كل الجدل الدائر بين الناس والأسى من الفجور المجتمعي عندما تتحرش كتيبة بفتاة ترتدي الجوب القصير يصب في خانة واحدة وهي البحث عن متسبب لوضع اللوم عليه.
هذا المتسبب قد يكون أحد أو بعضا من الآتي:
- الفتاة المتحرش بها هي السبب...
- التوجيه الديني المفقود هو السبب...
- ضعف التوجيه الأسري ...
- البطالة هي السبب ...
- ضعف القوانين الرادعة ... وغيرها من قوائم طويلة من الأسباب.
كل هذه وجهات نظر يا سادة، وتجدهم يستضيفون البدل والكرافتات في الفضائيات وتدور الأحاديث وتسمع العبارات المنمقة والأرقام المفبركة والاتهامات المحشوة بالمصطلحات العلمية والمسميات الرنانة مثل خبراء المركز القومي للبحوث وعضوات المجلس العالمي للمرأة والدكتور فلان خبير السلوك الاجتماعي، والشيخ علان وبيده بعض أحاديث نبوية و...و...
دعونا من علاج مشاكلنا بالرغي، فهناك ما يعرف بالمنهج العلمي في حل الإشكاليات ويعتمد على:
* تحديد المشكلة والتأكد من كونها ظاهرة (تسميتها)،
* قراءة الأعراض، تحديد الأطراف، الربط بالأسباب،
* اقتراح الحلول، تخيل نتائج تطبيق الحلول، ثم تطبيق أفضل سيناريوهات العلاج، مع الاحتفاظ بالحل التالي كبديل استراتيجي في حال فشل تطبيق الحل الأسبق،
* وأخيرا .. تدقيق النتائج.
ولن أسبغ على شخصي المتواضع كل الحنكة ولن أُجَهِّل كل أصحاب البدل والكرافتات في الفضائيات، ولكن دعنا نتأمل السياق المماثل لكل من هذه الأسباب في مجتمعات أخري:
- هناك دول تكتظ بالسكان ولم تعتنق الإسلام وليس بها "أزهر" مقصر أو "كنيسة" فقدت دورها، بل إن غياب الدين هو السمة بين الناس فيها، ولم نسمع عن تحرش ولا اغتصاب رضع ولا حمل سنج ومطاوي..
- في الستينيات لم تكن قوانين مصر مكتظة بالعقوبات مثلما هي عليه الآن، ومع ذلك تفشى التحرش لاحقاَ ولم أسمع هذا اللفظ في شبابي.
اذن ، فلننس تغليظ العقوبات، فالمخدرات عقوبتها الإعدام ولم تنهار تجارتها.
الموضوع يا سادة – بشكل علمي – هو الفرق بين العقل الفردي والعقل الجمعي !! نعم، واليكم التفاصيل:
العقل هو القوة الرادعة لكبح جماع النفس البشرية، فأنا في حالة هياج جنسي، ولكن عقلي سوف يقف عقبة أمام محاولتي إشباع الرغبة بالاعتداء على أنثى ليست حلالي.. أنا جائع، ورأيتك تقضم صاندوتشا، فيمنعني العقل من خطف ما بيدك لإشباع جوعي.. قد أرى أحدهم يعد نقوده وبيده رزمة من الأوراق المالية، وسوف يمنعني عقلي من خطف ما بيدك لسد حاجتي وإشباع الفقر.
هذا العقل هو ميثاق العلاقة بين الله والعباد عندما أوجد منهج التكليف، وغيابه يسقط عنك الفرائض، بل إن تصنيفك الجديد بعد فقد العقل يحول دون محاسبتك حتى وان قتلت كل الناس، وهذا ما جعل الله يسقط التكليف عن الطفل والمجنون والنائم والسكران وبالطبع، ستجد أن القاسم المشترك هو غياب العقل. هذا هو العقل الفردي.
أمّا "العقل الجمعي" فهو وفق تعريف علمي "جملة الحسابات التي يؤتيها العقل الفردي استنادا إلى القياسات المجتمعية".
زمان في السبعينيات مثلا، كنت أتردد مليون مرة قبل الخروج للشارع لأن كم القميص مكرمش قليلا، أو لأن لون القميص لا ينسجم مع لون البنطال، وكان الردع يأتي على فرضية استياء المجتمع من مظهري الشاذ.. إذن حكم وذوق المجتمع مقدم على صلاحياتي، وهو ما كنا كثيرا نقرأه في عبارة " الناس تقول عليا إيه" أو "الناس تاكل وشي"، أما غياب أو عدم استحضار الحكم المجتمعي، فهو السبب في قبول البعض بارتداء البنطال المهترئ حول الركبة (فهو لا يبالى بحسابات الوقار المجتمعي).
كانت ربة المنزل تتفنن في نشر الغسيل بترتيب مقاسات القطع، فملاءات السرير في الخلف، والألبسة القطنية في الأمام، وتحشو اللانجري النسائي في المنتصف، ماذا وإلا "الناس تقول علينا ايه؟" ولم تكن الزوجة تسمح لزوجها الموظف بالخروج وياقة قميصه متسخة "الناس تقول عليها ايه – متجوز واحدة مهملة؟" وبالطبع لا أحد يعرف هذه الزوجة في المجتمع.
عندما كان العقل الجمعي فعالاَ، كان كافيا لردع تصرفات كثيرة حتى وان توافقت مع حساباتك الشخصية.
هل تدرون لما اختفت عبارة "انت عايز الناس تاكل وشي؟" أو بمعنى آخر لماذا تقلص العقل الجمعي؟ إنه المكيال الجديد الذي أتت به السينما عبر أعمال متتالية عبر سينما اللحم الأبيض أقصد سينما السبكى.
إسهام عادل إمام في التحرش الجنسي:
هو الواد الروش الذي يتحرش بالأنثى وصاحب النظرات الجنسية والإيماءات الجسدية والإسقاطات اللفظية وبالطبع لا تجرؤ البطله على لطشه على وشه لأنه النجم!! هذا الفج هو الوكيل الحصري للتحرش بالفتيات في مصر.. راجعوا أفلامه وحاسبوه.
اللى ماشافش فيلم التجربة الدانمركية، يقدر يتفرج على فيديو التحرش الجماعي بفتاة المنصورة.