إنه بيت الكريتلية وبيت الجزار ومنزل آمنة ومتحف جاير اندرسون وجميعها اسماء من سكنوا هذا البيت ذو الطراز العثماني الفريد والذي كان في حقيقة الأمر بيتين في الماضي ولنقص الحكاية من البداية تبدأ الحكاية في العهد العثماني عام 1540 م عندما أنشأ المعلم عبد القادر الحداد بيته والذي آل في النهاية إلى آمنة سالم فعرف باسمها أما البيت الثاني فقد بناه عام 1631 م الثري الحاج محمد بن سالم المنتمي لعائلة الجزار الشهيرة ومنها أحمد باشا الجزار حاكم عكا والذي تصدى لحملة نابليون وكان آخر ساكنيه سيدة مسلمة من جزيرة كريت فعرف باسمها بيت الكريتلية...
ومع تهدم البيتين بمرور الوقت ولوجودهما ملاصقين لجامع احمد بن طولون بحي السيدة زينب بوسط القاهرة فقد انعقدت نية الحكومة المصرية في الثلاثينات من القرن الماضي على ضمهما للجامع ولكن أراد القدر أمر آخر.... كان الميجور جاير اندرسون طبيبا بالجيش الانجليزي المرابط بمصر ومع الوقت أحب مصر وآثارها بشغف شديد ويتحدث أندرسون عن عشقه لمصر في مذكراته المحفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن فيقول : (مصر أحب الأرض إلى قلبي لذلك لم أفارقها لأني قضيت بها أسعد أيامي منذ مولدي) حب اندرسون لمصر وغرامه بفتاة مصرية تقطن بمنطقة قريبة من الكريتلية مثلا طوق النجاة لبيت الكريتلية من الهدم والزوال حيث عرض على الحكومة المصرية ترميم البيتين وتزويدهما بمجموعة أثرية كان يقتنيها تنتمي لعصور فرعونية وإسلامية مختلفة من مناطق شتى علاوة على تحف أوروبية مقابل أن يسكن بهما على أن تؤول ملكية المنزلين بعد وفاته للحكومة المصرية وتسلم اندرسون المنزلين وشرع في عمل قنطرة في الدور الثالث لربطهما وجعلهما بيتا واحدا ..وفي عام ١٩٤٢ أطلقت الحكومة على البيت متحف (جاير آندرسون). ويحتوي المتحف على جناح السلاملك لاستقبال الضيوف والحرملك ويخص سيدات البيت وخزانة كبيرة بها المفتاح الأصلي للبيت بطول نصف متر تقريبا وفي الطابق الثاني مكتبة للكتابة وأخرى للقراءة وبالطابق الثالث توجد الغرفة التركية حيث آثار الحقبة العثمانية والغرفة الفارسية وغرفة ملكة إنجلترا والغرفة الصينية والغرفة الدمشقية أيضا. كما يضم عددا من اللوحات الفريدة لمحمد ناجي ومحمود سعيد والامير محمد علي توفيق والمصور الانجليزي سبيرلينج وبرنارد رايس مؤسس فن الجرافيك المصرى الحديث. أحاطت بهذا البيت الكثير من الأساطير والتي رواها لاندرسون الشيخ الصوفي سليمان الكريتلي خادم ضريح سيدي هارون الحسيني حامي البيت والقابع مقامه في أحد أركان البيت ومن كرماته أنه أعمى ثلاثة لصوص عن سرقة البيت فباتوا ثلاثة أيام يطوفون حوله دون أن يستطيعوا دخوله حتى تم القبض عليهم وحول مكانة هذا البيت فمكان البيت بحسب هذه الأساطير هو جبل يشكر أعلى جبال مصر و مستقر سفينة نوح وفي صحن البيت بئر عميقة في جوفها مياه طوفان نوح وقد جدده النبي يوسف عليه السلام وسمي بئر الوطاويط وحينما شيد احمد طولون مسجده وجد بهذا المكان بقايا سفينة نوح!! بالطبع هدف الحس الاسطوري واضح في اضفاء جانب من القداسة على هذا البيت فالمكان الحقيقي لسفينة نوح عليه السلام هو جبل الجودي كما جاء بالقرآن الكريم وجبل الجودي موجود بتركيا. كما الصقت هذه الأساطير بجبل يشكر قصة ذبح إسماعيل وادعاء أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام فوقه!!
أساطير البيت سجلها صانع يدعى الاسطي عبد العزيز عبده الشهير بأبي شنب نظرا لشاربه الكبير على أواني نحاسية صغيرة الحجم عليها رسوم للاساطير وكلمات استرشادية عنها... أما الرسوم الأصلية فمحفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن....ومن الأساطير الطريفة أن البئر الموجود به لو نظر إليه العاشق وتمني رؤية محبوبته فإن صورة الحبيبة تنعكس على مياه البئر وأن السبب في بناء البيت أن ملك الجان أمر ببنائه لتعيش به بناته السبع في أمان فوق جبل يشكر وأن البيت يسكنه ثعبان طيب وغيرها من القصص الخيالية ...
كانت أساطير بيت الكريتلية والتي جمعها اندرسون في كتابة مادة مشوقة وجذابة لصناع السينما فصور جيمس بوند به جزءا من فيلم الجاسوسة التي أحبتني عام 1977 فضلا عن العديد من الأفلام المصرية....
د. محمد فتحي عبد العال