"أد الإكرام للآثار القديمة.. والاحترام للأعمال العظيمة، ولاتحقرن الأساطير"
*Pliny
تعتبر سوريا من أغنى بلاد العالم بالأثار والمواقع الأثرية. وقد عرفت عبر تاريخها جميع الحضارات الكبرى، التي شهدتها بلدان البحر المتوسط والشرق الأدنى. في العصور القديمة والعصور الوسطى، وصولاً الى وقتنا الحاضر.
وإرث سوريا الحضاري، ليس بحاجة الى تضخيم، لكنه بحاجة الى ترسيخ والمطلوب أصلاً وأصلاً وأصلاً، هو كتابة تاريخنا بموضوعية، كما ذكر المؤرخ الكبير د.نقولا زيادة.
ونحن نلاحظ اليوم تنوعاً كبيراً في الآثار التى تركتها الحضارات السابقة، التي قامت على الأرض السورية، وتفاعلت مع الحضارات المجاورة. وإذا كانت البقايا الأثرية اليونانية والرومانية، والبيزنطية والعربية والفرنجية، تشكل أبنية لها من العناصر الهندسية، وفنون الزخرفة، مايثير الاعجاب فهناك نوع آخر من الآثار، هو الآثار العريقة في القدم، والتي كانت مدفونة تحت الأرض. والتي لم تظهر الا نتيجة الحفريات المنظمة ففي هذا النوع من الآثار يغلب الطابع العلمي على الطابع العمراني والفني. وتكمن أهمية هذه الآثار المكتشفة ليس فى جمالها فقط، بل في النتائج العلمية، التي تعطيها أيضاً.
الآثار السورية
لقد تمت أكتشافات أثرية مدهشة في ربوع سوريا، خلال القرنين الماضيين، جعلت من سوريا موضوع اهتمام كبير، من قبل الأوساط العلمية العالمية، وكثير من البلدان الآن تعكف على دراسة تاريخ سوريا وحضارتها.
وكثيرة هي البلدان التي تشارك اليوم في أعمال التنقيب الأثري في سوريا من خلال بعثاتها الأثرية.
ويعتقد أن في سوريا مايتراوح بين ثلاثة الى اربعة آلاف تل وموقع اثري. لم يتم التنقيب الا في نحو الف منها حتى الآن تتوزع في مناطق متعددة.
إن ماضي سوريا من الغنى بحيث ترتبط مواقعها الطبيعية بالتاريخ ارتباطها بالجغرافيا فالرؤوس البحرية والخلجان الوادعة والأنهار وقمم الجبال توحي بالأساطير والقصص، تماماً كما توحي بها مواقعنا الآثرية.
علم الآثار Archaeology
بدأ علم الآثار كهواية أولاً، لدى المولعين بتجميع التحف الفنية والآثرية، وخزنها. كما أقاموا لها المتاحف الخاصة.
أما علم الآثار بمفهومه الحديث، فقد بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو حقل من حقول علم الانسان Anthropology وعلم الآثار علم واسع له تخصصاته وهو بالنسبة للبلدان العربية. علم حديث نسبياً وهو يفيد في توضيح الهوية الحضارية لأي شعب من الشعوب!
يدرس علم الآثار أصل الحضارات وتطورها. و يختص بدراسة البقايا المادية، التي خلفها الانسان عبر العصور. ويبدأ اهتمام علم الآثار ببداية صنع الانسان لأدواته ومع الدراسة العلمية لمخلفات الحضارة الانسانية الماضية تدرس فيه حياة الشعوب القديمة. وتشتمل تلك المخلفات على المبانى والعمائر، والقطع الفنيه، والفخار والعظام. وقد تكون بعض الاكتشافات مثيرة مثل الحلي الأثرية.
واكتشاف الآثار يسهم في رسم صورة عن معالم الحياة في المجتمعات القديمة. وعلم الآثار هو السبيل الوحيد، لكشف حياة المجتمعات ومظاهر الحضارات القديمة.
الموقع الأثري
هو المكان الذي يضم الدليل الأثري. ويستخدم علماء الآثار وسائل وتقنيات خاصة لجمع الدليل الأثري. وتحديد الموقع الأثري، هو الخطوة الأولى التي يجب على عالم الآثار القيام بها.
وربما تكون المواقع الأثرية، موجودة فوق سطح الأرض، كما أنها قد تكون موجودة تحته،أو تحت الماء، وهناك العديد من المواقع الأثرية التي يتم اكتشافها بالمصادفة.
اهمية علم الآثار
يسهم علم الآثار في توطيد وربط العلاقة بين الماضي والحاضر، كما أنه يوضح أصول هوية وثقافة البشر. ويسجل التطورات ودراسة سلوك الانسان والبيئة الانسانية. وكم من حضارة ظلت تحت الأرض. حتى قدر لها من علماء الآثار من يكتشفها ويسلط عليها الأضواء.
وعلم الآثار اليوم من العلوم المساعدة لعلم التاريخ. كما هي الحال بالنسبة لعلم اللغات القديمة، ودراسة المخطوطات. لكن البحث الأثري يظل الأقدر على إغناء معلوماتنا وتجديدها. وقد كتب عالم الآثار الفرنسي sauvaget بهذا الصدد: "على علم الآثار أن يجعل نفسه خادم التاريخ. بدلاً من أن يجعل نفسه علماً مستقلاً".
عالم الآثار عبد الله حجار
-مهندس مدني وخريج كلية الهندسة بجامعة حلب عام (1963).
-انتسب لجمعية العاديات التي تهتم بالتاريخ والآثار عام (1970) والتي تأسست في عام (1924) وهو اليوم مستشارها العلمي.
-شارك في رحلة العراق عام (1971) زار فيها بغداد والموصل والعديد من المواقع الأثرية.
-اهتم بالمدن المنسية في شمال غرب سوريا. والتي تعود الى العهد البيزنطي. وشارك في الدراسات الأثرية والتاريخية فيها. التي قام بها عدد من علماء الآثار الأجانب، ومنهم (جورج تشالنكوم) و (جان بيير سوديني) الحاصل على جائزة نوبل.
-إرتبط اسم المهندس عبد الله حجاز بمدينة حلب، وتاريخها ومعالمها الأثرية وهو لم يبخل عليها من روحه وجهده وعلمه وعقله. حتى أصبح علماً من أعلام مدينة حلب.
وعبد الله حجار المهندس والمؤرخ والباحث الأثري هو من مواليد مدينة حلب عام (1939). وقد عمل في مجال الهندسة، لمدة تقارب ثلاثين عاماً. ثم قضى عشرين عاماً كمهندس استشاري حتى تقاعد في نهاية عام (2012).
وعبد الله حجار حاصل على دبلوم آثار من معهد التراث. كما شغل عضوية مجلس مدينة حلب لعدة سنوات.
وكان قد ذهب في عدة بعثات دراسية واطلاعية الى فرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية. وهو يتحدث الانجليزية والفرنسية وملم باللغة الالمانية إضافة الى اللغة العربية.
نشاطاته الفكرية
أهم ماعرف عن الصديق (أبو الياس) نشاطه الفكري واهتمامه بالتاريخ والآثار. وخدمة السياحة وحماية البيئة. وقد قدم العديد من المحاضرات المرفقة بالشرائح الضوئية (Slides) للتعريف بآثار سوريا، ودورها الحضاري المتميز. كما اهتم بالدعوة الى حماية الآثار وترميمها.
ومن الأبحاث التي نشرها (سوريا وأهميتها الكبرى في العالم القديم، ترجمة عن العالم أندريه بارو) و (مدينة قورش الأثرية) و (أهمية مدينة الرقة منذ الفتح العربي: ترجمة عن الألمانية) و (الفن المسيحي في سوريا البيزنطية) و (لغز دير مار مارون) و (مدينة ماري. حاضرة الفرات الأوسط) و (حماية القرى الأثرية) و (مملكة إيبلا) و (آثار الساحل السوري) و (المعالم السياحية في سوريا) وغيرها الكثير.
أهم مؤلفاته
عبد الله حجار مؤلف غزير الانتاج، له العديد من الكتب المطبوعة وغيرها مخطوطة ومن اهم مؤلفاته:
1/ (معالم حلب الأثرية): وقد ترجم الى الانجليزية والفرنسية والالمانية.
2/ (كنيسة القديس سمعان العمودي، ومواقع أثرية في جبلي سمعان وحلقة): ترجم الى الانجليزية والفرنسية والالمانية.
3/ (إضاءات حلبية: تاريخ ومعالم وتراث).
4/ (آثار مدينة قورش والقديسان قزما ودميان)
5/ (أرمينيا جذوري): ترجمة عن الفرنسية.
6/ (أصدقائي علماء الآثار): قيد الطباعة.
7/ يمكن أن نضيف الى هذا العديد من المقالات والابحاث المتعلقة في مجملها بتاريخ مدينة حلب ومعالمها: مدارسها وكنائسها وحاراتها واسواقها، خاناتها وسكانها، قناصلها واهميتها التجارية... وكان شكسبير قد ذكر مدينة حلب مرتين في مسرحياته.
تكريم عبد الله حجار
حصل المهندس والباحث في علم التاريخ والآثار عبد الله حجار على العديد من الجوائز التكريمية، تقديراً لجهوده الكبيرة ومن أهمها:
1/ جائزة الابداع الفكري من مجلس مدينة حلب في عام (2001).
2/ وسام (القديس سلفستروس) برتبة فارس من قبل قداسة البابا فرنسيس الثاني بابا الفاتيكان. على اسم القديس سلفستروس البابا الذي كان في زمن الامبراطور (قسطنطين) في اوائل القرن الرابع الميلادي.
من أقوال عبد الله حجار
في الصيف الماضي قمت بزيارة عبد الله حجار في منزله وتداولنا الأحاديث الشيقة حول اهتماماتنا المشتركة في الابحاث التاريخية والاثرية وقد كان مما قاله: البحث في التاريخ والآثار عمل ممتع. وهناك عمل كبير يجب أن يشارك فيه خريجو كلية الآثار. مع البعثات الأجنبية لاكتساب المزيد من المعرفة والخبرة. وإرسال البعثات التخصصية في مجال التنقيب والآثار، ودراسة اللغات الشرقية كي نقرأ تاريخنا بأنفسنا ولايقرؤه الآخرون علينا.
وقد اتخذ الباحث عبد الله حجار من قول الشاعر الألماني (غوته Goethe) شعاراً وهو: "حياة بدون فائدة موت مبكر".
وعندما سألنا عبد الله حجار، عما دفعه للإهتمام بالآثار ةالبحث الأثري قال:
"اتجهت الى علم الآثار منذ العام (1986) عندما كنت من المساهمين في تسجيل مدينة حلب، عندما تقرر إدراجها في لائحة التراث العالمي. إضافة الى تعرفي على عالم آثار ولغات بلجيكي هو (أندريه فينيه) في عام (1964) وحضوري محاضرة قيمة له. ولازلت أذكر قوله: "ادرسوا تاريخكم وآثاركم".
ويقول الباحث حجار: "سوريا مليئة بالآثار. وماتم التنقيب عنه حتى الآن قليل. وقبل عام (2010) كان هناك (200) بعثة أثرية أجنبية تعمل في سوريا.
الآثار والبيئة
لم تتعرض آثار في العالم. إلى نفس الدرجة من الاهمال والتشويه، كما تعرضت الآثار السورية. وهنا لابد من التنويه الى ضرورة الفصل بين المعتقدات السياسية والدينية من جهة، والآثار من جهة أخرى..
إن فقدان الاهتمام الرسمي والشعبي بالآثار، وعدم استتباب الأمن، وعدم التعريف بقيمة واهمية الآثار. قد أساء كثيراً الى آثارنا ومازال.
وقد بات الكثير من المواقع الأثرية (مقالع) مكشوفة لتقصيب الحجارة. ونقلها لبناء المنازل. وذلك ليس على مدى عقود من السنين بل على مدى قرون طويلة.
وقد اشار الى ذلك الشاعر أبو العلاء المعري، الذي عاش قبل نحو ألف عام.
وإن مقارنة الصور والرسوم التي وضعت لدى زيارة العالم الفرنسي Charles De Vogue للمدن المنسية في شمال غرب سوريا، في عام (1861) مع الواقع الحالي لهذه المدن التي تعود للعهد البيزنطي، تظهر مدى التخريب وسرقة الحجارة، التي تعرضت لها تلك المواقع، خلال قرن ونصف فقط. وهذا يذكرنا بما قاله الشاعر (اليكساندر بوب) في كتابه (هيكل الشهرة) أن: الزمن العدائي قهر معظمها..!
إن وجود جو من الجهل، مع عدم توافر الحماية اللازمة للآثار جعلها معرضة للتخريب، كما جعلها نهباً مستباحاً إضافة الى اهمال ترميمها وعدم وجود التمويل اللازم لذلك.
وهنا لابد من الإشارة الى ضرورة انشاء مركز للبحوث التاريخية والأثرية في سوريا، ونشر الوعي بما يتناسب مع الغنى الفريد بالآثار الذي تتمتع به بلادنا.
وفي الختام نقول:
الآثار هي مرآة صادقة، تعكس تاريخ الأمم وحضارتها وثقافتها. وإن تاريخ سوريا بأكمله لم يكتمل بعد. وليس بين أيدينا اليوم أفضل من كتاب (تاريخ سوريا) بجزئيه للمؤرخ (د. فيليب حتي) نقرأ فيه تاريخنا. رغم مرور وقت طويل على ظهوره.
وتاريخ سوريا –كما نتصوره- يمكن أن يؤلف سفراً رائعاً، يظهر عظمة تاريخنا. حيث لم تبق أمة تعمل في استنتاق الاثار، الا وقد خصصت علماء من ابنائها للاهتمام بالحضارة السورية.
وإن اسم (سوريا) يستحق أن يسجل اليوم في السطر الأول من الصفحة الأولى في سفر الحضارة الانسانية.