطويرها..
عند ذاك لا يمكن لابسط مقومات الوعي تجاوز مسؤولية الجهات المعنية بالخدمات من قبيل ( دوائر الأمانة او البلدية او مجالس المحافظات او أي مسمى اخر يقبض مليارات الدنانير شهريا – ليس سنويا – جراء اداؤه واجباته لمعالجة الظواهر السالفة بما يعني بشكل جلي على ان حدوث ظاهرة فساد واضحة وشبه مالية وخدمية بل وطنية واخلاقية تحتاج الى معالجة ..
حينما تستمر هذه الظاهرة على حالها مع تغيير المسؤولين وتبدل الموظفين والعناوين وتحديد الواجبات والمسؤوليات وتوفر الموارد ... بل وحتى تغيير الأنظمة وتبدل الدول ... فيما تظل تلك الظواهر مترسخة قائمة لقرون متعددة .. سوف لن نجد تعليل الا من خلال الحصر على انها ظاهرة مرضية قائمة تؤدي الى عاهات وسرطانات مؤجندة تنسب الى الاحتلال الخارجي بعناوينه المستترة والواضحة ( استعمار و امبريالية و استغلال واحتلال وتوابعه .. غير ذلك الكثير ) .. ولكي يعمل ويترسخ ويؤدي هذا الملف الخارجي هدفه وغرضه بشكل صحيح ينبغي ان تكون له أدوات داخلية مجندة لادامة زخم الفساد والعمالة وقبل ذاك تثبيت الجهل على مختلف مستوياته وامتداداته ..
تتضح صورة المشهد بشكل جلي يثبت فيه العقل الواعي المتحضر على ان ظاهرة التخلف البيئي المنتشرة في ارجاء المدن مثل ( الازبال والاوساخ والانقاض ومخلفاتها ) .. لا تدل على خلل مالي او مرض مجتمعي مستعصي الحل .. بقدر ما هي اجندة مستديمة مستدامة يحرص الاخر على ضرورة استمرارها وفعل فعلها في نخر المجتمع صحيا وخدميا ونفسيا واقتصاديا واخلاقيا .... بل ودينيا .. ( فالنظافة من الايمان ) .. ومن ثم يلحقها ( ان الله يحب المؤمن القوي ) .. والقوة تكمن في الوعي .. أي مصدرها العقل وقدرته على السيطرة وتسيير بقية اجزاء الجسد بما يمكن إحالة الظلام الى نور .. هنا يكمن فحوى الدين وتطبيقاته العملية والعلمية التي تعني بكلياتها وذروة جمالها .. ان الله نور السموات والأرض .. فما اتعسنا ونحن على ارض موبوءة بالقاذورات وما أبعدنا عن السماء ونحن لا نحسن الرؤية مع كل بهاء الله وجلاله..