مذبحة الأرمن .. القضية التاريخية .. الأبعاد والتبعات في لقاء العدد
حوار: جاكلين جرجس
د . محمد رفعت الإمام لـــ " صوت بلادي "
- قد تم توظيف " الدين " فى الإبادة الأرمنية عندما حرًّض النظام التركى الحاكم الأكراد " المسلمين " ضد الأرمن " المسيحيين " ، حتى يتخلص جنس من الآخر لصالح الأتراك .
- توجد قطاعات من النخبة التركية تعترف بالإبادة الأرمنية ، ولكنها عوقبت بموجب المادة 303 من قانون العقوبات التركية بتهمة إهانة القومية التركية .
- اعتبرت الإدارة العثمانية المادة ( 61 ) في معاهدة برلين تدخلًا أوروبيًا فى شئونها الداخلية ولهذا ، رفضت تنفيذ هذه المادة مما دفع الأرمن إلى العمل الثورى بهدف تنفيذها .
- كانت غاية نظام السلطان عبد الحميد الثانى من مذابح الأرمن ( 94 – 1896 ) القضاء على ثورة الأرمن و مطالبهم الإصلاحية فقط مع بقائهم مواطنين ضمن رعايا الدولة العثمانية .
من المعترف به في المراجع التاريخية على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث ، ويشير الباحثون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمّة التي نفذت من خلال عمليات قتل كان هدفها القضاء على الأرمن ، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح الجماعية بعد الهولوكست وكلمة " الإبادة الجماعية" قد صيغت من أجل وصف هذه الأحداث، كما أطلقت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية على الحملة العثمانية التي قام بها الأتراك ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية بين عام 1914 وعام1923 إبادة جماعية ..
حول أبعاد تلك القضية وتداعياتها كان لجريدة " صوت بلادي " ذلك اللقاء مع د . محمد رفعت الإمام وهو أحد المهمومين بالقضية وصاحب الرصد التاريخي الأحدث و الأهم عبر رسالتى الماجيستر و الدكتوراه فهو استاذ التاريخ المعاصر و الحديث بأداب دمنهور ، و مؤلف كتب " الأرمن فى مصر " ، " تاريخ الجالية الأرمنية فى مصر " و " القضية الأرمنية فى الدولة العثمانية " .
و هو رئيس تحرير مجلة " أريك " التى تعبر عن الثقافتين المصرية و الأرمنية و تصدر عن جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة ،ومدير تحرير مجلة مصر الحديثة الصادرة عن دار الكتب و الوثائق القومية بالقاهرة ، كما يترأس الكاتب تحرير الملحق الشهرى العربى لجريدة " أريڤ " .
وننتقل للحوار..
- ما هو السبب وراء اختياركم لقضايا الأرمن كموضوعات لنيل درجتىّ الماجستير و الدكتوراه ؟
فى الحقيقة لاحظتُ وجود جاليات أجنبية كثيرة فى مصر الحديثة أمثال اليونانيين و الإيطاليين و الإنجليز و الفرنسيين و غيرهم ، و كذلك لاحظتُ وجود جاليات شرقية من قبيل الشوام و المغاربة و الأكراد و الأرمن ؛ لهذا طرحت سؤالاً كبيراً : لماذا جاءت هذه الأجناس إلى مصر ؟ ولماذا مصر تحديدًا ؟ .
أيضًأ ، هل جاءت هذه الأجناس بإراداتهم أم رغمًا عنهم ؟ ولماذا كل هذا الغموض خاصة حول الأرمن ؟ و للإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى ، قُمت بإعداد رسالتىًّ للماجستير و الدكتوراه عن الأرمن فى مصر .
- فى بداية الحوار : نحتاج إلى ملخص سريع لتعريف القارئ عن أهم أحداث مذابح الأرمن ؟
عاش الأرمن تحت الحكم العثمانى منذ بداية القرن السادس عشر ، و خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر ، أخذ الأرمن يُطالبون بإصلاح أحوالهم المعيشية و مساواتهم مع المسلمين ، وقد نصت المادة ( 61 ) من معاهدة برلين 1878 على الإصلاحات الأرمنية و حماية الأرمن من الاعتداءات التركية و الكردية و الچركسية .
اعتبرت الإدارة العثمانية المادة ( 61 ) تدخلًا أوروبيًا فى شئونها الداخلية ولهذا ، رفضت تنفيذ هذه المادة مما دفع الأرمن إلى العمل الثورى بهدف تنفيذها .
واجهت الإدارة العثمانية الثورة الأرمنية بالملاحقات و الاعتقالات و فرض مزيدًا من الضرائب و كبت الحريات ، وانتهى المشهد العثمانى الأرمنى باقتراف المذابح الحميدية 1894 – 1896 التى راح ضحيتها حوالى 300 ألف أرمنى ، ثم تكررت المذابح فى عام 1909 فى منطقة قيليقية .
وفى عام 1915 وقعت المذبحة الكبرى ( الإبادة ) وراح ضحيتها حوالى مليون ونصف المليون أرمنى ، كما حدثت مذابح مطلع عشرينيات القرن العشرين راح ضحيتها عدة آلاف .
- من وجهة نظركم : ما السبب الحقيقى الذى يجعل الحكومة التركية تُقدم على اغتيال أمة برمتها ؟
كانت غاية نظام السلطان عبد الحميد الثانى من مذابح الأرمن ( 94 – 1896 ) القضاء على ثورة الأرمن و مطالبهم الإصلاحية فقط مع بقائهم مواطنين ضمن رعايا الدولة العثمانية .
أما نظام تركيا الفتاة ( الاتحاد و الترقى ) ، فقد أراد بناء دولة قومية تركية ( تركيا للأتراك فقط ) ، وهو ما يعنى عدم وجود قوميات غير التركية ، هنا اصطدم الطموح التركى بالقوميتين العربية و الكردية الإسلاميتين ، و القومية الأرمنية المسيحية . ولهذا ، فمن أجل تأسيس بنيان تركى نقى الدماء ، لابد من التخلص من القوميات الثلاث : العرب و الأكراد و الأرمن .
استغل الأتراك القوميون المتطرفون قيام الحرب العالمية الأولى فى عام 1914 للتخلص من خصومهم القوميين بغض النظر عن ديانتهم ، وفى الوقت كان العالم بأسره منشغلاً بالحرب ، قرر الأتراك التخلص من القوميين العرب فى سورية و لبنان ، و أقام جمال باشا السفاح المشانق للمفكرين العرب ( حوالى 800 شخص ) و ترحيل آلاف العائلات العربية .
كما تم التخلص من الأرمن العثمانيين ابتداءً من 24 أبريل 1915 بالقبض على النخبة ثم ترحيل مكان الولايات الأرمنية شرقى الأناضول إلى ولاية حلب و فى الطريق قام الأكراد و قطاع الطرق و المجرمين بالتخلص من الأرمن . بذلك ، تم إخلاء تركيا من أكبر أقلية عرقية كانت ستقف عائقاً أمام حلم تركيا للأتراك .
- ماهو دور الشعب الأرمنى فى النضال طول هذه الفترة ؟ ومن هم أهم رموز النضال الأرمنى ؟
قامت النخبة الأرمنية بدور مهم فى تحريك القضية الأرمنية فى الدوائر الإعلامية و المحافل السياسية الأرمنية فى المهجر بدور ملحوظ لإيقاظ الشعور بالقضية الأرمنية لاسيما أحزاب الطاشناق و الرامجاڤار و الهنشاك ، ولكن يعيب العمل الحزبى الأرمنى عدم توحدهم حول أهداف واحدة ، و قامت الكنيسة الأرمنية بدور قيادى و بالذات عندما فقد الأرمن الأرض و الدولة ، ولذا ، حلت الكنيسة محل الدولة ، و قادت الأرمن فى إعادة بناء أنفسهم و عدم الإنصهار فى كيانات غير أرمنية .
ومن رموز النضال الأرمنى : بوغوص نوبار باشا ، الأب خريميان ، أڤيديس أهارونيان .
- هل سبب المجازر التى قامت بها رتكيا العثمانية ضد الأرمن سياسية أم دينية ؟
ارتكب الأتراك القوميون مذابح الأرمن لأسباب سياسية و اقتصادية واجتماعية و دينية ، فقد أرادوا تحويل الإمبراطورية العثمانية إلى دولة تركية قوامها الأتراك فقط .
و سياسيًأ ، خشى الأتراك أن ينجح الأرمن فى إقامة دولة لهم فى الأنضاول الشرقى و اقتطاع ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية فى الأناضول .
واقتصاديًا ، سيطر الأرمن على معظم مجالات الاقتصاد ، ولذا ، يجب التخلص منهم حتى يكون الاقتصاد فى أيدى الأتراك فقط .
واجتماعيًا ، لأن الأرن لهم ثقافة ولغة و أبجدية مختلفة عن الأتراك علاوة على أنهم ليسوا من الجنس التركى أو التركمانى .
و دينيًا ، لأن الأتراك مسلمون و الأرمن مسيحيون .
لهذه الأسباب ، و من وجهة نظر الأتراك ، يُشكل الأرمن قاطنى الأناضول الشرقى عقبة كبرى أمام تنفيذ حلم ( تركيا للأتراك )
وقد تم توظيف " الدين " فى الإبادة الأرمنية عندما حرًّض النظام التركى الحاكم الأكراد " المسلمين " ضد الأرمن " المسيحيين " ، حتى يتخلص جنس من الآخر لصالح الأتراك .
وعلى مستوى الإسلام ، أضر الأتراك القوميون بهوية الإسلام ، فقد ألغوا الخلافة فى عام 1924 و غيروا الأبجدية التركية من الحرب العربى إلى الحرف اللاتينى .
- إذا قمنا بعمل مقارنة بين محرقة اليهود و مذابح الأرمن : ماذا تقول ؟
وقعت المذابح الأرمنية خلال الحرب العالمية الأولى ، و وقعت المحرقة اليهودية زمن الحرب العالمية الثانية ، و قد ارتكبت أنظمة قومية متطرفة هذه الجرائم الولية .
قام نظام تركيا الفتاة ( الاتحاد و الترقى ) بالإبادة الأرمنية ، وقام النظام النازى بالهولوكوست ،
وكان هدف النظامين إقامة بنيان سياسى قومى عرقى على حساب الأقليات القوميات الأخرى ؛ ولكن بينما تخلص الأتراك من الأرمن بطرق بدائية ، تخلص النازيون من خصومهم باستخدام قمة التكنولوجيا ، وهناك فارق مهم بين المذبحة و المحرقة ، فقد تم اقتلاع الأرمن من وطنهم الأصلى عكس اليهود الذين كانوا جاليات فقط فى أوروبا .
وحتى الأن لم يتمكن الأرمن من انتزاع اعتراف عالمى بالإبادة و التعويض عنها ماديًا و معنوياً عكس اليهود الذين نالوا اعتراف العالم بالهولوكوست و عوضتهم ألمانيا حتى الأن ماديًا ، كما أن قيام إسرائيل ( 1948 ) و الاعتراف بها يُمثل أكبر مكافأة حصل عليها اليهود بعد الهولوكوست و لازالت إسرائيل و اللوبيات اليهودية تستثمر الهولوكوست لمزيد من المكاسب السياسية و الاقتصادية .
- ماهى أكثر الشعوب تعاطفًا مع القضية الأرمنية ؟
فيما يتعلق بالأنظمة الحاكمة ، فقد تعاملت مع القضية الأرومنية من منظور مصالحها القومية العليا و تسير المعادلة على النحو الأتى : إذا ساءت العلاقات مع تركيا ، يتم تصعيد الملف الأرمنى ، حدث هذا فى الماضى من بريطانيا و فرنسا و روسيا و يحدث الأن من الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها .
ولكن الشعوب كانوا أكثر تفاعلاً مع الأرمن و مأساتهم من منظور إنسانى ، هناك أتراك عاديين أنقذوا جيرانهم الأرمن من الإبادة ، و قام العرب رغم أن أغلبهم من المسلمين بدور بارز فى إنقاذ آلاف الأرمن و إيوائهم و توفير سبل حياة كريمة لهم ، و قدمت الشعوب الإنجليزية و الفرنسية و الأمريكية بتبرعات كبيرة أسهمت فى إعادة بناء الأمة الأرمنية بعد الإبادة و التهجير و التشريد .
و قامت منظمة إغاثة اللاجئين الأرمن و السوريين ، وهى منظمة أمريكية بدور مهم فى إنقاذ الأطفال و الأيتام و الأرامل فى منطقة الشرق الأدنى ، ولكن يعيب هذا العمل الخيرى وقوعه تحت تأثير مؤسسات التبشير البروتستانتية و الكاثوليكية على حساب المؤسسات الأرثوذكسية .
- هل يتزايد التعاطف الدولى مع القضية الأرمنية فى الوقت الحالى؟
بعد مرور ( 104 ) سنة على الإبادة الأرمنية لازالت الأنظمة و الدول و المؤسسات تتعامل مع قضية الأرمن على خلفية العلاقات مع تركيا . و رغم هذا ، يوجد تيار من النخبة الفكرية حتى فى تركيا ذاتها " يتعاطف " مع الأرمن مثل أورهان باموك و إليڤ شفق و تانير أكچام .
- ماذا حققت المساعى و الجهود الدولية لرد حق الأرمن ؟
على الرغم من مرور ( 104 ) سنة ، لم يحصل الأرمن على اعتراف دولى كامل ، و لكن اعترف ثثلاثون دولة بالإبادة الأرمنية ، وكذلك ، برلمانات و منظمات حقوقية ، و 49 ولاية أمريكية ، ولم يترتب على هذه الاعترافات أية خطوات قانونية لاسترداد حقوق الأرمن : الأرض و العقارات و الأموال الثابتة و المنقولة .
- من المعروف أن الحقوق لا تموت بالتقادم ، فهل هناك أى مكاسب قانونية فى الفترة الأخيرة ؟
تأسست الآليات القانونية الدولية بعد الإبادة الأرمنية ، ففى عام 1948 ، أقرت الأمم المتحدة اتفاقية منع الإبادة و العقاب عليها ، و لا تُطبق الاتفاقية على الإبادات التى حدث فى الماضى ، كما أنها لم تُحمل الأنظمة و الدول مسئولية ارتكاب الإبادة ، وحملتها لأشخاص فقط سواء كانوا حكامًا أو كبار موظفين أو حتى أفراد عاديين .
كما أن المحكمة الجنائية الدولية قد تأسست فى لاهاى عام 1998 للبت فى الإبادات الحالية و المستقبلية .
وحتى الأن ، لا توجد آلية قانوينة للبت فى الإبادات السابقة مما يُشكل صعوبة شديدة أمام استرداد الأرمن حقوقهم رغم وجود آلاف البراهين و الشواهد على الإبادة الأرمنية .
- لماذا لم تتكاتف برلمانات و حكومات الدول الكبرى للضغط على تركيا للإعتراف بالإبادة ؟
الأمر يحتاج إلى آلية قانونية يتفق عليها الجميع ، وهو أمر صعب فى ظل تناقض المصالح بين الدول و الأنظمة ، تركيا شريك إستراتيجى لإسرائيل و الولايات المتحدة ، و تضع تل أبيب و واشنطن حساسيات الأعتراف بالإبادة الأرمنية فى تأثيرها على شراكتهما مع أنقرة .
إسرائيل لا تُريد الاعتراف بأن الإبادة الأرمنية أول إبادة فى القرن العشرين حتى يبقى الهولوكست وحيداُ متفرداً و لا مثيل له و لا سوابق له . لهذا ، دوماً تضغط تل أبيب بمشاركة اللوبى اليهودى الأمريكى على الأدارة الأمريكية من أجل عدم الاعتراف الرسمى بالإبادة الأرمنية .
- رغم بشاعة المذابح و ما حدث خلالها من دماء و اغتصاب و آثام ، ماهى الصورة المثلى لتقديمها إلى الأجيال الجديدة ؟
لا ريب أن الإبادة الأرمنية شهدت مشاهد غير إنسانية من سفك دماء و بتر أعضاء جسدية و اغتصاب فتيات ، وهى حقائق ثابتة لا ينكرها التاريخ و عليها شواهد بالآلاف ، وهنا ينبغى أن نلجأ إلى المعادلة الصعبة : تذكير الأجيال بوطنهم المسلوب و ما جرى للأجداد من تضحيات و ويلات ، و فى نفس الوقت ، لا نزرع الكراهية و الحقد فى نفوس الأجيال الحالية حتى لا تغلب نزعة الانتقام على إرادة رد الأرض المسلوبة و الحقوق المهدرة ؛ إن التصالح مع الماضى يستلزم تنازلات من جميع الأطراف ، و هى مسألة نفسية و سياسية معقدة ، تحتاج مشرط جراح واع و صادق .
- بالحديث عن مصر و علاقتها بالأرمن ، كيف استطاعت إحتواء اللاجئين منهم بالرغم من أنها كانت جزءاً من الدولة العثمانية فى ذلك الوقت ؟
إن مصر كانت درة التاج العثمانى ، و رغم وقوعها اسميًا تحت السيطرة العثمانية ، فإنها أنتصرت للإنسانية و الحضارة و الدين السمح ( الدين المعاملة ) ، استقبلت أكثر من ألفى لاجىء زمن المذابح الحميدية ( 1494 – 1896 ) و استقبلت عدة آلاف زمن مذابح أضنة ( 1909 ) .
و أثناء الإبادة الكبرى ( 1915 – 1916 ) ، استقبلت بورسعيد 4200 أرمنى فى 15 سبتمبر 1915 و فى عام 1917 -1918 ، بلغ عدد اللاجئين حوالى 8 آلاف ، وبين عامى 1924 – 1927 استقبلت مصر 106 أرمنية يتامى و 300 أرمنى أيتام و هكذا أنقذت مصر آلاف الأرمن و عاشوا وسط المصريين أمنيين سالمين .
من أبرز المواقف المصرية تجاه الأرمن أن الشيخ سالم البشرى شيخ الجامع الأزهر أصدر فى 24 أبريل 1909 فتوى ضد الأتراك " المسلمين " الذين يحرضون على مذابح الأرمن " المسيحيين " بناءً على فتاوى دينية صادرة عن شيخ الإسلام فى اسطنبول و قام المحامى حسين صبرى رئيس وزراء مصر عام 1940 بترجمة فتوى شيخ الأزهر إلى التركية ، و أرسلها بالتلغراف على نفقته الخاصة إلى 25 ألف قرية و مدينة تركية حتى لا يرتكبون مذابح ضد المسيحيين بإسم الدين الإسلامى .
- هل كان هناك تيارات هجرة أرمنية إلى مصر قبل المذابح؟
قبل منتصف تسعينات القرن التاسع عشر ، هاجر الأرمن فرادى و عائلات بإراداتهم إلى مصر لاسيما زمن محمد على باشا ( 1805 – 1849 ) و قد انتديت الحكومة المصرية عائلات أرمنية مثل نوباريان و تشراكيان و آبرويان و يوسفيان و حكيكيان لأداء مهام فى الأدارة المصرية .
- كيف استفادت مصر من الأرمن فى المجالات المختلفة ؟
عمل الأرمن فى جميع الأنشطة الإدارية و الاقتصادية المصرية ، لكنهم تميزوا فى إدارة العلاقات الخارجية المصرية من خلال منصب " وزير الخارجية " الذى تولاه خمسة أرمن ( بوغوص – أرتين – نوبار – استيبان – ديكران ) 12 مرة طوال القرن التاسع عشر بنسبة 65 % ومن خلال هذا المنصب أسهم الأرمن فى تأسيس الدبلوماسية المصرية ، وكان نوبار باشا أول رئيس وزراء لمصر منذ 28 أغسطس 1878 و تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات بينما تولى يعقوب أرتين تنظيم التعليم المصرى 1884 – 1906 .
- من وجهة نظركم ما هو السبب الرئيسى فى عدم اعتراف مصر رسميًا بالمذابح الأرمنية حتى الأن ؟
على المستوى العالمى مصر لم تنكر وقوع المذابح و الإبادة ، ففى قمة أزمتها الأقتصادية استقبلت آلاف اللاجئين و وفرت لهم فرص عمل وحياة كريمة دون أدنى تمييز عرقى أو دينى ، رغم تبعيتها السياسية للدولة العثمانية ، وصدر عن الأزهر موقف سياسى عنيف ضد الدولة الأم ، لم يصدر عن مؤسسات أوروبية و أمريكية وضعت فى حسبانها المصالح الإستراتيجية مع تركيا و صدر من القاهرة عام 1916 أول كتاب فى العالم عن المذابح فى أرمينيا للمحامى السورى فايز الغصين.
وأثناء الاحتفاء بالذكرى المئوية لإبادة ( 1915 – 2015 ) كانت مصر هى الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التى شهدت زخمًا إعلاميًا : ندوات و مؤتمرات ، أفلام وثائقية ، برامج إذاعية و تليفزيونية ، ومواقع إلكترونية مع وفد شعبى من (50 ) شخصية شاركوا أرمينية مراسم الاحتفال ، وكان البابا تواضروس على رأس هذا الوفد و هناك دعوى قضائية تُطالب مصر بالاعتراف الرسمى و محاولة برلمانية قام بها مصطفى بكرى لاعتراف البرلمان المصرى بالإبادة الأرمنية ، ويصدر من مصر مجلة " أريك " ديوان الثقافتين العربية و الأرمنية ، التى تُخصص معظم محتوياتها للإبادة الأرمنية .
كل هذا و أكثر خرج من مصر و مسألة الاعتراف الرسمى تحتاج إلى جهود الجالية الأرمنية المصرية على نحو ما قامت به الجاليات الأرمنية فى فرنسا و روسيا و كندا و لاشك أن الاعتراف المصرى الرسمى بالإبادة الأرمنية يُمثل حلمًا كبيرًا للأرمن المصريين لسيما أن مصر أبرز و أهم دولة عربية .
- هل يُعتبر تلويح الرئيس السيسى لقضية الأرمن فى مؤتمر ميونيخ ( فبراير 2019 ) خطوة جدية للاعتراف بالإبادة ؟
أشار الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى " مذابح الأرمن " عند حديثه عن وضع اللاجئين العرب و الأفارقة فى مصر ، ولم يتطرق إلى مسألة الاعتراف أو التلويح بها ، و لا يُمكن الاستناد إلى كلمته على أنها مقدمة للأعتراف المصرى .
- هل هناك أى بادرة أمل باعتراف تركيا بتلك المذابح و التصالح مع أرمينيا خاصة بعد إحتمالية إنضمام أرمينيا للاتحاد الأوروبى ؟
توجد قطاعات من النخبة التركية تعترف بالإبادة الأرمنية ، ولكنها عوقبت بموجب المادة 303 من قانون العقوبات التركية بتهمة إهانة القومية التركية .
و رغم أهمية اعتراف الدول و البرلمانات و المنظمات الحقوقية بالإبادة الأرمنية ، يبقى أعتراف تركيا بها هو الأهم ، لكن فى ظل نظام حكم اردوغان و مرجعيته الدينية و هويته القومية فمن الصعب جداً اعتراف تركيا بالإبادة .
- هل ترى أن هناك تقاعس للإعلام فى تناول القضية الأرمنية ؟
عمومًا ، الإعلام خاضع للسياسة و المصالح الكبرى و توجهات الإعلام تسير حسب الخطوط الحمراء فى مدى الأقتراب أو الابتعاد عن تناول الإبادة الأرمنية .
فى مصر ، يُوجد زخم إعلامى لصالح القضية الأرمنية فثمة برامج تلو البرامج بالتليفزيون الرسمى و القنوات الخاصة تناولت القضية الأرمنية ، و خصصت الأهرام العربى و ديوان ونصف الدنيا و المصور و روزاليوسف و غيرها أعدادًا كاملة لتعاطى مسألة الأرمن ، ونجح الإعلام المصرى فى الآونة الأخيرة فى تكوين رأى عام داعم و واع بالقضية الأرمنية .