- اعتراف 30 دولة بالإبادة يحاصر «سفاح العصر»
- واصل الضباط المحليون ترحيل الأرمن دون ملابس أو طعام أو ماء كافٍ لهم عبر الصحراء تحت أشعة الشمس القاتلة أثناء النهار والبرد القارس ليلاً
العثمانيون تاريخ ممتد من سفك الدماء، فبالرغم من مرور أكثر من 100 عام على الجريمة التركية بحق شعب الأرمن إلا أن بشاعة تلك المذابح أكبر من أن تصبح طى النسيان، فبعد مرور قرن من الزمان تمكن الأرمن من المهاجرين من الحصول على اعتراف دولى بالمذبحة التى توصف بـ«الإبادة الجماعية»، وشملت الإبادة التركية للأرمن الشنق والحرق والتهجير القسرى للآسر الآمنة، ووفقًا للوثائق التاريخية فقد بلغ عدد الأرمن المغدور بهم مليون ونصف المليون من ضحايا الإبادة والعنصرية التركية.
ونفذ العثمانيون ما سمى بالمشروع التورانى لتطهير تركيا من غير الأتراك فشنوا حملة تطهير عرقى استهدفت العرب والأكراد والأرمن، وهى الإبادة التى حصدت أرواح مليون ونصف المليون من الأرمنيين الذين كانوا تحت مظلة الاحتلال العثمانى، وكانت الثروات التى يسيطر عليها الأرمن دافعًا كبيرًا، ليكون الشعب التركى شريكًا فى الجريمة مع حكومته، إذ استخدمت حكومة الاتحاد والترقى هذه الثروات لإقناع الرافضين لفكرة التخلى عن دولة الخلافة، فى محاولة لاسترضاء هؤلاء بإحلالهم محل الأرمن، يرثون ممتلكاتهم وأراضيهم ويستولون عليها بتسهيل من الحكومة المتطرفة.
وشملت عملية الإبادة التركية للأرمن الإعدامات شنقًا وبالرصاص، والتهجير القسرى فى ظروف تدفع إلى الموت، تهجير الأرمن المقيمين تحت الاحتلال العثمانى إلى حلب، فى مسافة ألف كيلو مشيًا على الأقدام، بالإضافة إلى تتريك الأطفال عنوة لاستخدامهم كخدم أو لاستغلالهم جنسيًا.
وفى أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، شكَّل بعض الأرمن منظمات سياسية ساعين إلى مزيد من الحكم الذاتى، ما أثار شكوك الدولة العثمانية حول مدى ولاء الطائفة الأرمينية داخل حدودها.
وخلال الفترة بين 1894 و1896، لقى 80 ألف أرمينى حتفهم بين فيما تشير المصادر التاريخية المتعددة إلى وقوع مذابح إبادة الأرمن بين عامى 1915 و1922، بوصول حكومة الاتحاد والترقى أو ما سمى بـ«تركيا الفتاة» إلى الحكم.
واعترفت 30 دولة حول العالم بجريمة تركيا بحق الأرمن، وأطلقت مصطلح «الإبادة الجماعية» لتوصيف المذبحة التى تعرض لها الأرمن، بينها دول كبرى مثل روسيا وألمانيا وإيطاليا وآخرها فرنسا، حيث اعترف ماكرون بتلك المذابح، إضافة إلى منظمات دينية وسياسية مثل الكنيسة الكاثوليكية والبرلمان الأوروبى، إلا أن تلك الدول والهيئات لم تتمكن من قيادة الإجماع الدولى لإدانة المذابح، وكانت هناك دائما محاولات للاعتراف رسميا بإبادة الأرمن، إلا أن لعبة المصالح كانت تتدخل دائمًا.
وفى 24 إبريل 1915، وفى إطار مخطط بغيض لاستئصال الأرمن، كان القرار الذى تناول النخب السياسية والاقتصادية والفكرية والدينية من الأطباء والمحامين والمدرسين والصحفيين والكتاب والسياسيين الأرمنيين وغيرهم، تم إعداد كشوف بأسمائهم، وتم القبض على المئات منهم، وقتل بعضهم، وأرسل آخرون إلى المعتقلات قبل قتلهم.
وقتها ألقت تركيا القبض على 600 مفكر ومثقف أرمينى فى القسطنطينية يوم 24 إبريل 1915، ورحلتهم إلى الشرق لتنفذ فيهم الإعدامات الجماعية شنقًا، مستهدفة تجريد الأرمن من رؤوسهم المفكرة حتى يسهل عليها إبادة من بقى منهم دون أدنى مواجهة، ليبقى يوم 24 إبريل هو الذكرى السنوية لهذه الجريمة التركية بحق الإنسانية.
وفى تلك الأثناء بدأت الصحافة التركية فى وصف الأرمن بـ«أعداء الداخل»، وبخونة الوطن والمتضامنين مع الحلف الثلاثى «فرنسا - بريطانيا - روسيا». وسُربت إلى الصحافة إيحاءات تتهمهم بالتآمر على أمن الدولة وتعد الجمهور لاستقبال إجراءات جذرية فى حق الجماعة الأرمنية كلها.
وفى مارس 1915 كان قرار اللجنة المركزية الاتحادية باستئصال الأرمن، عبر جماعات من المجرمين قضوا فترات عقوبتهم، وتم تشكيل وحدة شبه عسكرية منهم باسم «تشكيلاتى مخصوصة»، وكان الهدف واضحا، تصفية الأرمن، أو نفيهم.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أنه بداية من مايو 1915، توسعت الحكومة العثمانية فى عمليات التهجير القسرى للأرمن، حيث زحف المدنيون للتخييم فى المناطق الصحراوية فى الجنوب «اليوم: شمال سوريا وشرقها، وشمال المملكة العربية السعودية، والعراق».
وشارك فى إبادة الأرمن المسؤولون والشعب آنذاك، فقد أصدرت جمعية الاتحاد والترقى تعليمات من القسطنطينية، وتأكدت من تنفيذ تلك التعليمات من خلال عملاء فى منظمتها الخاصة وإداراتها المحلية، بل كانت ترصد وتجمع بدقة بيانات عن الأرمن المرحلين، وعدد ما خلفوه وراءهم من ممتلكات ومقتنيات.
ومن أعلى مستويات حكومة الاتحاد والترقى كانت التعليمات يجرى تنفيذها بدقة، وكان أبرز مجرمى الإبادة بحق الأرمن: طلعت باشا «وزير الداخلية»، وإسماعيل أنور باشا «وزير الحرب»، وبهاء الدين صقر «المدير الميدانى للمنظمة الخاصة»، ومحمد ناظم «زعيم التخطيط الديموغرافى».
وواصلت الحكومة التركية جريمة الإبادة بحصار الأرمن داخل أراضيهم، حيث خصصت اللوائح الحكومية للسكان الأرمن ما لا يزيد عن 10% من مساحات معينة «وفى بعض المناطق، لا تزيد المساحة المخصصة لهم عن 2%»، وتقتصر المستوطنات المطلوبة على 50 أسرة وتقع بعيدة عن كل من خط السكة الحديدية ببغداد وعن بعضها بعضًا، ضمانًا لعدم وجود العرق الأرمينى والقضاء عليه.
كما واصل الضباط المحليون ترحيل الأرمن دون ملابس أو طعام أو ماء كافٍ لهم عبر الصحراء تحت أشعة الشمس القاتلة أثناء النهار والبرد القارس ليلاً.
والقوافل التى تم تهجيرها قسريًا إلى مناطق الصحراء تعرضوا إلى هجمات وحشية من ضباط الأقاليم العثمانيين، والعصابات البدوية والإجرامية والأكراد، وتم تجريد الضحايا من ملابسهم للتفتيش الذاتى واغتصاب النساء واختطاف الفتيات والشابات، وتعذيبهن والقتل أو الاستغلال الجنسى، وهى جرائم لا تقل وحشية عن جرائم داعش التى سمعنا بها مؤخرًا.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع