د. ياسين العيوطي يكتب: الحيوان الأليف المفترى عليه

 يعتبر الكلب في معظم أرجاء الأرض ”صديق الإنسان“. ولكن هذه الصفة وهذا التعزيز لا يوجدان في الثقافة الشعبية بين المسلمين. ذلك لأن هؤلاء يعتقدون أن فم الكلب نجاسة تُبطل وضوءهم وتلغي الاطمئنان إلى صلاتهم، وتُلوث ثيابهم.

 من أين شاعت هذه النظرة إلى صديق الإنسان؟ يستخدمه في حراسة عقاره وشخصه ثم يلغي فضله عليه في ساعات الشدة. وقد يركله في أوقات عدم حاجته إليه أو يمنع عنه لقمة العيش.

قول المفترون على الكلب إن النجاسة تقبع في فمه المبلل. لم أجد في القرآن الكريم أو السُنّة المحمدية أية إشارة إلى هذه الخرافة!! لكنني أجد في محكم كتاب الله إشارة تحية إلى الكلب في سورة الكهف. جاء في تلك السورة، ورقمها وآيتها التي أقتبس منها الآن هي الآية رقم 18 ما يلي بشأن أهل الكهف ودور الكلب:

”وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا“.

 وفي تفسير هذه الآية تقول ”لجنة القرآن والسُنّة“ التابعة لوزارة الأوقاف المصرية: كلبهم الذي صاحبهم مادا ذراعيه بالفناء وهو نائم أيضا في شكل اليقظان.

أما آن لخرافة نجاسة فم الكلب أن تزول؟ إن فم الجاموسة أو البقرة وحتى الماعز هو أيضا فم مبلل. وليس لأية من هذه الحيوانات إسهام إلا اللبن واللحم والجلد. ليس لأي منها دور في التنبيه بالنباح إشعارا بقدوم خطر من إنسان غريب أو حيوان ضال آخر. الكلب يفتك بعدو صاحبه.

الكلب المفترى عليه مجند أيضا في الحروب وأطقم الشرطة للحراسة وتعقب المهربين والخارجين على القانون. وتكريم الغرب والشرق للكلب هو احترام لدور هذا الحيوان في السراء والضراء. خلقه الخالق الذي أوحى إلى محمد (ص) في سورة النور الآية 45:

 ”وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“.

ترى في هذه الآية الكريمة أن الإشارة إلى الإنسان الذي يمشي على رجليه جاءت في إطار كل من خلق الله من دواب. والكلب هو أحد هذه الدواب إذ تطور من فصيل الذئاب ليصبح أليفا وصديقا للبشر، وحارسا. أذكر أن الكلبة Tifanny كانت تحرس ولدنا يوسف وهو طفل في عربته أمام باب منزلنا وكأنها أمه!!

 أكدت كل الأديان والعقائد العناية بالدواب الأليفة بما في ذلك إطعامها وتخليصها من الجروح والأدران. بل إن المجتمعات الراقية تنفق الكثير على طعام هذه الدواب لدرجة تعدد أنواع الأطعمة المعلبة لتلك الحيوانات. وتمتلئ الصحف ووسائل الإعلام الأخرى بالدعاية لتبني هذه الدواب. وأبرزها الكلاب والقطط التي يأنس إليها الأطفال. ومن هنا يبدأ تدريب الصغير على الرأفة والحنان، إذ تلتصق به القطة أو الكلب وكأنها تذكره أو تذكر الأنثى الصغيرة: ”لا تخافي ولا تحزني، فنحن إلى جوارك نقبلك ونسري عنك ونسمع بكاءك فنسرع إليك قبل أن تصل إليك يد الوالدة أو الوالد“.

  في المطارات وعربات القطارات والأوتوبيسات رجال ونساء الشرطة المنوطة بهم الحراسة العامة. يمسكون بزمام الكلاب التي تعتبر أيضا موظفين عامين، بل وتقلد أحيانا النياشين حين إنقاذها للبشر من المخاطر. ونرى أيضا الضرير/الضريرة تسعى آمنة وسط زحام الخلق والسيارات في المدن ويسمونها ”الكلاب المبصرة seeing-eye dogs“. يفسح الناس لها أماكن لجلوس أصحابها. ثم يجد الكلب مكانا تحت المقعد أحيانا ليكون تحت إمرة ذلك الضرير.

ولعلنا نذكر اسم الكلبة لوسي Lucy وكانت ممثلة تمثل في التلفزيون. وأحيانا يقود الكلب المخبرين الباحثين عن مكان القتيل!!

على المجتمع الإسلامي أن يعيد رد كرامة الكلب إليه، إذ هو دابة لها الحق الحيواني الذي يضارع تقريبا الحق الإنساني في الحياة والرعاية.

إن النجاسة ليست في فم الكلاب بل هي في يد مَن يحرمون تلك الدواب الأليفة من الحياة والرعاية التي تنادي بها كل الشرائع.

 

بقلم: د. ياسين العيوطي

المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك