"القهوة " بقلم إبراهيم الديب

"القهوة " بقلم إبراهيم الديب
"القهوة " بقلم إبراهيم الديب
"
 
 عماد يعشق القهوة  منذ صغره ويحرص على وتناولها بشغف شديد وبكميات كبيرة على مدار اليوم .على كافيتريا بعيدة  نسبياً عن منطقته التي يقطنها ، طلب قهوة سادة كعادته، فرمقته ؛مجموعة من الأشخاص يجلس بجوارها بنظرة لا تخلو من استخفاف لصغر وجرأته  طلبها بكل ثقة وكأنه يحمل مشاكل الكون بمفرده ومعني بحلها ، عماد الذي يزحف نحو العشرين عاماً يبدو مستفزا  في بعض الأحيان دون شعورا منه ، فبدأ أحد أفراد المجموعة مع  عماد حوارا وهو أشدهم حنقا علي غيظا منه  قائلاً :
-هل تشرب القهوة سادة ،؟ 
- نعم...
-منذ متى ،؟
- منذ أكثر من سبع سنوات..
- باستخفاف وتهكم  ولهجة لم يستطع الفتى هضمها  هل أنت متأكد مما تقوله .؟
ببعض الحدة:
- نعم.
-ثم زميله الغاضب أيضاً من عماد الذي يتناول القهوة برشفات متتالية و المتحفز للحديث معه منذ بداية الحوار الذي فهم عماد من نظراته و لسان حاله يقول: من أنت حتى تتحدث بهذه الحدة قبل الثقة التي تتحدث بها مع أحدنا هكذا وعن القهوة كأن عماد :ارتكب جرما بتناول القهوة ،ما زالت  نظراته الحارقة تواصل تحقير ه والتقليل من شأنه، الذي انتهى من تناول القهوة بسرعة شديدة ، ليتفادى نظراتهم المصوبة تجاهه وتصدر ضده أحكاما عقاباً على اتهامات لعماد , الذي ادرك  أنهم  سيحولونه مادة لتسلية جلستهم وبالفعل توجه إليه المتحفز للحديث منذ البداية قائلاً  :
-أعتقد أنك موهوم لأنك ما زلت غضا صغيرا على تناول القهوة  ..
فاعتدل الفتى حتى أصبح فى مواجهتهم جميعا  و بدأ في الرد عليهم ومناقشتهم بحدة و منطق المظلوم الذي يملك أدلة براءته ،وأن تناوله للقهوة قسراً عنه :
- أنا لست موهوما بتناولي للقهوة فمن وجهة نظري أن كل المشروبات الى المعدة ، اما القهوة ف طريقها الى المخ مباشرةً، وبعد سريانها واستقرارها به؛ اهتف بيني وبين نفسي: المجد للقهوة الشقية الساحرة المنعشة اللئيمة مشعلة اليقظة في كل حواسي الحاضرة دوماً على ؛موائد الصحبة الحكي الشفيف والبوح الجليل، المجد لرائحتها في الصباح ,التي تشبه رائحة النصر هناك شيء ما غامض، مجهول تبحث عنه بشغف شديد كل مسام جسدي ، كأني  بوجود كوبها في يدي امسكت: الزمن واوقفته لحظات ؛ قبل أن يتسرب من بين يدي ،  يحدث بعد كل رشفة اتناولها و كأني احلق في عوالم بعيدة ،هل يصدق منكم احد انني ادمنت رائحتها وهي ما زالت" بنا مطحونا" قبل رؤيتي لحبوبها المعجزة وأنا ما زلت طفلاً صغيراً:  كانت تداهمني  رائحتها النفاذة المنبهة، و شوارع وأزقة المدينة  تلفني،  وعرفت بعد سؤالي عنها أنها رائحة القهوة  فأقبلت  عليها بنهم واعتدت تناولها ؛بكميات كبيرة حتى هذه الساعة التي اتحدث فيها معكم؛ دون توقف، ودون الوقوف على سر غرامي بها بصورة  صحيحة ،ليس عندي تعليل أو تحليل منطقي،  ابرر به علاقتي بها ، أقنع به غيري .. نصحني الأطباء أو التقليل  من الكمية التي اتناولها حاولت ،ولم أفلح فى ذلك، فترة صمت من الجميع.
 قرأ عماد بعدها من ملامح وجوههم شئء من التقدير مصحوب ببعض الخجل  من حديث عماد غير  المتوقع، ولم يعقب منهم احد لعلمهم لم يجدوا ما يقولونه فقطع عماد الصمت : حبى للقهوة وشغفي جعلني أبحث عن موطن شجرتها الأصلي الذى أتفق المؤرخون أنه اليمن... ثم انتقل بعدها للحبشة عبر باب المندب ، ثم غادرت شتلاتها لأمريكا اللاتينية وخاصة البرازيل ،ولم يفت عماد أن يثني على زارعيها ،وطاحنيها وصانعيها  وشاربيها دون شعور منه ، وأن المجد للقهوة في كل مكان في الصحاري والمدن وعلى حواف الحقول و جلسات الأصدقاء ونقاشهم  المثمر و جدلهم البيزنطي وسفسطة الجميع.
 و واصل وهم صامتون سعداء شغوفين بتجوله في تاريخ القهوة وعلاقته بها منذ الصغر اخبرت بذلك ملامح الوجوه ولسان حالهم يقول: هل من مزيد فأخذ يحصي ،و أول من تناولها ، هم جماعة الصوفية من الأتراك تساعدهم على اليقظة مادتها المنبهة لتباعد بها بين أعينهم وبين نوم يمنعهم ذكر الله وعبادته ،وقص عماد عليهم أن أول من صنع القهوة فى مكة المكرمة،  فى القرن الخامس عشر، أبلغوا عنه الشرطة لأنه اتي لا يعرفه الناس بدعة ينكرها الشرع،  وهم ينصتون لعماد بشغف شديد نظر إليهم بعد أن حولهم  لتلاميذ دون شعور منه او تخطيط :  هم واقفاً  مغارا الكافتيريا ثم ملوحا لهم بيده وهو يدس ثمن المشاريب في يد الجرسون ليلفه الشارع ويغيب في زحامه .