القوى العالمة هي العمالة المتطورة .. أصحاب المهارات والخبرات والمعارف المتخصصة .. أصحاب الجدارات . هم ممن يمتلكون القدرة على تفسير البيانات والمعلومات في مجال تخصص معين بكل احترافية ممكنة . هم من يستخدمون ما يمتلكونه من معلومات في تطوير المعرفة في البيئة التي يعملون بها .
ومعنى المعرفة يشتق مصطلح ( المعرفة ) من الفعل يعرف ، وهو يشير إلى القدرة على التمييز والتلاؤم وبالتالي كل ما هو معروف أو مفهوم .
ونستطيع أن نميز بين ثلاثة أنواع من البشر في المعرفة :
1- البشر ذوي المعرفة المرتفعة ( القوى العالمة ).
2- البشر ذوي المعرفة المتوسطة .
3 - البشر منخفضي المعرفة .
وفي حقيقة الأمر (القوى العالمة) إنتاجيتهم ليست مسألة «كم» .. بل مسألة «كيف» أي اهتمام النوعية والجودة .إذًا القوى العالمة هي أصول وليست تكلفة . وإدارتها لابد أن تكون بطريقة مختلفة عن إدارة بقية العاملين .. القوى العاملة سواء كانو متوسطي القدرات أو منخفضي القدرات .
ويأتي السؤال: هل نحن متحيزون للقوى العالمة ؟ نعم .. لأن الظروف الحالية سواء ظروف المنافسة أو ظروف كثرة المعروض من العاملين تستوجب : ألا تضيع إدارة الموارد البشرية الوقت والجهد والمال في محاولة لإصلاح القدرات المعرفية المحدودة والمتوسطة
بل ينبغي أن تركز جُل وقتها في استقطاب والاحتفاظ الأكفاء ( القوى العالمة ) .القوى العاملة هم الملاك الحقيقين لأي منظمة !!!!! لماذا ؟ لأن من يملك المعرفة .. يملك المنظمة .
إننا نستطيع اقتراض الأموال .. واستنساخ النظم والسياسات والإجراءات والبرامج وحتى الهياكل التنظيمية ، لكننا اكتشفنا حقيقة هامة (( أنه لا توجد بنوك ولا مؤسسات لإقراض الأفكار والمعرفة واستنساخ عمال المعرفة )) Knowledge Workers هذا يجعلني أطالب بإنشاء (( بنوك للمعرفة الإدارية )) .
أما عن الدور الحقيقي لإدارة الموارد البشرية يتشكل في تعظيم القدرات المحورية لأي منظمة أعمال ، وذلك عن طريق تمتين الموارد البشرية المتميزة والجديرة ( الكفؤة ) .
حتى أن طبيعة الموارد البشرية في القرن (21) وبالأدق سمات جيل القرن (21) : جيل ذكي يستخدم أجهزة ذكية ، قادر على التعلم والحصول على المعلومات بكل سهولة .. ولكنه في نفس الوقت جيل محب للمال والشهرة ، وليس لديه الرغبة في التضحية من أجل الحصول على هذا المال وهذه الشهرة إنهم بفضلون الاستمتاع بحياتهم الشخصية وعلاقاتهم الاجتماعية خارج العمل أكثر من بذل الجهد داخل العمل .
كما أنه جيل يحب الترفيه والاستجمام والشعور بالراحة ولا يقدر على تحمل الضغوط ويحب أن يحقق مستوى أعلى من تقدير الذات . وبعاني هذا الجيل من الكثير من أمراض العصر مثل القلق والتوتر والقولون العصبي والاكتئاب وسوء الصحة النفسية .
إذا الموظفين الجدد في ( الألفية الثالثة )
يأتون للعمل وهم يجلبون معهم قيماً جديدة وإمكانات جديدة واحتياجات جديدة تختلف عن تلك القيم الوظيفية التي كانت سائدة في العهود الماضية ، وهذا يفرض على إدارة الموارد البشرية أن تقوم بعمل مواءمة بين سياساتهم وممارستها وبين هذه الاحتياجات الجديدة والقيم الجديدة للعاملين والإمكانات الجديدة لهم .
* والسؤال المهم الآن .. هل قيادة القوى العالمة أمراً سهلاً ؟
يفضل معظم المديرين العمل مع موظفين ضعفاء ( عديمي المعرفة ) اعتقادا منهم أن ذلك يعطيهم فرصة التمتع بالسلطة المطلقة .. ويبرز قوتهم أمام السلطات الأعلى ، ويطيل أعمارهم الوظيفية .. إذا قيادتهم عملية سهلة .
قيادة الأذكياء والمتميزين ( القوى العالمة ) عملية صعبة بل شديدة الصعوبة ، ويشكل عبئاً ثقيلاً على عاتق أي مدير . ترى لماذا ؟
* مظاهر الصعوبة في قيادة القوى العالمة :
_عندما تدير مجموعة من الأذكياء ستشعر أنك بلا سلطة مطلقة أو أنك تملتك سلطة رخوة عليهم لأن هناك سلطة أكبر منك هي ( سلطة المعرفة والخبرة ) .
_لا ينفذوا الأوامر مباشرة بل تحتاج لمناقشاتهم ومجادلتهم من أجل إقناعهم .
_ستشعر عند قيادتهم أنك لست مديراً بل منسقاً أو مشرف فقط .
_ رأس مال القوى العاملة في أفكارهم وأذهانهم ، وبالتالي لا يمكنك أن تتحصل على هذه الأفكار إلا بإرادتهم .
_ تحتاج عملية تقويم أدائهم معايير مختلفة عن بقية الموظفين .
_ يتمتع معظمهم بنظرة استعلائية لمن هم أقل منهم في المعرفة والعلم .ولهذا نادراً ما تجد أن أحداً منهم يتمتع بفضيلة التواضع .
_ يرفضون الخضوع للإدارة المباشرة والصريحة ، ويعتقدوا أنهم ليسوا بحاجة لسلطة مدير عليهم.
_ ولاء أصحاب المعرفة لمهنتهم وليس لمنظماتهم .ومن أجل ذلك هم كثيري الدوران والهجرة .
_ يفضلون العمل في أبراج عاجية وما يشبه الخلوة ولذا فهم يتجنبوا الاتصال ويتحولوا لمجموعة بيروقراطية ترفض التغيير وتقاومه بعناد شديد .
_ يرفضون مشاركة المعلومات مع زملائهم طواعية لأنهم يدكون قوة المعلومة ، ويحبون الاحتفاظ بهذه القوة في أذهانهم فقط ، وليس في سجلات أو مستندات المنظمة .
وفي نقاط سريعة نستعرض المهارات الواجب توافرها في المديرين من أجل النجاح في قيادة القوى العالمة:
التمتع بمهارة اتصال ممتازة .
التمتع بمهارة انصات ممتازة .
التمتع بمهارة التفكير المنظم والمنهجي المنطقي .
التمتع بالبراعة في بناء وتطوير العلاقات الاجتماعية مع القوى العالمة .
التمتع بالقدرة على المتابعة .
القدرة على التطوير الذاتي بشكل مستمر .
التمتع بالقدرة على فهم الحاجات المختلفة للقوى العالمة لكي يقدم لهم الحوافز المناسبة لهم .
...
د. هشام البحيري
(خبير أول برامج تطويرية وعضو هيئة التدريس بجامعة القاهرة)