الابتزاز العاطفي هو تبديل الارادة الطوعية للفرد والتي تخضع لإدارة العقل، ونزع حسابات المنطق وإخضاعها منفردة للانفعال العاطفي.
الانفعال العاطفي عنصر مؤثر وخطير عندما يزاحم العقل في قراراته. ولتقريب المسألة حول التدخل العاطفي، سأذكرك كيف ومتى يعمل هذا المؤثر:
* قد تصادف شخصا يشبه في ملامحه ابيك او عزيزا مفقودا لديك، فيشرع الانفعال العاطفي في تأسيس علاقة انفعالية فورية مع هذا الشخص بلا ضوابط منطقية، فأنت لا تعرف اسمه، ومع ذلك تمنحه كافة الحصص المخصصة لأبيك، وهى الحب والاحترام والدفء وربما تتقدم للعطف عليه، وكلها امور لا ضرر منها سوى انها في سياق مجهول الأساس.
وبالطبع، يمكن لهذا الانفعال العاطفي ان يقودك لكراهية أناس لم تتعامل معهم سلفا، ولا ذنب لهم سوى انهم يشبهون اخرين في رصيد الذاكرة لديك ويربطهم بك بعض البغض او الكراهية، فينالوا - بلا ذنب - نفس العداء.
هذا الانفعال العاطفي بالطبع مختلف عن الظاهرة العلمية المعروفة للمعظم وهى "الارتباط الشرطي".
تعال نحاكي السيناريو المتكرر الذي تعيش فيه دور البطولة دون ان تدرك:
لا توجد طريقة مباشرة تمكنني من تفريغ محفظتك وتجعلك طواعية تمنحي ما بها من اموال، ولكن بالابتزاز العاطفي سأفلح.
1- المشهد الاول: من اكثر المشاهد التي باتت اعيننا تألفها دون ان ندرك الغرض الذي وظفت من أجله هو مشهد الطفلة ذات السنوات السبع وهي منكفية على كتاب القراءة وبجوارها علبة ورنيش الاحذية والفرشاة، وغالبا بدون الصندوق الذى نعرفه للعامل المحترف. هذا المشهد مألوف في اشهر الدراسة وفي فترة الدراسة الصباحية ويمتد لفترة بعد الظهر، مما يعنى ان الطفلة ليست مرتبطة بالمدرسة، ومعه ايضا مشهد الطفل الفقير المنكفئ على عمل الواجب على الرصيف في وسط البلد على نور الشارع.
2- المشهد الثاني، وهو غالبا امام مدخل المحال التجارية الفخيمة التي تبيع الملابس النسائية في شارع قصر النيل او على مرمى البصر من بائع الايشاربات الحريمي حيث يستغرق زمن الفرز والفصال بين الزبونة والبائع ما اقله عشر دقائق، وهو زمن يكفي لبناء علاقة الابتزاز العاطفي واستدعاء صورة طفلك الغالي والتعوذ بالله من ان ينال هذا المصير، فتقايض الام عاطفيا على ترك ابنها في حاله منعما ببعض الفكة، وقد تتعدى مفهوم الفكة الى "المجمد".
3- المشهد الثالث: وهو "بيع الذنب" او كما يعرفه رجال الاقتصاد وخبراء التامين ببيع الدين او نقل المخاطر.
تقوم الفكرة هنا على ترشيح الزبون الذى يظن انه مقصر في أمور دينه، سواء الصلاة او الصوم او الزكاة، وما اكثر هذه الفئة.
تبدأ عملية الابتزاز عندما يقوم النصاب بتقديم نفسه بانه مكتمل الايمان وطيع لربه وفي حالة رضا رباني يحسده عليها الجميع. هو لن يقص عليك هذه التفاصيل، ولكنه سوف يسمعك رنة موبايلة التى استبدل فيها الجرس بالأدعية او تلاوة القرآن، او تجد عامل الدليفيري مشغل آي الذكر الحكيم على الموتوسيكل او على الموبايل، فتصلك الرسائل بامتلاك هذا الشاب لكل ما ينقصك من اوجه التقصير مع ربك.
هنا يبدأ الاشتعال العاطفي، فتقايض - دون ان تدري - على شراء الرضا الرباني من خلال العطف على أحد عباده المحبوبين الطيعين، تماما مثلما تجامل صديقك في شخص طفله باغداق الهدايا عليه.
4- المشهد الرابع: مشهد كناس البلدية ذو الزى المميز؛ جاكيت فسفوري اخضر وبدلة عامل نظافة خضراء. وتراه وهو ممسك بالمكنسة الطويلة ويجلس على الرصيف وهو منهك مسكين مفتري عليه ويظهر لك انكفاءة الشهيد على بندقيته في غمار الحرب.
هذا الكذاب امره مفضوح، فلا يوجد كناس مسموح له بالتعاقد مع المقاول للأحياء اكبر من 45 سنة، كما ان العمال ليس مكانهم الشوارع المكتظة بالسيارات مثل شارع قصر النيل او شارع الهرم، فهذه تنظيفها آلي في الفترة الصباحية.
مش عايزك تعذب نفسك بهؤلاء، لأنك تشارك دون ان تدري في صناعة النصاب والكذاب. انت لا تدري ماذا يصنع الجنيه الذى تمنحه للمتسول وتظن انه سيتعشى به. يا اخي فرمل العاطفة شوية، هذا المتسول مر عليه سنوات وهو مستأجر لمنطقة التسول بأرقام تذهلك، وتكون انت السبب في اكتواء قلب ام واب على طفلهما المخطوف للتسول.
انا اناقش قضية عقلانية مبنية على ثوابت علمية لا تحتمل المقاطعة والجدل في رغي حول الفقر والفقراء والعطف والزكاة والتراحم وفتح قنوات الجدل الدينية - ليس هنا.
طبعا لازم تكون فهمت ان البوست ده لمحاربة "الفقر"، ولا علاقة له "بالفقراء"، لأن النماذج المذكورة هنا مش فقراء، بل نصابين.
حتى الطب يرتقي بالفلسفة !!
في المنظومة المناعية للجسم، هناك أمر خطير يجهله الكثيرون، بل قد لا ينتبه له دارسو الطب وبعض الأطباء.
جميع أجهزة الجسم، بل كل خلاياه، بل كل كتلة بروتينية داخل جسمك يدركها جهازك المناعي وبات يقر ويعترف أنها تخصك وأنها تتبع بدنك ويظل يحرسها ولا يسمح لخلية غريبة أو عضو غريب بالبقاء في بدنك وإلا ستكون الحرب معه ضارية وتنتهي بالطرد ... إلا
هناك عضوان غرباء على الجسم، لم يتعرف على اي منهما جهازك المناعي ولا يلتفت إلى اي منهما ولا ينسبها إلى جسمك بل ولا يرحب بمثيلهما من الغرباء، وهما العين والخصية.
نسيج العين غير معرّف مناعيا، لذلك إذا أصيبت العين وتسلل بعض من سوائلها او مكوناتها للجسم، ينزعج جهاز المناعة ويصب غضبه عليها بجيش من الأجسام المضادة التي يطلقها في الجسم.
بعد فترة تصل هذه الأجسام المناعية المخصصة للعين المصابة في محاولة لتدميرها، وبالمرة تأخذ في طريقها العين الأخرى السليمة وتدمرها بلا ذنب سوى أنها من نفس الكود المناعي للعين المصابة.
تعرف هذه الحالة بمتلازمة التلف التعاطفي العين (Sympathetic ophthalmia )
يسري نفس المبدأ على نسيج الخصية، فيظل غريبا عن الجهاز المناعي لنفس الشخص او حتى لغيرة.
أكاد اشتم رائحة الحكمة في هذا الاستثناء المناعي في الجسم تقول ان خصيتيك ليستا ملكك ولا عينيك ايضا، فهما يجب أن يكونا غرباء ولن يشترك اي منهما في مهرجان نقل الاعضاء.
الخصية هى ذريتك وحدك لا تصلح لغيرك، وكذلك عينيك تري ما يخصك ولا تصلح لأحد سواك ليري بها العالم.
د. بهي الدين مرسي