مدحت بشاي يكتب: الخطاب الديني والخيار الشعبي

مدحت بشاي يكتب: الخطاب الديني والخيار الشعبي
مدحت بشاي يكتب: الخطاب الديني والخيار الشعبي

 

حدث في الزمن المباركي أن تحدث باحث سياسي استضافه برنامج تليفزيوني حول نتائج  دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تناولت حال الوعي السياسي للمرشحين ، تؤكد على أن بعض المرشحين لا يدركون المعنى الأهم للمشاركة السياسية ، ولا يدرون آليات العمل البرلماني ، ولا برنامج الحزب المرشحين على قوائمه ، وأضاف الباحث أن 55% منهم تقدموا لحجز كرسي في البرلمان للحفاظ على وجاهة العائلة ، 50% للحصول على الحصانة ، 30% للحصول على مكاسب أدبية ،  25% للحصول على مكاسب مادية ، 5% للتستر على أعمال غير مشروعة ..

قد يختلف البعض مع تلك النتائج ، ويرى البعض الأخر أن الأمرقد يعود للإصرار على حكاية تخصيص عدد هائل من كراسي البرلمان للعمال والفلاحين ، وغياب ثقافة مجتمعية داعمة لآليات الممارسة الديمقراطية الصحيحة  بجدية ، أما المشهدالانتخابي وتجلياته السلبية كسبب ، فحدث ولا تمل عزيزي القارئ لأنه حديث كل موسم انتخابي على أرض المحروسة وبشكل خاص في الزمن المباركي..   

فإذا أضفنا إلى نتائج تلك الدراسة أن هناك اختيارات من جانب بعض الأحزاب لمرشحيها على أساس الهوية الدينية ، وأيضاً ذهاب أصوات الناخبين لنفس السبب ، فالأمر يحتاج إلى مراجعة ووقفة إزاء كل ممارساتنا ذات العلاقة بتفعيل الديمقراطية ..

وبخصوص تنمية الوعي عبر تعامل مختلف مع الجماهير ، فقد أسعدني أنه ومع بداية ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي كان التوجه الرئاسي مختلفًا عن سابقيه، فقد بات التواصل مع الجماهير عبر قرارات وطنية غير شعبوية التناول والهدف ، حيث الإقدام نحو اتخاذ خطوات حقيقية للظفر بالهدف الأهم والأسمى  لتحقيق " جودة الحياة " بمفهومها الأوسع ، من خلال رؤية إصلاحية شاملة تضع في الحسبان مصالح وحقوق الأجيال القادمة ..  

وبالمناسبة ، ومن طرائف الأرشيف السياسي المصري ، يحكى أن في عهود سابقة كانت علاقة المحكوم بالحاكم تبقى في صورتها الكاريكاتورية  يمثلها مشهد انتظار الموظف المصري لليوم الأول من شهر مايو كل عام  ( الاحتفال بعيد العمال )  وكلمة الرئيس البروتوكولية المحفوظة التي تنتهي بإعلان قرار الموافقة على الهدية السنوية بعد تكرار الهتاف من الصفوف الخلفية " المنحة ياريس " فيضحك الحاكم بكل امتنان وإحساس بالسعادة لهذا التواصل النفعي المحدود وهي كانت عادة سنوية فولكلورية لحبايبنا الموظفين في ذلك الزمان ، ثم تطور الأمر لأن يبدأ الخطاب الرئاسي بإعلان الموافقة على المنحة ونسبتها قبل المناداة بها تفاديًا لحالة " الشعتفة الشعبية " المعتادة ، ثم في مرحلة تالية كان يتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام قبل الخطاب التذكاري ، و ذلك حتى لا يبدو للعالم  محدودية أطر تلك العلاقة بين السلطة والمواطن بحصرها في هذه الهبة ومقدارها التي كان يعلو وينخفض مقدارها وفق الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، لتنخفض وتعلو معها وتيرة نبضات قلب العامل والموظف بشكل طردي سريع !!

وهذه الحالة من الامتنان الشعبي الغريبة ، ذكرتني بما كُتب بشكل هزلي عن علاقة هتلر بالله العظيم ، عندما قيل أن مكتب الدعاية النازي قد أصدر منشورًا قال فيه " لسنا في حاجة إلى كهنة ، ويمكننا أن نتواصل مع الله من خلال أدولف هتلر ، إن كلمته قانون إلهي ، وكل القرارات والقوانين التي يصدرها لها سلطة إلهية " !!

ولعل من أهم معالم الإحساس بمدى "جودة الحياة "، تمتع المواطن بكل مزايا وقيم المواطنة الكاملة على أرضه ،وعليه كان من الأمور الطيبة دعوة الرئيس السيسي فور توليه القيادة لإصلاح الخطاب الديني والثقافي و تصويب المفاهيم الخاطئة التي نالت الكثير من حقوق المواطن التي ينبغى نيلها بعدالة و بساطة ودون عنت أو نقصان أو تلكؤ ، ولم تكن تلك النداءات الرئاسية بكفالة حقوق المواطنة مجرد شعارات تطلق ، حيث تابعنا الذهاب الفوري ــ على سبيل المثال ــ إلى التعامل الإيجابي مع سكان المناطق العشوائية ، وبناء أحياء جديدة تتوفر لهم فيها كل حقوق المواطنة في الحصول على مسكن صحي آمن مع توفير كافة الخدمات الميسرة لحياة آدمية طيبة مثل وجود متاجر ومدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس .. لم تكن مجرد عناوين دعائية وإنما وعبر خطط زمنية واقعية تحقق الحلم وبأروع صورة وجاري استكمال البناء على الأرض في المراحل الأخيرة لاكتمال تحقيق حلم إنساني..

و أرى أن هناك توجه غير منطقي في طرح قضية تجديد الخطاب الديني ، حيث تثار دومًا مفصولة عن السياق والتناول الاجتماعي ، رغم صعوبة عملية التصويب إلا  في إطار مشروع قومي  متكامل حيث التجديد أحد مكونات هذا المشروع ، فليس من المعقول أن تتم عملية التجديد بقرار أو توجيه سياسي !! .

ولابد من إدراك شكل وطبيعة التكوين الثقافي لمن نتفق على اختيارهم للقيام بمهمة التجديد ، وبالمناخ الإنساني العام الذي يتحركون فيه ، ومن ثم معرفة أولوياتهم في القضايا التي يطرحونها وجدول أعمال الخطاب الديني الذي يحدثوننا بشأنه ، وما إذا كان الحديث سيدور عن الأمور العامة والكلية أم الخاصة والفرعية ..

لقد كان النجاح المذهل الذي ظفر به  مسلسل ودراما " الاختيار " هو بمثابة إعلان الاختيار الشعبي للخطاب الديني المعدل و أنه  المشروع الأولى بالرعاية والتبني ، فالخطاب الديني المتجدد الذي شهدته الحالة المصرية وغيرها كان دائمًا نتاجًا طبيعيًا لعملية التطور العام والتقدم نحو مشروع قومي عام متكامل نابع أساسًا من احتياج مجتمعي اتفقت عليه كل القوى السياسية والاجتماعية .

 

 

مدحت بشاي

‫medhatbeshay290@gmail.com