إلى رجل هناك...
من يفكر خارج الواقع كمن يمارس الوهم بجنون، منذ بداية الحرب السورية، أكدت و في مقالات عدة، أن سقوط سوريا أمر مستحيل، و أن الذين راهنوا على هذا السقوط و قعوا في الوهم المسبق، و جلهم أخطأوا التقدير، و أضاعوا الوقت في حرب وهمية، لا تمس إلا الضعفاء و الذين لا دخل لهم في اللعبة السياسية التي تفجرت الحرب من أجلها، قلت إن الجغرافيا السورية سياستها معقدة إلى حد أن أي افتراض ضدها سيظل خاطئا، و أن مساءلة الواقع فيها سيظل هو أيضا مجرد خيال يلامس الواقع البعيد .. نحن حين أكدنا ذلك لم تكن لدينا أذن في أجهزة ما، أو في مواقع صنع القرار، بل كنا ندرس الواقع و فق المتغيرات الجديدة و التي دخلت فيها الروس و الصين على الخط السياسي الساخن،و لعبت فيها الجغرافيا حيزا مهما من عدم سوء الفهم لأي من الحلفاء مما أوقع تخبطا رهيبا، بين توظيف الإعلام، أو توظيف الإرهاب لحل اللغز الذي يحبط هذه الجغرافيا التي أوجدت الأبجدية الأولى للعالم، و سكنها أغلب الأنبياء و الرسل، و باركها رسولنا محمد – صلى الله عليه و سلم – و اليوم تتأكد الحقائق أكثر فأكثر، و تتوارى أنظمة متحالفة الأخرى تلوى الأخرى في مشهد سياسي لم يشهده التاريخ من قبل، البعض سكن الغرف المظلمة في التاريخ و البعض الآخر دخل الثلاجة في انتظار الجديد، و ربما عوجا من صوت التاريخ يحمي به خطاياه..إذن، نحن أمام مشهد أشبه بمشاهدة مأساة أديب في الملحمة الإغريقية البائسة...
صحيح نحن أمام تغيير شامل، صنعته سوريا، تقيم لصلح القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة، بعد أن كرست الإرهاب كل من أمريكا و دول أوروبا في مواجهة أزماتها الاقتصادية و المالية.
دعني أقول لك و بوضوح، أن المربعات الرمادية التي لعب عليها الكثير من أجل التقاط سوريا، أضحت ضدهم ، و عليهم أن يفكروا ، فالصورة اليوم واضحة، و الخيال الذي كانوا يحكمون به إستراتيجيتهم صار أيضا من الماضي، لقد أضاعت الولايات المتحدة الأمريكية عقدا كاملا و تركت الصين و روسيا تحملان بما يناقض أمريكا في المستقبل، لقد ذهب أصحاب الهدم و الردم للأرض و البشر، أبعد حتى من مقدورهم فتحولت اللعبة من حرب إلى مطالبة بالوساطات لإعادة ما أمكن من ضياعهم إلى سوريا باعتبارها الجغرافيا التي لا تقبل الانحراف فضلا عن الانهيار...صحيح أن التاريخ كتب أطنانها من الأخطاء وقعت من طرف أصدقاء سوريا، و صحيح أيضا أنهم زوروا الحقائق سياسيا، لكن الأخطر من ذلك أنهم وقعوا ضحايا الوهم بجنون، أمريكا أرادت من هذه الفوضى إرجاع الوطن العربي إلى مائة سنة إلى الوراء، لبناء اقتصادها المنهار، و حماية مصالحها، و خاصة إسرائيل التي أظهرت التطورات الحاصلة على مدى، ما يعرف بخط المقاومة، و أنها بالتالي إلى مشارف الانهيار سواء بدأت هي بالحرب ، أم ما تنتظره لحظة بلحظة، عن حرب عليها، هذا واضح و مصرح به من طرف أهم الأجهزة الأجنبية و ضاع القرار في الإدارة الأمريكية، و الاروبية لكن أن تكون الأطراف الأخرى العربية، ضمن هذه الفوضى لأهداف لا يمكن تحقيقها، بل لو وقعت حرب لكانوا اليوم جميعهم في خبر كان، و بالتأكيد فإن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن ضرب سوريا إلا لأنها عرفت و تأكدت أن إسرائيل ستكون فيها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لهذا ما عرفته إسرائيل و أحاطت نفسها بحرب الوجود الإسرائيلي، لست هنا أدعي أنني أتكلم من خارج الأحداث بل إنه الواقع الذي صنعته الأحداث.
إن التراجع اليوم لكل أعداء سوريا شبيهة بالتواري في أحداثها والبعض منهم يريد الخروج من عنق الزجاجة التي وجد نفسه فيها بوسائط من أطراف لها صلة بالحكم السوري، لكنه يبدو أمرا صعبا لأن واجهة الدم التي تغطي مساحة كبيرة من الجغرافيا السورية لا يمكن تجاوزها في ظرف مثل الظروف الحالية.هناك حقائق تقول إن فرنسا و قطر دخلتا فعلا في لعبة المصالحة هذه، لكن بواسطة أجهزة أجنبية كمبادرة منها لفض عقدة السجل الدموي لصانع الأحداث، بل إن سباق محموم، بين أقطاب عدة من أجل كسب ود إيران، و بالتالي الدخول من خلالها إلى المسرح السياسي السوري خاصة و أن أكثر بلدان الغرب تعاني من الإفلاس و أنها فشلت في تثبيت ما كانت تخطط له من خلال الحرب على ليبيا بل إن هذه الحرب صارت ضدهم و ضد مصالحهم،دعنا أقول لك، إن المخطط في هذه الحروب كان يشمل العالم العربي كله و دون استثناء و قد خرجت منه الجزائر بحكمة مواقفها، و قدرتها على إدارة الصراع بمواقف ثابتة و أضحت اليوم الواجهة اليوم الواجهة السياسية لفك الكثير من الاشتباك السياسي فضلا عن كونها فهمت الصراع من بداية الأحداث لكونها تحتمي بقوة التاريخ و بقوة الأحداث التي عاشتها أيام العشرية إنني أكد هنا على قوة التاريخ، ذلك ما من آية تسند بظهرها لتاريخها، و توصيفه توصيفا حضاريا إلا و تكون في منأى عن الأخطاء . و هذا هو الذي حمى سوريا ... في الجزائر التقى التاريخ بالجغرافيا فولد الإنسان و في سوريا أيضا التقى التاريخ بالجغرافيا فولدت الأحداث المانعة لأي انتظار أو تأخر عن فهم المواجهة وفق ذلك العمق التاريخي و هذا بالتأكيد ما لم يفهمه الغرب حين حاول مد جرائمه إليها و الانقضاض على المنطقة كلها من خلال تدمير سوريا و قبلها المقاومة اللبنانية.
إن المشكلة هي اليوم في كيفية إعادة ترجمة الواقع من أفكار هي خارج منطق الأحداث، بل إنها جزء من منطق الفوضى التي خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية، إن الفكر الذي يؤمن بالدم و تحت يافطة الإسلام هم جزء من تلك الفوضى الخلاقة، التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندوليزا رايس" و حين يصير هذا الفكر الشماعة التي لا يطفئها الحوار و لا يلتزم الاآخر يها بأدنى حد من الفهم للأحداث، و المسيرون لها من خلف الستار، يصير الوضع الداخلي لأي دولة عربية قابلا للاشتعال في أية لحظة، أكيد نحن أمام ظواهر فكرية بائسة لا تستند لا للعقل الإنساني و لا للعقل الديني، بل الخروج الكلي عن منعطف الأحداث و الخلفيات و المنطق الذي يحكمها الى العصبية التى لا عقل فيها .
دعني أقول لك ، إن ثقافة العصر هي ثقافة الفهم المسبق لما يطبخ في الخفاء، و المواقف منها بموقف سياسي ذي نزعة فكرية تستوعب كل الآليات التي ينطلق منها، أو بأخذها كطريق لنشر أبجدياته فهل من المنطق قتل الأنفس تحت راية "لا إله إلا الله" و أن القتل قطعا مرفوض دينيا، بل إنه من أخطر الظواهر التي تلامس وجدان أي منا، ثم هل من المبد (أي مبدأ) البحث عن الحقيقة -أي حقيقة - بما يناقضها أو بما يجرحها و يحيل الواقع فيها إلى لعبة هي أشبه بلعبة الأسود مع فرائسها .. أجل نحن نعيش مع هذا المنهج الظلامي أسوأ أزمة و أسوا أحداث و ربما تعيد أذهاننا إلى تلك الفترة المظلمة من مواجهتنا مع الاستعمار . لقد تورطت مع الأسف في هذا المنهج دول و حكومات بعضها تدهي الديمقراطية بثوب إسلامي، و هم اليوم كشاهد القمم أمام ذلك الارتماء في المجهول و الظلامية الفكرية التي ترفضها حتى الوتنية، فضلا عن الجاهلية الأولى.
ثم إن إعادة فهم الواقع من خلال الأفكار الفوقية إعادة لا يمكن أن توصل إلى نتائج، إلا في حالة واحدة ، في حالة الإنزال للنصوص الدينية بديني محض، و ليس بمنطق ديني تتلاعب به الأهواء السياسية والأغراض الإستراتيجية لمصالح آنية لا صلة لها بمنطق حتى منطق الافتراضات لا يمكن أن تصل إليه، إن الذين ظلوا يلعبون عن الأقانيم الثلاثة (الحرب السرية ، الحرب النفسية، الحرب الاقتصادية.. هم يلعبون على الوهم، و عليهم أن يتخلصوا من غباواتهم .. فالشعوب التي لها جذور مع التاريخ ويفقهون جيدا وعي التاريخ ويأخذون من سياقاته أهم التوصيات للانطلاق نحو الارتباط بالواقع والأخذ بالظروف المتاحة لبناء ما أمكن من جدار الواقع، والنسيج الاجتماعي ...ثم إن المسؤولية الأخلاقية حتى خارج الأديان هي أحدى المكونات للذات البشرية، و الخروج عنها يعني بالتأكيد عصيان الواقع و تمطيطه إلى ما يشبه النعل الذي يلبسه الإنسان ثم يزيحه متى يشاء، و هذا هو منطق من خيروا أنفسهم في الحرب ضد سوريا و غيرها... و هنا يمكن التأكيد على أن ما قالته العرب في أمثالها صار واقعا رغم آلامه.. قالت العرب، "وعلى الباغي تدور الدوائر" و من حفر حفرة لأخيه وقع فيها " و ما كان يجري في سوريا هو الآن قيد التوجه نحو البلدان التي ساهمت فيه، بل و حسب رأي الكثير من الأجهزة الاستخبارية سيكون أشد و لربما سيطيح بالكثير من الرؤوس، خاصة في تركيا، إذ هي اليوم أمام ما يعرف بدولة الإسلام "داعش" في العراق و الشام، عمل أبواب تركيا، و إذا تم التفاهم في مؤتمر جنيف 3 فإن كل الإرهابيين سيفرون إلى تركيا- وقد دخلت تركيا فعلا المأزق السياسي وربما الاقتصادي ايضا - وإن رفضت دخولهم، فسيتوجهون إلى مقاومتها لأنهم يصبحون بين أمرين أحلاهما مر، كما يقول المثل العربي.