عشرين عاما، قضتها الولايات المتحدة الامريكية بأفغانستان، تكبدت خلالها الخزانة الامريكية، مليارات الدولارات، دون الإفصاح عن الأهداف التي دفعت القادة الامريكيين لغزو هذه البلاد، والتي فشل الروس من قبل في غزوها ، والذين خرجوا هم الاخرون يجرون وراءهم ذيول الخيبة والهزيمة.
ولم تكن الخسائر المادية فقط هي التي ألقت بظلالها، ولكن كان هناك في مقدمة الخسائر، ما هو أعظم منها، حيث فقدت الولايات المتحدة الامريكية كثيرا من أبنائها ليلحقوا بآخرين لهم، لقوا نفس المصير ولكن علي أراضي تبعد أو تقترب من أفغانستان. وربما كان للخروج الأمريكي من أفغانستان، أسباباً، لم تعلن بعد، إلا أن الجميع من حولهم وصفوا هذا الخروج بالغير مدروس.
الأمر الذي خلف وراءه، كثيرا من التساؤلات، كان في طليعتها، ما الذي حققته الولايات المتحدة الامريكية تجاه هذه القوة الافغانية، التي لا محل لها من الإعراب أمام العملاق الامريكي،
وهل بالفعل استطاعت الولايات المتحدة الامريكية أن تقدم ما عجز عنه الآخرون تجاه هذا المجتمع الأفغاني والذي لم يُذكر قط أنْ تجمَّع، حول رايته، أو خلف زعيمه، مما يثبت الخطأَ الفادحَ، الذي جعل الأمريكان، يهدرون ما يزيد عن 80 مليار دولار، بحجة واهية وهي : إقامة حكومة أفغانية.قادرة على ادارة البلاد
ورغم كل ما بذلته أمريكا،بغرض تأسيس حكومة أفغانية،إلا أنها فشلت في ذلك الأمر،ويكفي هروب الرئيس الأفغاني "أشرف غني"،الموالي لأمريكا عندما استشعر خطورة ما تسعى إليه أمريكا.
وتشهد الأيام الأخيرة، بكل ما شهدته من أحداث،
وصمة عار، علي جبين العملاق الأمريكي فبعد أن سقطت كل المدن الصغيرة في قبضة طالبان، بل واستولت علي العاصمة الأفغانية "كابول" وتركت طالبان فقط مساحةً صغيرة ،بمطار كابول، ليُتم الامريكان الإجراءات الأخيرة لخروجهم من أفغانستان.
وهناك على مدرَّج المطار الافغاني "حامد كارذاي" تقوم الوحدات الأمريكية المتمركزة هناك، بمحاولات لإجلاء رعاياها، وبعض حلفائها الأوروبيين، وقليلٍ مِن حلفائها الأفغان وتترك خلفَها
عتادها العسكري، من مركبات جنود وطائرات وغيرها، لترتكب جريمةً أخري في حق المجتمع العالمي. حيث تركت كل هذه الأسلحة لتقع في أيدي طالبان. وكم كان المشهد حزينا ،ذلك الذي تعلق فيه أنصار الجيش الامريكي، من الشعب الأفغاني بعجلات الطائرات الأمريكية، حيث إنهم
لم يجدوا لهم مكانا داخل طائرات الأمريكان، ليُثبت المشهد أن المستعمر، مهما تعددت، وتأكدت، وعوده فهو كاذب ومخادع .
ولم يكن الخروج الأمريكي المهين من أفغانستان، يلقي بظلاله الحزينة فقط علي محبي السلام في العالم، ولكن، كان له آثاره السيئة، علي الأوروبيين، الحلفاء الأصليين للدولة الأمريكية، هؤلاء الذين وصفوا الأمريكان، بالخيانة، وذلك لأنهم اصطدموا بالقرار الأمريكي المفاجئ.
واعتبروا أن هذا الخروج الأمريكي، يعتبر حجرة عثرة ،في طريق العلاقات معهم . إلا أنهم لم يعلقوا خطأهم علي شماعة الآخرين كما يفعل العرب واعتبروا أن فترة حكم "دونالد ترامب" لأمريكا ،كان لابد ،أن تطلق جرس إنذار لهم، لخطورة ما هو قادم، من صناع قرار الولايات المتحدة الامريكية. الأمر الذي كان يستوجب منهم إعادة النظر، في علاقاتهم مع الدولة الأمريكية
وفي إعادة ترتيب أوراقهم مع بعضهم البعض، وكيف أنه يجب عليهم الاعتماد، فيما بينهم على شراكة تسمح لهم الاستغناء عن هذا الحليف الأمريكي الكلاسيكي ولم تكن ردود الأفعال
المتصاعدة، من داخل الإتحاد الأوروبي هي وحدها، التي أشارت بأصابع الإتهام إلي الشريك القديم إذ أن ردود الأفعال تواصلت من خارج الإتحاد الاوروبي، حيث،وصف "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني الأسبق،
والذي شارك من قبل في غزو الأفغان عام 2001 الخطوة الأمريكية بالمأساوية والخطيرة .
وفي حديثها لصحيفة "رأي اليوم" اللندنية وصفت "فاطمة عواد الجيوري" القوات الأمريكية، أنها لا تهتم سوي بجنودها فقط ،وبحلفائها الاوروبيون، اما عن عملائها فلا نصيب لهم.
وعلي العملاء أن يعوا ذلك جيدا. ورغم كل الانتقادات التي وجهت للولايات المتحدة الامريكية حينما أقدمت علي الخروج من أفغانستان إلا أن هناك بعض المناصرين، وخاصة هؤلاء الذين يقبعون
داخل الكونجرس الأمريكي الذين يروون حسن صنيع دولتهم ووجدوا، أنها بما فعلته، وضعت مصالح دولتهم نصب أعينهم، بل وأن ما فعلته، قد وضع ضغوطا غير عادية، علي إيران والصين والروس وطالبان ،وما بين مؤيد ومعارض، يأتي الخروج الامريكي من أفغانستان بمثابة صفعة على وجه السلام العالمي.