د. مريم المهدي تكتب: كورونا مابين جمود التراث الديني والعلم والتجديد

د. مريم المهدي تكتب: كورونا مابين جمود التراث الديني والعلم والتجديد
د. مريم المهدي تكتب: كورونا مابين جمود التراث الديني والعلم والتجديد

لم تقتصر آثار فيروس كورونا منذ بدايتها على الجوانب الصحية والاقتصادية حصرًا، فقد ظهرت بصماتها على الخطاب الديني لمختلف الأديان ، مابين السلب والايجاب إذ كُثرت الفتاوى والمواعظ والاجتهادات التي تناقش كيفية التعامل مع هذه الأزمات العالمية والأوبئة، واختلفت الآراء حول هذه المسألة، فمنها ما بُني على أساس علمي وبحث دقيق في أصول وتعاليم الدين، ومنها ما لم يكن مفهومًا لدى المسلمين، مما أثار لغطًا كبيرًا وتشويشًا في الأوساط العامة.

ولعلّ أبرز الاجتهادات التي أثارت ضجة في الشارع العربي هوغلق  الحرم المكي وحرم المدينه المنورة وإغلاق المساجد الذي يعد واحد من أكثر القرارات حساسيةً لدى المسلمين،وخاصة في شهر رمضان الذي هو علي الابواب.  إلا أن الفتاوى صدرت في إطار المصلحة العامة للشعوب، حيث أن أكبر أماكن التجمعات في الدول المسلمة تكون في الجوامع والمساجد وتواجد حشود مزدحمة من الناس في أماكن مغلقة كهذه سيزيد من خطر انتشار الفيروس بشكل سريع. 

* الكلمة الاولي للعلم الان من اجل القضاء فيروس كورونا الجائح :

مع تجاوز أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد الذي تخطي المليونين إصابة مؤكدة، وارتفاع حصيلة اعداد الوفيات في انحاء اوروبا وامريكا بعد ان كانت نقطة الانطلاق ووهان بالصين , تتجه أعين العالم إلى العلماء والباحثين، ينتظر الجميع -بفارغ الصبر- نتائج الأبحاث التي تجرى على قدم وساق من أجل التوصل إلى علاج فعال للفيروس. ولكي يتمكن الباحثون والعلماء من مواجهة تلك الجائحة التى انتشرت فى العالم كالنار فى الهشيم، لا بد أن يتسلحوا بالفهم الدقيق والمعرفة الواضحة عن ذلك الفيروس. ان الكلمه الاولي والاخيرة اليوم للعلم والعلماء وفريق الاطباء بالعالم . لان احد  مفاتيح معالجة هذا الوباء هو فهم آلية التعرف على مستقبِلات الفيروس التي تنظم قدرته على العدوى وإحداث المرض. لهذا يشتغل قطاع واسع من الباحثين بدراسة المادة الوراثية للفيروس فى محاولة للتوصل إلى العلاقة التطورية بينه وبين فيروسات أخرى، ما يسهم فى فهمه ومعرفة الآلية التى يعمل بها داخل الجسم الانساني .

انطلاقًا مما نعيشه ونراه  الان مع تبعات كورونا من حظر وعزل وانحصار اقتصاد دول العالم وبداية الكساد التجاري العالمي  علاوة علي تهديد الفيروس الذي يحصد الارواح ولم يتم التوصل لعلاج او مصل جازم ينهي هذا الفيروس الجائح العالمي الذي ضرب جميع دول العالم مع اختلاف شدة زروته من بلد الي اخر,   نري ونعيش ايضا احداث على الساحة الدينية في هذا الخصوص، والطلب الملح الذي طالما طالب به الرئيس السيسي والمثقفين من ختمية تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث مما يتعارض مع معطيات العصر الذي نعيشه الان والمختلف تماما عن فقه مدون كتبه بشر في كتب تراثيه ليست منزله من قبل الله, وبه من فكر يبعث علي العنف ولفظ الاخر ممن لا يدينوا بالاسلام والذي يتغني به شيوخ الفتنه في مساجد مصر التي تحولت لقلاع محصنه تحارب اي محاولة للتجديد الذي من شانه انقاذ عقول وفكر وثقافة اجيال قادمه تتوارث نفس الافكارالتي تبعث البغضاء والتعصب  والتي باتت تتعارض مع لغة العقل والمنطق والتراحم الانساني  والسؤال الهام الذي يجب ان نواجه به انفسنا في مصر الان هل فيروس كورونا اتي ليحلل هذا الجمود التراثي الكهنوتي  ويحقق الامل الذي نبحث عنه في إمكانية تغير الخطاب الديني والتجديد بما يتناسب مع  يتتطلب المرونة لمواجهة التغيرات التي فرضتها جائحة كورونا ؟ بعد ان كشف  هذا الوباء المستجد ، عن وجود وعمق مشكلة المنهج الديني التعليمي والاجتماعي لدى المؤسسه الدينيه والعديد من المشايخ من مختلف الاتجاهات في فهم أدبياتهم الفقهية من جهة، وقصورهم عن استيعابها والتحقق بأدواتها الملائمه لمعطيات عصرنا من جهه اخري، والذي اكد مما لايدع مجالا للجدال عن قصور في فهم الواقع الذي تعيشه الانسانيه بعلومه المختلفة المتطورة والمتجدده وعن ما يعيشه القائمين علي الفقه الديني من جهة أخرىوهذا لا يتم إلا بناءً على معطيات علمية دقيقة يفتقدها المسؤلين عن الفتاوي الدينيه مابين الحرام والحلال الغير   مبنيه علي المنهج العقلاني المتوازي بما جاء من الثوابت في الكتب المقدسة وهذا ما دعا اليه القران الكريم في العديد من اياته والتي كانت اولها اقرا باسم ربك ,, واسالوا اهل الذكر اي العلماء والحكماء وغيرها. 

 * ازمة كورونا وتجديد الخطاب الديني :  

أنا اري ان أزمة كورونا لن تسهم في أي تغييراو تجديد للخطاب الديني  بالنسبة للمؤسسه الدينيه وللدعاء والشيوخ، لان هؤلاء مجتمعين لا يريدوا ان يراجعوا جمود  مناهجهم  بشكل علمي ونقدي وكل من يحاول ان يقترب من قلاعهم يحاربوه بكل الوسائل . ومرد الأمر الى غياب التفكير النقدي والعلمي لديهم ورفضهم لاي مناقشات من اجل التجديدحتي يظلوا هم المتحكمين بامر الله في عقول الاجيال ، ان هذا ما يوضح عمق المشكلة في طريقة تفكيرهم وقصور تكوينهم الفقهي الذي لا يستند علي المنهج العقلي والعلمي الواقعي .

أعتقد أنه يجب على من يتبنى قضية تجديد  الخطاب الديني أن يصحح الكثير من المسارات الخاطئة التي تختلط فيها المفاهيم الدينية الحقيقية ، والتي  تتعارض أساسًا مع العلم والرقي بمعاني وقيم الدين الذي جاءت من اجلها الديانات السماويه  والبعد عن التشبث بما كتبه السلف منذ قرون ماضيه والذي يتعارض مع الواقع  وينزع نحو الدروشة والتواكل المنهي عنه.

لابد من الاتجاه  بمنطقية وربط الأسباب الدنيوية بالسماوية مع الأخذ بما يقرره العلم في هذه الجوانب والاعتدال بين الاتجاهين معا, لان  في الوقت الذي نجد فيه ايضا بعض الملحدين يستغل أزمة الوباء ليصفّي حسابات أيديولوجية مع الدين فيقول لم يبق إلا العلم ولامكان للدين في هذه الأزمة أو يقول ما نفعله على الأرض هو ما يفيدنا لا ما يأتينا من السماء، وبين فئة من الناس ترفض تحكيم العقل والمنطق وتتشبث بعدم الأخذ بأي نوع من أنواع الحماية والوقاية من هذا الوباء، متذرعةً بأن الضار والنافع هو الله.. ناسين أن الضار والنافع هو الذي أمرنا بالأخذ بالأسباب حين قال النبي صلى الله عليه وسلم :إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ".

وبذلك فان ‏‎المسلم الحقيقي الذي يحقق التوازن هو الذي تتصل عنده أسباب الأرض بأسباب السماء ، فيؤمن أن مسبب الأسباب هو الله وبيده ملكوت كل شيء وهو بنفس الوقت يعمل بالأسباب الدنيوية من علوم وثقافات ويأخذ بها عند الحاجه  كالوقاية والبعد عن العدوى والبحث عن العلاج وتجديد الفكر المتوارثوالذي بات لا يناسب معطيات لغة العصر التي فرضت علي المجتمعات ان تتعايش معا علي كوكب الارض الذي بات كقريه صغيره متصلة اطرافها بعد النهضه التكنولوجيه والطفرات العلميه الحديثه والذت اصبحت تجمعهم مصالح متشابكه ومشتركه .

وهذا لن يتحقق الا بتضافر جهود مؤسسات الدوله السياديه وتعديل ما يجب تعديله من تشريعات دستوريه قيدت ومنعت كل محاولات اصلاح وتجديد الخطاب الديني في مصر . وها ذا قد سنحت الفرصه  بعد جائحة كورونا التي فرضت لغة العلم والمرونه وعدم الجمود ووضعت العالم كله في كفه واحده تتكلم بلغة واحده وهي  الحفاظ علي حياة البشر.